رؤية بقايا طعام ملقاة على الرصيف ووسط البنايات، بحجة إطعام الحيوانات، ظاهرة مزعجة لكثيرين، وتسبب مشكلات بيئية وصحية، بجانب الإسهام بشكل كبير في زيادة أعداد الحيوانات المشردة.

ووصف مختصون صحيون وقانونيون الإطعام العشوائي للحيوانات والطيور بـ«السلوك السلبي»، لما يسببه من تشويه المظهر العام، وزيادة فرص نقل العدوى من الحيوانات للإنسان.

وتلقت «الإمارات اليوم» شكاوى من سكان وأصحاب محال تجارية، أكدوا فيها أن الرحمة بالحيوان لا تسوغ وضع بقايا أطعمة أو بقوليات ومعجنات على الأرصفة وبين البنايات، ما يؤدي إلى تجمع الحشرات والقوارض وانتشار روائح كريهة، إضافة إلى مخلفات الطيور نفسها التي تشوّه واجهات البنايات والمركبات الموجودة في المكان.

ووجّه سكان بنايات وفلل: محمد المنصوري، وعيسي بدر، وأحمد خلف، ومريم سلطان، ويمّ الخليلي، اللوم لمن يقفون وراء هذه الظاهرة.

وقالوا إن «هناك من أخذه الهوس فوضع صناديق بلاستيكية أو خشبية لتكون محطة تجمع دائم لهذه الحيوانات، متجاهلاً ما ينطوي عليه سلوكه من مخالفة للقانون».

وأشاروا إلى وجود نوعين من السكان يقومون بصفة دورية بإطعام الحيوانات السائبة، «الأول يضع الدراي فود (Dry Food) وهو طعام جاف مُصنّع ومُعالج للحيوانات الأليفة، والنوع الآخر يخرج بقايا طعام، وغالباً ما تكون بقايا أرز أو دجاج أو سمك، كأنه يجد بديلاً عن صندوق القمامة».

وأضافوا: «على الرغم مما يتسبب فيه النوع الأول من زيادة أعداد القطط في المناطق التي يوضع الدراي فود فيها، يظل ضرره أقل من النوع الثاني الذي يتسبب في نشر الروائح الكريهة وانتشار الحشرات».

وأكدوا أن هذا السلوك تسبب في زيادة أعداد الطيور والقطط وتوطنها في الأحياء، ما ترتب عليها زيادة المخلفات، وزيادة خطر نقل الأمراض المعدية، وانتشار الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات.

ودعوا إلى فرض غرامات رادعة على مرتكبي هذا السلوك.

واقترح متضررون من الإطعام العشوائي للقطط والطيور: محمد حسام، وزياد عبدالله، ووائل عبدالحميد، وإسراء صالح، وسارة سليمان، إنشاء محطات مخصصة للإطعام تحد من الممارسات العشوائية التي تشوه المظهر العام، وتلزم الراغبين في إطعام الحيوانات السائبة بأنواع محددة من الطعام المناسب، وتشجيع العيادات الطبية على تنفيذ مبادرات مجتمعية لعلاج القطط المريضة أو المصابة، قبل إعادتها إلى بيئتها بعد تماثلها للشفاء، مشيرين إلى أن تعميم هذا الحل يدعم ممارسات الرفق بالحيوان المنظمة التي تحافظ على بيئة صحية لا تضر الإنسان أو الحيوان، ولا تفسد المشهد العام.

نظافة ومسؤولية

وأفاد أستاذ الثقافة المجتمعية بعدد من الجامعات الإماراتية، الدكتور سيف راشد الجابري، بأن «الطيور وغيرها لا تعتمد بالدرجة الأولى على الإنسان، فخالقها رازقها، وهي تعرف بفطرتها تدبير أمورها، وإذا أراد الإنسان أن يعمل خيراً فعليه أن يتقن عمله، وألّا يسبب إيذاءً للآخرين أو يشوّه المظهر العام»، مشيراً إلى أن «الأشخاص الذين يقومون بوضع بقايا الطعام في الشوارع وعلى الأرصفة بدعوى إطعام الطيور والقطط من باب الأجر والثواب، علينا أن ننبههم بأن النظافة من الإيمان، كما أن إلقاء هذه الكميات من بقايا الطعام دليل على أن هناك تبذيراً واستهلاكاً زائداً على الحاجة، وهو أمر منهي عنه، ويجب أن يدركوا أن عليهم تحضير الطعام بما يكفيهم لاستدامة النعم».

وقال إن إطعام القطط يعدّ صدقة، والرفق بالحيوان والإحسان إليه من أسباب المغفرة لكبائر الذنوب، ولكن يجب نشر الوعي بين أفراد المجتمع للإطعام بأسلوب حضاري، يعزز مفهوم «الإطعام بنظافة ومسؤولية»، من أجل الحفاظ على مدننا نظيفة، لأن الإطعام غير المسؤول للقطط والطيور يسبب إزعاجاً للسكان، وخسائر لأصحاب الأعمال، وهدراً للموارد الحكومية، ويعرّض القطط والطيور نفسها للإساءة.

فتوى

وبدوره، أشار مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي في رده على سؤال عبر خدمة الفتاوى الإلكترونية، خاص بـ«إطعام القطط والطيور السائبة»، أن «إطعامها يعد أمراً مباحاً، لكن ينبغي التزامه بمقتضى النظام العام، وما يتطلبه ذلك من المحافظة على نظافة الشوارع، ولا مانع شرعاً من إعطاء بقايا الطعام للقطط مع الحذر من تلويث الشوارع أو نشر الروائح الكريهة، فمن القواعد الشرعية المعروفة أنه (لا ضرر ولا ضرار)»، مشدداً على أن الدولة تبذل جهوداً جبارة للمحافظة على نظافة الشوارع، لذا على الجميع تقدير هذه الجهود والمساعدة فيها قدر المستطاع».

مخاطر صحية

وأكدت استشارية طب الأسرة، الدكتورة هالة عبدالكريم، أن ظاهرة رمي بقايا الطعام في الشوارع وفي محيط المنازل، من منظور طب الأسرة، تُعدّ إحدى الممارسات التي تحمل مخاطر صحية حقيقية على المجتمع، لأن «هذه البقايا تجذب الحشرات والقوارض، وتوفّر مصدراً دائماً لغذاء الحيوانات السائبة، ما يؤدي إلى زيادة احتمالات انتشار الأمراض المعدية بين أفراد الأسرة والمجتمع».

وقالت: «الحيوانات الضالة التي تتجمع حول هذه البقايا قد تحمل أمراضاً خطرة مثل داء الكلب وبعض العدوى الفيروسية والطفيليات التي تنتقل عند المخالطة أو الخدش، كما تنتشر بين القطط الضالة عدوى داء المقوسات، وهو مرض قد يصيب الإنسان دون أن يشعر به، ويظل كامناً لسنوات، وعلى الرغم من أن أعراضه تكون خفيفة عند معظم الناس، إلا أنه يشكل خطراً واضحاً على الحوامل وكبار السن والأطفال وأصحاب المناعة الضعيفة».

وأضافت: «يمتد الضرر أيضاً إلى الجانب الجلدي، حيث يمكن أن تؤدي ملامسة أماكن تجمع الحيوانات أو الفضلات إلى التهابات جلدية مثل القوباء الحلقية، التي تظهر على شكل طفح واحمرار وتساقط للشعر، أما الخدوش البسيطة من القطط المصابة، فقد تتسبب في عدوى بكتيرية تؤدي إلى تورم في مكان الخدش، وانتفاخ الغدد الليمفاوية، وارتفاع في الحرارة، وإرهاق عام».

وشددت على أن «الحفاظ على البيئة صحية آمنة مسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة».

«التوكسوبلازما»

وحذرت أخصائية طب النساء والولادة، الدكتورة مي محمد، من تجمعات القطط السائبة التي تنتشر بسبب عادة الإطعام العشوائي، مشيرة إلى أن «القطط السائبة في حال لم تجد طعاماً في المكان الذي اعتادته تبدأ في التمسح بالمارة أو مهاجمتهم، وفي الحالين يمكن أن يصاب الشخص بمرض خدش القطة، وهو نوع من البكتريا تصاب بها القطط ويمكن أن تنتقل العدوى إلى البشر من خلال التعرض لخدش من قطة مصابة، أو تعرض جرح مفتوح في جلد الإنسان للعابها، ويعاني المريض المصاب تورماً أو نتوءاً صغيراً مرتفعاً في موضع العضة أو الخدش، كما قد تتورم الغدد الليمفاوية القريبة من مكان الخدش، وقد يصاب المريض بحمى وبألم العضلات».

وقالت إن القطط السائبة تشكل خطورة في نقل عدوى «التوكسوبلازما»، التي تحملها بسبب عدم حصولها على التطعيمات اللازمة، وهي عدوى ناتجة عن طفيلي بالاسم ذاته يسبب الإجهاض للحوامل، وأضرار أخرى في حال كان لديها نقص في المناعة».

غرامة

من جانبها، أكدت المحامية، هدية حماد، أن إلقاء بقايا الطعام في الشارع بدافع إطعام القطط والطيور يُعد مخالفة وفقاً للقانون الإماراتي، كون إطعام الطيور والقطط دون تنظيم قانوني يعرض المظهر العام للتشويه، إضافة إلى انتشار الحشرات والقوارض والأمراض، والقانون المنظم لذلك الأمر رقم 16 لسنة 2007 بشأن الرفق بالحيوان، يبيّن كيفية إطعام الحيوانات بطريقة آمنة وصحية، ويشدد على منع إطعامها عشوائياً، ويعاقب مرتكب ذلك الفعل بالغرامة.

من جانبه، أكد المحامي، سالم عبيد النقبي، أن إطعام القطط أو الحيوانات الضالة المشردة في الشارع يعدّ مخالفاً للقانون ويستوجب غرامة بقيمة 200 درهم، وفي بعض الأماكن والتجمعات السكنية يتم تشديد الغرامة إلى 500 درهم، مشيراً إلى أن السبب وراء هذا التغريم بحسب البلدية هو خطره على الصحة العامة، لأن إطعام الحيوانات الضالة يؤدي إلى تجمعها وتزايد أعدادها، ما يسهم في نشر العدوى. وقال: «من الناحية التشريعية: قانون الرفق بالحيوان في الإمارات (كما نص في تشريعات حماية الحيوان) يضع تنظيمات لرعاية الحيوانات، ولكن يشترط أن يكون الحيوان تحت رعاية شخص أو جهة مسؤولة وليس حيواناً ضالاً مطلقاً، كما أن قوانين النظافة العامة (رمي القمامة بقايا الطعام في الشوارع نظافة الأماكن العامة) يعد مخالفة حسب معايير البلديات».

وأضاف النقبي: «كثير من الناس يشعرون بالرحمة تجاه الحيوانات الضالة، ويرغبون في مساعدتها وتوفير طعام وماء، خصوصاً في المناخ الحار، إلا أن «الرحمة» وحدها لا تكفي إذا لم تراع النظافة والإسكان المناسب والرعاية البيطرية حتى لا تنقلب محاولة المساعدة إلى مشكلة بيئية وصحية، حيث يتسبب وضع بقايا الطعام ونثر الحبوب على الأرصفة في آثار سلبية واضحة، منها إنشاء تجمعات دائمة لعشرات القطط والطيور الغازية وسط الأماكن السكنية، وما تسببه من إزعاج ومخلفات ينتج عنها روائح وفضلات تشوه الشوارع».

وشدد النقبي على أن «إطعام الحيوانات في الشارع بدافع الرحمة مفهوم ومقدر، لكنه يؤدي إلى أضرار بيئية وصحية وقانونية أكبر بكثير مما يتوقعه كثيرون»، مشيراً إلى أن «الحل الأمثل هو الرحمة المنظمة، عبر الاتصال بجهات مختصة، ودعم جهود التعقيم والتطعيم، والإسهام في التبني، والمحافظة على نظافة المجتمع والبيئة لنساعد الحيوان، ونحمي الإنسان ونحافظ على جمال مدننا».

شاركها.
Exit mobile version