عقد صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ورئيس جمهورية كوريا، لي جيه ميونغ، اجتماعاً بقصر الوطن في أبوظبي، الثلاثاء الماضي، وذلك في إطار زيارة دولة قام بها الرئيس الكوري إلى دولة الإمارات.
وأعرب الجانبان، خلال الاجتماع، عن تقديرهما للنمو المتسارع للتعاون بين البلدين في عدد من المجالات، التي تشمل الطاقة والبناء والبنية التحتية، والتجارة والاستثمار والدفاع، والتكنولوجيا الدفاعية والفضاء والتكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الصحة والخدمات الطبية والزراعة والتعليم والتبادل بين الشعوب، وذلك منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1980.
كما أشاد القائدان بالتطور الكبير الذي تشهده العلاقات الثنائية، خصوصاً بعد توقيع مشروع محطات براكة للطاقة النووية مع الشركات الكورية في عام 2009، وإرسال وحدة «الأخ» إلى دولة الإمارات في 2011.
كما شدد الجانبان على عمق علاقات الصداقة بينهما على الصعيدين الآسيوي والشرق الأوسط، بناءً على الشراكة الاستراتيجية الخاصة التي تم تأسيسها عام 2018.
ويظهر هذا بشكل جلي من خلال التعاون الثنائي المستمر ضمن البرامج القائمة في قطاع الفضاء، والتي امتدت على مدار عقدين، حيث تُوِّج هذا التعاون بمشروعات حديثة، من أبرزها القمر الاصطناعي الراداري «اتحاد-سات» الذي تم تطويره بالشراكة مع شركة «ساتريك إنيشياتيف» الكورية عام 2025.
وتعكس الإنجازات السابقة، بما فيها إطلاق القمرين «دبي سات-1» و«دبي سات-2»، الجهود المشتركة في تطوير الأقمار الاصطناعية وتبادل المعرفة على نحو مستدام، كما احتضنت جمهورية كوريا الاختبارات البيئية الخاصة بأول قمر اصطناعي إماراتي «خليفة سات»، الذي تم تطويره بالكامل داخل دولة الإمارات، حيث تُشكّل هذه الجهود ركائز للتعاون القائم بين البلدين في مجالات متعددة، مثل الرصد والمراقبة في قطاع الفضاء «الوعي بالمجال الفضائي»، وتقنيات الفضاء المتقدمة واكتشافه.
وفي إطار الثقة الراسخة والاحترام المتبادل بما يعكس قيم التضامن، اتفق الجانبان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا، والارتقاء بها إلى آفاق جديدة وراسخة، بهدف البناء على علاقات مستدامة ووطيدة قادرة على الصمود أمام التغيّرات الدولية، بما يعود بالمزيد من الخير والنماء والازدهار على البلدين والشعبين الصديقين.
وعلى ضوء «مئوية الإمارات 2071»، التي تُمثّل خريطة طريق وطنية تهدف إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات بين أفضل دول العالم بحلول عام 2071، أكّد الرئيسان أن جمهورية كوريا شريك موثوق يتمتع برؤية مستقبلية تهدف إلى دعم مسيرة دولة الإمارات نحو تحقيق رؤيتها بعيدة المدى.
وفي هذا السياق، أكّد الجانبان التزامهما بتعزيز التنسيق وتكامل الجهود بين البلدين، بما يُرسّخ التعاون ويُعزّز شراكة تمتد إلى المئوية المقبلة، كما اتفق الجانبان على توطيد إطار تعاون مستقبلي، يركّز على النمو المشترك والازدهار المتبادل في المجالات الاستراتيجية والرائدة عالمياً، بما في ذلك قطاع الدفاع والتكنولوجيا الدفاعية، والتقنيات المتقدمة والناشئة التي تضم الذكاء الاصطناعي والكمّي، والطاقة النووية والصحة العامة والرعاية الطبية والأمن الغذائي والتبادل الثقافي، كما شددا على التزامهما بتعزيز شراكة تقوم على الثقة المتبادلة والازدهار المشترك ومواءمة الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى بين البلدين.
وبهدف تسريع النمو المشترك والازدهار المتبادل، أكّد القائدان التزامهما بتعزيز آلية تعاون عملية ومستدامة تعود بالنفع على الجانبين، بما في ذلك تأسيس منصات مشتركة للبحث والتطوير وتنمية قطاع التكنولوجيا وتبادل الخبرات والمعرفة وبناء سلاسل توريد للموارد الأساسية، وإرساء نموذج تعاوني للإنتاج والدخول المشترك إلى أسواق دول ثالثة.
وفي مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، تهدف الدولتان إلى البحث في المشروعات التي تعمل على تعزيز التعاون وتلبية الاحتياجات والقدرات الاستراتيجية، بما في ذلك مبادرات الاستثمار والتطوير والتصدير المشتركة، مثل إنشاء وتشغيل مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي والتي تعتمد على استراتيجيات مزج مصادر الطاقة لدى البلدين، إضافة إلى مشروعات استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الموانئ على المستوى العالمي من خلال تقنية التوأمة الرقمية والذكاء الاصطناعي الفيزيائي.
علاوة على ذلك، ستُطلق الدولتان حواراً وزارياً رفيع المستوى، لتوطيد التعاون في مجال حوكمة الذكاء الاصطناعي المسؤول والأمن السيبراني، بهدف تعزيز مرونة منظومة أشباه الموصلات، وتطوير الجهود المشتركة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي مجال الطاقة النووية المدنية، سيعمل الجانبان على توطيد التعاون في مجال الوقود النووي والصيانة والتحول الرقمي، لتعزيز كفاءة واستقرار عمليات محطة براكة للطاقة النووية، كما أكدا التزامهما بتأسيس إطار تعاون يعود بالمنفعة المتبادلة، ويتيح الدخول المشترك للأسواق العالمية من خلال دعم «نموذج براكة».
ووفقاً لأهداف الشراكة الاستراتيجية الشاملة للطاقة، وبناء على مخرجات لجنة المشاورات رفيعة المستوى بشأن التعاون النووي، شدد الجانبان على التزامهما بدعم أهداف الطاقة النظيفة على المستوى العالمي، والإسهام في النمو المستدام، وتطوير حلول خفض الانبعاثات الكربونية، من خلال التعاون في تقنيات الجيل القادم، والاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي، بهدف تحسين كفاءة محطات الطاقة النووية كمصدر موثوق وآمن للطاقة، ومواصلة التعاون في مجال التدريب، وبناء قدرات القوى العاملة والأمن النووي ونظمه، وإرساء الدعائم لإنشاء مشروعات طاقة نووية في دول ثالثة.
وفي مجال الدفاع الوطني والتكنولوجيا الدفاعية، ستعمل الدولتان على تطوير التعاون في هذا المجال، ليشمل الإنتاج المشترك والتطوير التقني ونقل المعرفة والتعاون في مجال التكنولوجيا والإنتاج المحلي.
كما أكّد الجانبان أهمية برامج تبادل المعرفة وبناء القدرات، لدعم القدرات الدفاعية الوطنية المستدامة.
وفي مجال المياه، أكدّ الجانبان الأهمية المتزايدة لهذا القطاع ضمن جهود العمل المناخي والتنمية المستدامة، كما قاما بتسليط الضوء على الدور المحوري لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه لعام 2026، الذي تستضيفه دولة الإمارات بالشراكة مع السنغال والمقرر عقده في ديسمبر 2026، لتعزيز الجهود العالمية في مجال المياه، كما أشار الجانبان إلى إسهامات الدولتين في تعزيز التكنولوجيا والابتكار في مجال المياه، وتوسيع نطاق الحلول في هذا المجال، بما في ذلك إطلاق دولة الإمارات لمبادرة محمد بن زايد للمياه.
وفي مجال الصحة العامة والرعاية الطبية، وانطلاقاً من مكانة دولة الإمارات كأكبر دولة في الشرق الأوسط في إحالة المرضى للعلاج إلى جمهورية كوريا، إضافة إلى عمل ست مؤسسات طبية كورية في دولة الإمارات، ستعمل الدولتان على تشجيع إنشاء مركز لتقديم الرعاية ما قبل العلاج وبعده للمرضى المقيمين في دولة الإمارات، وبحث إنشاء مجمّع طبي كوري شامل، لتعزيز الأبحاث المشتركة والاستثمارات في مجالات الأدوية والأجهزة الطبية الرقمية والطب التجديدي.
كما اتفق الجانبان على توسيع نطاق التعاون التنظيمي الشامل، ليشمل الصحة الحيوية، ومجالات التجميل، والمنتجات الطبية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والأبحاث ذات الصلة.
وفي مجال التعليم، ستعمل الدولتان على تشجيع الزيارات المتبادلة وبرامج التدريب وتنمية المواهب، وتوفير فرص التدريب العملي للشباب بين المؤسسات الرئيسة والجهات التعليمية والهيئات الحكومية، بما يسهم في توسيع آفاق التبادل بين الأجيال المقبلة.
وفي مجال الثقافة والتبادل بين الشعوب، أكّدت الدولتان التزامهما بدعم الجهود المشتركة لتعزيز مكانة دولة الإمارات مركزاً للتبادل الثقافي بما يسهم في توطيد الروابط الثقافية بين كوريا والشرق الأوسط، من خلال البناء على الاهتمام المتزايد الذي تحظى به الثقافة الكورية في المنطقة، وتعزيز مكانة دولة الإمارات مركزاً ثقافياً وسياحياً في الشرق الأوسط، كما أكّد الجانبان الدور المحوري الذي يُمثّله التبادل الثقافي في تعزيز الفهم المتبادل، وترسيخ القيم المشتركة، وتقوية الروابط بين الشعوب، حيث اتفقت الدولتان على مواصلة المحادثات بشأن المبادرات المختلفة التي تعود بالفائدة على مواطني الدولتين من خلال تعزيز التبادل بين الشعوب.
«مدينة كي الإماراتية»
أعرب الجانبان الإماراتي والكوري عن تطلعهما إلى تطوير مشروعات مبتكرة، مثل «مدينة كي الإماراتية» التي تجمع بين الثقافة والمأكولات الكورية، والأعمال والشركات المبتكرة والموارد البشرية المؤهلة، التي يمكن أن تعمل على دمج المجالات الرائدة والمزايا التنافسية لدى الدولتين، لتعزيز التعاون الثنائي، كما تهدف الدولتان إلى التوسع في دول ثالثة بالشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، وبهدف إطلاق آفاق جديدة من العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا، أكّد الجانبان التزامهما ببحث فرص التعاون من خلال تعيين مسؤولين رفيعي المستوى، وتشجيع تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين الوزارات، بما يُعزّز التعاون الاستراتيجي بين الدولتين، ويحقق المصالح المشتركة والتقدم لشعبيهما، وسيتولى المسؤولون رفيعو المستوى التواصل بشكل وثيق لتبادل المستجدات المتعلقة بالجهود الثنائية المشتركة، ونقل نتائجها إلى قيادتي البلدين على وجه السرعة، إضافة إلى هذا، اتفق الجانبان على تشكيل فريق عمل رفيع المستوى في وزارة الخارجية في دولة الإمارات ووزارة الخارجية في جمهورية كوريا، لضمان تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال الاجتماع، وفي ظل العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا وشراكتهما الوثيقة، أكّد الجانبان التزامهما بإجراء محادثات بناءة، بهدف تعزيز الحوار وروابط التعاون الوثيق بما يسهم في ترسيخ أساس متين من السلام والازدهار للأجيال القادمة، مؤكدين أن هذه الجهود ستسهم في تعزيز الروابط المشتركة، كما اتفقا على عقد لقاءات بشكل منتظم، لتعميق الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا.
