أكد موظفون لـ«الإمارات اليوم» تعرضهم لـ«التنمر الوظيفي» داخل بيئة العمل على أيدي بعض مديريهم، الذين يمارسون «سلوكيات تنمرية» بأساليب مباشرة أو طرق خفية، تتضمن ممارسات إدارية غير عادلة وتعسفية تُفقدهم الشعور بالأمان الوظيفي، فيما أكد مختصون أن «التنمر الوظيفي» يتسبب في الشعور باضطرابات عدة، أبرزها «اضطراب الكرب اللاحق للصدمة» (PTSD)، كما يجر الموظف إلى العيش في نوبات هلع مستمرة تسبب له اضطرابات نوم، وتدفعه إلى انسحاب اجتماعي ووظيفي وفقدان الثقة بالنفس.

وطالب الموظفون بإنشاء خط ساخن مخصص للعاملين في مختلف القطاعات، على أن يكون مرتبطاً بالجهات الرسمية المختصة، للإبلاغ عن ممارسات التنمر في مكان العمل، وتقديم الدعم والتوجيه المناسبَين لمن يتعرّضون لهذه الحالات.

8 سنوات من الخبرة.. وكرسي بلا اسم

وتفصيلاً، قالت (م.أ)، التي تعمل في أحد القطاعات الحيوية، إنها تحمل ثماني سنوات من الخبرة داخل المؤسسة، إلى جانب درجة الماجستير التي اجتهدت سنوات طويلة للحصول عليها، ودخلت القسم بثقة، متوقعة أن توضع في المكان الذي يناسب خبرتها، إلا أنها فوجئت بتحويلها إلى نظام «الإعارة» لمدة ثلاث سنوات كاملة، تنقّلت خلالها من قسم إلى آخر دون منحها فرصة للاستقرار أو مكتباً مخصصاً أو فريق عمل ثابتاً.

وأفادت بأن الردّ كان دائماً: «لا توجد ميزانية كافية لتثبيتك في القسم»، رغم أن المؤسسة كانت تستقبل موظفين جدداً من الخارج يحصلون فوراً على مكاتب ثابتة ومهام واضحة ومواقع وظيفية مستقرة، بينما هي، باعتبارها ابنة المكان، ظلت «تتنقل بلا عنوان».

وأضافت أنها في أحد الأيام تأكد لها عمق المشكلة، إذ غادرت اجتماعاً قصيراً، وعادت إلى مكتبها المؤقت لتجد أغراضها مكدّسة جانباً، وحاسوباً جديداً وُضع أمامها، وقيل لها ببرود: «موظف قد تعيّن وهذا مكتبه الجديد»، وأكدت أن التنمر الإداري يهدد بيئة العمل نتيجة الممارسات غير العادلة، كونه أحد أكثر العوامل التي تُضعف الإنتاجية وتُفقد الموظفين شعورهم بالأمان الوظيفي، خصوصاً في القطاعات التي تعتمد على الخبرات التخصصية.

وأوضحت أن هذه الممارسات لم تكن مجرد حالات فردية، بل انعكاس لأسلوب إداري يفتقر إلى الاحترام، مشيرة إلى أن أحد المديرين كان يرفع صوته عليها باستمرار بطريقة لا تليق ببيئة العمل، رغم كونها امرأة وأمّاً عاملة، ورغم وجود شهود على ذلك.

كما أفادت بأن جهة العمل تعتمد معايير غير واضحة، إذ إنه تم إنهاء خدمات إحدى الموظفات ثم إعادتها إلى المنصب نفسه خلال فترة قصيرة جداً، وبدرجة وظيفية عالية لا يحصل عليها آخرون بعد سنوات طويلة من الخبرة، وقالت إن هذه الخطوة، وفقاً لآراء الموظفين، أظهرت وجود تأثيرات خارجية على القرارات، إضافة إلى غياب مبدأ تكافؤ الفرص.

وأشارت إلى افتقار القسم إلى نظام محاسبة إداري فعّال، ما سمح باستمرار بعض التصرفات المسيئة دون حلول جذرية، رغم وصول بعضها إلى الموارد البشرية.

مساعدة أصحاب الهمم تتحوّل إلى تنمّر

وقالت (م.أ)، موظفة من أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة البصرية، إنها تحتاج إلى مساعدة زملائها لأن البرنامج الناطق المخصص لذوي الإعاقة البصرية لا يقرأ بعض الصور أو التنسيقات، وأوضحت أن الشخص من ذوي الإعاقة يقوم بإعداد المحتوى، بينما يساعده زميل فقط في تنسيقه، إلا أن بعض الموظفين يعتبرون أنهم قدّموا «الخدمة»، وأن نجاح الموظف من ذوي الإعاقة يُنسَب لهم.

وأضافت: «إذا حصلتُ على تقدير متميز، بينما حصل الموظف الذي ساعدني على تقييم أقل، يشعر بأنني ضيّعت وقته، وهذا يسبب لي إحباطاً شديداً»، وتابعت بأن بعض الزملاء يتنمرون على أصحاب الهمم أثناء مساعدتهم، ويعتبرون أن مساعدة ذوي الإعاقة تسلبهم حقوقهم، إذ يستغل البعض أصحاب الهمم للوصول إلى أهداف معينة، ثم يتنمرون عليهم إذا لم يحصلوا على التقييم الذي يتوقعونه، قائلين إن الموظف من أصحاب الهمم «أخذ مهامهم».

من ماجستير إلى وضع إبريق الماء في غرفة الاجتماعات

أما (م.أ)، موظفة تحمل شهادة ماجستير وخمس سنوات من الخبرة، فقد تحدثت عن يومها الأول في القسم، حيث وصلت مبكراً وهي مفعمة بالحماس، متوقعة أن تبدأ بمهام تناسب مؤهلاتها، إلا أنها فوجئت بقول المديرة لها: «أول مهمة لك كل صباح: ضعي إبريق الماء في غرف الاجتماعات».

وأوضحت أن الأمر لم يكن مجرد مهمة بسيطة بل «رسالة غير معلنة» بأن مكانها أقل مما تتوقع، وتقول: «كان اليوم الأول اختباراً لكرامتي أكثر من كفاءتي»، مضيفة أنها استمرت في أداء المهمة اليومية، قبل أن تدرك أن هذه المهام كانت بداية لسلسلة من التنمر الإداري والتقليل من شأن الموظفين.

سخرية في مكان العمل

وقال (ر.ع)، طالب جامعي يعمل بدوام جزئي، إنه يتعرض لمضايقات من بعض زملائه في العمل بسبب لون بشرته، وأوضح أن هذا الوصف يسبب له شعوراً بالإحراج والضيق، خصوصاً خلال المناسبات الرسمية التي تتطلب الالتزام بزيه الرسمي.

وأشار إلى أن أحد زملائه خاطبه في إحدى هذه المناسبات ساخراً: «تبدو أنيقاً ولكن كيف ترتدي هذا الزي؟ هل تتحدث العربية؟»، وهو ما اعتبره تعليقاً جارحاً يمس هويته وانتماءه، ويؤثر في ثقته بنفسه داخل بيئة العمل.

وأكد أن مثل هذه السلوكيات تُعد شكلاً من أشكال التمييز اللوني الذي لا ينبغي التساهل معه، خصوصاً في بيئات يفترض أن تكون داعمة للفروق الفردية.

فوضى إدارية تربك الموظفين

من جانبها، قالت (ع.أ) إن مديرها يوجّه دائماً ملاحظات لموظفيه بأنهم «لا يعملون»، خصوصاً عند وجودهم في أماكن الاستراحة، بينما يرفض تكليفهم بأي مهامّ عندما يطلبون عملاً، مدّعياً أنه «لا توجد مهام حالياً»، ما يثير القلق والتشتت بينهم.

وأضافت أنها باتت تلجأ في كثير من الأحيان إلى تجاهل التواصل المباشر مع المدير، وتعتمد على البريد الإلكتروني المخصص لنظام الرسائل بالمؤسسة لتجنب المضايقات المباشرة.

كما أشارت إلى أن المدير يتعمد توظيف «العامل النسائي»، معتقداً أن الذكور «قليلو العمل وغير مستقرين وظيفياً» نتيجة تجربة سابقة مع موظف كان تحت إشرافه.

وطالبت بتخصيص خط ساخن لشكاوى التنمّر على الموظفين يتيح لهم الإبلاغ بسرية عن أي ممارسات مسيئة، ويوفر قناة آمنة للتدخل السريع وحمايتهم من أي مضايقات أو ضغوط غير طبيعية قد يتعرضون لها داخل بيئة العمل.

ابتزاز مهني

أما (ف.ع)، فقد مرت بتجربتين مريرتين، أولاهما حين كانت مديرتها السابقة تمارس تمييزاً واضحاً ضد جنسية معينة من الموظفين، وتنتقد الامتيازات المقدّمة لهم، وقالت إن المديرة طلبت منها حضور اجتماع مع طرف آخر من جنسية معينة، لأن التواصل سيكون أسهل، بحجة أنني من الجنسية نفسها وسأكون عامل جذب للذكور، وهذا سيُربح الشركة.

وقالت إن هذه الجملة كانت كافية لتقديم استقالتها بدعم من أسرتها، لأنها شعرت بأنها «سلعة تُشترى» في بيئة العمل.

وذكرت موقفاً آخر لمديرتها السابقة أيضاً بأنها دخلت المكتب ذات يوم في «حالة غير طبيعية» وأبلغتها صراحة بأنها في حالة «سُكر»، وتتمنى لو كان شرب الخمور مسموحاً في مكان العمل.

وشرحت أنها انتقلت إلى قطاع آخر، إلا أن التحديات استمرت، خصوصاً أنها حامل وتعاني من فقر الدم والإرهاق المتكرر، ورغم تقديمها تقريراً طبياً يوصي بالعمل عن بعد، استمر مديرها في الضغط عليها، واقترح عليها ارتداء «حزام حمل» لتتمكن من الحركة بشكل أفضل كما فعلت زوجته، دون مراعاة حالتها الصحية.

وأوضحت أن موقع العمل يتطلب المشي لأكثر من 15 دقيقة من موقف السيارات، ولا تتوفر وسيلة نقل داخلية للمكتب، ورغم تطبيق العمل عن بعد، يستمر المدير في التواصل معها حتى الساعة الثامنة مساءً، ويصفها بأنها «قليلة الكفاءة».

سلوك عدواني يحول الموظف إلى ضحية

وأوضح أستاذ علم الاجتماع، الدكتور أحمد العموش، أن التنمر في بيئة العمل سلوك عدواني مستمر يهدف إلى الإيذاء أو الإقصاء أو الإذلال، وقد يكون لفظياً أو غير لفظي، ويتخذ أشكالاً متعددة منها الإيذاء النفسي، والاعتداء الجسدي، والتنمر الإلكتروني.

وأشار إلى أن الإذلال والشائعات من أبرز مظاهر التنمر الوظيفي، مؤكداً أن بيئة العمل نفسها قد تتحول إلى ضحية حين يسيء بعض الأفراد إلى المؤسسة ومكان العمل.

وأضاف أن الموظف عندما يصبح هدفاً لسلوك متكرر من التضييق أو الإهانة، قد يجد نفسه «مجبراً نفسياً» على الاستقالة، مشيراً إلى أن الدراسات تشير إلى اختلاف مستويات التنمر وفق النوع والعمر، وأن الضحايا الأكثر شيوعاً هن النساء اللواتي يمتنعن عن الإبلاغ، خوفاً من الوصمة الاجتماعية.

الصحة النفسية

من جانبها، أوضحت استشارية الصحة النفسية، الدكتورة هالة إبراهيم الأبلم، أن التنمر الوظيفي يُعد مشكلة مهنية وصحية تستدعي وعياً تشريعياً ومؤسسياً، مشيرة إلى أن الدراسات تُظهر أن واحداً من كل خمسة موظفين عالمياً تعرّض لشكل من أشكال العنف أو التحرش المهني.

وتحدثت عن الشخصيات الأكثر عرضة للتنمر، مثل الأشخاص الهادئين أو الموظفين ذوي الضمير المهني العالي الذين تثير كفاءتهم غيرة البعض، إضافة إلى الموظفين الجدد أو الأصغر سناً.

وأكدت ضرورة التمييز بين ضغوط العمل الطبيعية والسلوك التنمري، موضحةً أن الأول يرتبط بمهام واضحة وبفريق كامل، بينما التنمر يكون موجّهاً لشخص بعينه، ويتضمن عناصر إهانة وإقصاء وتشويه.

كما شددت على ضرورة طلب الدعم النفسي عند ظهور أعراض مثل نوبات الهلع، الأرق المزمن، فقدان القدرة على التركيز، أو الشعور بالعجز، ويصل الأمر أحياناً إلى الإصابة بـ«اضطراب الكرب اللاحق للصدمة» (PTSD).

وأشارت إلى أهمية السياسات الواضحة المضادة للتنمر في حماية الموظفين، وإلى ما يوفره القانون الاتحادي من ضمانات ضد التحرش والعنف النفسي داخل العمل.

خط ساخن

أما مدربة التنمية البشرية، الدكتورة أماني المطروشي، فقد وصفت بيئة العمل التي ينتشر فيها التنمر الوظيفي بأنها غالباً ما تفتقر إلى الوضوح والعدالة، ويكون التواصل فيها غير صحي، والقرارات تُتخذ دون شفافية، ويغيب فيها التقييم المبني على أداء حقيقي، وأيضاً يسودها الصمت والخوف من إبداء الرأي، فلا يشعر الموظفون بالأمان النفسي، وقالت: «هذه البيئات تسمح بسلوكيات غير مباشرة مثل التقليل من الجهود، لأنها لا تمتلك أنظمة واضحة للمساءلة أو قنوات آمنة للتبليغ».

وشدّدت على ضرورة بناء ثقافة عمل تحد من سلوكيات التنمّر، بدءاً من التزام قيادة المؤسسة بوضع سياسات واضحة تُعرّف السلوكيات غير المقبولة، وتعزيز الأمان النفسي ليشعر الموظفون بأن صوتهم مسموع دون خوف، كما أكدت أهمية الاستثمار في برامج الرفاه الوظيفي وتدريب العاملين على أساليب التواصل الإيجابي، إلى جانب إنشاء نظام شكاوى محايد وسري يشجّع على الإبلاغ ويضمن معالجة القضايا بعدالة، وأوضحت أن ثقافة المؤسسة هي التي تُنتج السلوك، فكلما كانت عادلة وواضحة، تراجعت الممارسات السلبية داخل بيئة العمل.

وترى أن وجود خط ساخن يمثل صمام أمان للمؤسسة وللموظفين، فهو يمنح الموظف قناة محايدة تضمن السرية وتحميه من أي تبعات، كما يساعد الجهات المعنية على رصد مؤشرات سلوكية داخل بيئات العمل قد لا تظهر في التقارير الرسمية.

وأشارت إلى أن هذا النوع من القنوات يعزز الثقة ويشجع الموظفين على الإبلاغ، ويعطي الجهات الرقابية أدوات عملية لتقييم جودة بيئات العمل، وقالت إن «الخط الساخن» ليس مجرد وسيلة شكوى؛ بل هو أداة لحماية رأس المال البشري ورفع مستوى النزاهة والمؤسسية.

• طالب جامعي يعمل بدوام جزئي يتعرض لمضايقات من بعض زملائه في العمل بسبب «بشرته».

• مساعَدة موظفة صاحبة همة تتحول إلى محاولة لسلب جهدها.

شاركها.
Exit mobile version