يمثل انعقاد مؤتمر الأطراف (COP 28) الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023 أملاً جديداً للعالم لصياغة خطة واقعية للعمل المناخي تضع العالم على المسار الصحيح للتقدم في أهداف اتفاق باريس وتحقيق نتائج ملموسة تحتوي الجميع، حيث تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى توحيد دول العالم للاتفاق على وضع حلول فاعلة وعملية وطموحة للتصدي للتحدي العالمي الأكثر إلحاحاً في عصرنا الحالي من خلال التركيز على العمل المناخي الإقليمي والتعاون اللازم لبناء اقتصادات ومجتمعات قادرة على التكيف مع المناخ، وكذلك دمج العمل المناخي في التعافي من الأوبئة، فالتغيرات المناخية تلقي بظلالها على كل القطاعات الاقتصادية ومختلف شرائح المجتمع، فالأدلة العلمية المتزايدة على تغير المناخ تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على ضرورة توحيد وتعزيز جهود التصدي لتداعيات هذه الظاهرة.

ويعد مؤتمر الأطراف بمثابة الاجتماع الرسمي للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، بهدف تقييم التقدم المحرز في التعامل مع التغير المناخي – بدءاً من منتصف التسعينات – للتفاوض بشأن اتفاقية «كيوتو» لوضع التزامات ملزمة قانوناً للدول المتقدمة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وعرف كل مؤتمر من المؤتمرات منذ عام 2005 على أنها «مؤتمر الأطراف العامل كاجتماع للأطراف في اتفاقية كيوتو، إذ يمكن أيضاً للأطراف في الاتفاقية غير الأطراف في البروتوكول المشاركة في الاجتماعات المتعلقة بالبروتوكول كمراقبين.

ففي عام 1992، نظمت الأمم المتحدة قمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل، حيث تم اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وتم إنشاء وكالتها التنسيقية وهو ما يعرف الآن باسم أمانة الأمم المتحدة لتغير المناخ، وفي هذه المعاهدة، وافقت الدول على «تثبيت استقرار تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي لمنع التدخل الخطير من النشاط البشري في نظام المناخ»، وقد وقع عليها حتى الآن 197 طرفاً مختلفاً.

ومنذ عام 1994، عندما دخلت المعاهدة حيز التنفيذ، أقدمت الأمم المتحدة بشكل سنوي على جمع كل بلد على وجه الأرض تقريباً لحضور مؤتمرات القمة العالمية للمناخ، المعروفة باسم «COP»، والتي تعني «مؤتمر الأطراف».

معاهدة

وخلال الاجتماعات، تفاوضت الدول على ملحقات مختلفة للمعاهدة الأصلية لوضع حدود ملزمة قانوناً للانبعاثات، على سبيل المثال، بروتوكول كيوتو في عام 1997 واتفاق بـاريس الذي اعتمد في عام 2015، حيث وافقت جميع دول العالم على تكثيف الجهود من أجل محاولة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل الصناعة، وتعزيز تمويل العمل المناخي.

وقد وظفت الاجتماعات بين عامي 2011 و2015 للتفاوض على اتفاقية كجزء من منصة ديربان، والتي أوجدت مساراً عاماً نحو العمل المناخي.

وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة دول المنطقة التي صدقت على «اتفاق باريس»، وتتصدر قائمة الدول الملتزمة بخفض الانبعاثات على مستوى منظومتها الاقتصادية، وكذلك فهي أول دولة تعلن عن إطلاق المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، ومن هنا جاء التزام الدولة برفع سقف طموحاتها خلال العقد الحالي للعمل المناخي، كما وضعت الإسهامات الوطنية دولة الإمارات في طليعة دول المنطقة الملتزمة بخفض الانبعاثات على مستوى الاقتصاد بحلول عام 2030، كما أطلقت المسار الوطني للحياد المناخي 2050 في نوفمبر 2022، الذي يضع الإطار الزمني للمبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050 وآليات تنفيذها.

نقلة نوعية

ومضت مرحلة مهمة لإحداث نقلة نوعية في العمل المناخي العالمي على مدار العقود الثلاثة الماضية على انعقاد «قمة الأرض» في ريو دي جانيرو وإطلاق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، وحرص مؤتمر الأطراف للتغير المناخي (COP) كل عام على دعوة الأطراف لتحديد التطلعات الطموحة والمسؤوليات تجاه العمل المناخي، بالإضافة إلى وضع التدابير المناخية اللازمة وتقييمها، وكانت الدورة الحادية والعشرون لمؤتمر الأطراف (COP21) مهمة ومحورية، حيث تمخضت عن «اتفاق باريس»، الذي حشد بدوره الجهود والمساعي العالمية ووجهها نحو الحفاظ على درجات الحرارة العالمية أقل إلى حد كبير من 2 درجة مئوية فوق درجات الحرارة لما قبل العصر الصناعي مع متابعة وسائل الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة مئوية، والعمل على هدف التكيف مع آثار التغير المناخي.

ولا شك أن التغيرات المناخية تلقي بظلالها على كل القطاعات الاقتصادية ومختلف شرائح المجتمع، فالأدلة العلمية المتزايدة على تغير المناخ تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على ضرورة توحيد وتعزيز جهود التصدي لتداعيات هذه الظاهرة.

وقد بذلت دولة الإمارات جهوداً كبيرة للتصدي لظاهرة التغير المناخي، وذلك بتحويل آثارها السلبية إلى فرص تنموية مبتكرة تساهم في تحقيق التنوع الاقتصادي والنمو المستدام، ومثال على ذلك النمو المتسارع في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة والاستثمار الملحوظ في المدن المستدامة والأبنية الخضراء، بالإضافة إلى الزيادة المطردة للمساحات الخضراء والعناية بالمحميات الطبيعية وغير ذلك من الجهود والإنجازات.

ولذلك، فإن الخطة الوطنية للتغير المناخي تأتي للتأكيد على توجه الدولة القائم نحو التنمية المستدامة ورفع جودة الحياة، عبر وضع إطار وطني شامل يحدد الأولويات ويوحد الجهود لسد الثغرات، ويضمن التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص بما يخدم مصالح الدولة على المستويين المحلي والدولي، ويساهم في حماية البيئة وتحسين جودة الحياة.

وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في غلاسكو (COP26) تم جمع 120 من قادة العالم وأكثر من 40 ألف مشارك مسجل، ولمدة أسبوعين، كان العالم منشغلاً بكل جوانب تغير المناخ مثل العلم، والحلول، والإرادة السياسية للعمل، والمؤشرات الواضحة للعمل المناخي.

وتمثل نتيجة الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر ميا ثمرة مفاوضات مكثفة على مدى أسبوعين، وعمل رسمي وغير رسمي مرهق على مدى أشهر عدة، والمشاركة المستمرة بشكل شخصي وافتراضي لمدة عامين تقريباً. ولا تزال التخفيضات في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بعيدة، حيث يجب أن تكون للحفاظ على مناخ صالح للعيش، ولا يزال الدعم المقدم للبلدان الأكثر ضعفاً والمتضررة من آثار تغير المناخ ضعيفاً للغاية.

إلا أن الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف أنتجت لبنات بناء جديدة لتعزيز تنفيذ اتفاق باريس من خلال الإجراءات التي يمكن أن تضع العالم في مسار أكثر استدامة وأقل إنتاجاً للكربون.

وأعادت الدول التأكيد على هدف اتفاق باريس المتمثل في الحد من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية ومواصلة الجهود للحد منها إلى 1.5 درجة مئوية. وقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك، معربين عن «حالة الاستنفار والقلق البالغ من أن الأنشطة البشرية تسببت في ارتفاع درجة حرارة حوالي 1.1 درجة مئوية حتى الآن، وأن الآثار محسوسة بالفعل في كل منطقة، وأن ميزانيات الكربون المتسقة مع تحقيق هدف درجة حرارة اتفاق باريس هي الآن صغيرة ويتم استنفادها بسرعة». لقد أدركوا أن تأثيرات تغير المناخ ستكون أقل بكثير عند زيادة درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية مقارنة بـ 2 درجة مئوية.

واتخذت 137 دولة خطوة بارزة إلى الأمام من خلال الالتزام بوقف فقدان الغابات وعكس اتجاهه وتدهور الأراضي بحلول عام 2030. التعهد مدعوم بـ 12 مليار دولار من القطاع العام و 7.2 مليارات دولار في التمويل الخاص.

علاوة على ذلك، التزم الرؤساء التنفيذيون لأكثر من 30 مؤسسة مالية لديها أصول عالمية تزيد قيمتها على 8.7 تريليونات دولار بالقضاء على الاستثمار في الأنشطة المرتبطة بإزالة الغابات، ووقعت 103 دول، بما في ذلك 15 مصدراً رئيسياً للانبعاثات، على التعهد العالمي للميثان، والذي يهدف إلى الحد من انبعاثات الميثان بنسبة 30 % بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2020، ويعد الميثان، أحد أقوى غازات الدفيئة، مسؤول عن ثلث الاحترار الحالي من الأنشطة البشرية.

وحددت أكثر من 30 دولة و6 شركات تصنيع سيارات رئيسية وجهات فاعلة أخرى، مثل المدن، تصميمها على أن تكون جميع مبيعات السيارات والشاحنات الجديدة مركبات خالية من الانبعاثات بحلول عام 2040 على مستوى العالم و2035 في الأسواق الرائدة، مما يسرع من إزالة الكربون الناجم عن النقل البري، والذي يمثل حالياً حوالي 10 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.

وعلى مدار خمسة عشر عاماً ماضية، عززت دولة الإمارات ريادتها على مستوى المنطقة في استثمارات الطاقة المتجددة والنظيفة على الصعيدين المحلي والدولي، حيث استثمرت الدولة 50 مليار دولار في الطاقة النظيفة، وأعلنت أخيراً خطتها لاستثمار أكثر من 50 مليار دولار خلال العقد المقبل في مزيد من المشاريع بما فيها الهيدروجين والأمونيا.

شاركها.