أشاد تربويون ومتخصصون بمنصة «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم خلال معرض «جيتكس غلوبال 2025»، مؤكدين أنها تركز على تعليم الطلبة القيم قبل الأكواد، مشيرين إلى أنها بمثابة خطوة استراتيجية في مسار بناء الأجيال الرقمية، تحت شعار «إنسان يفكر بذكاء ويتصرف بأخلاق».

وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إن التربية على الذكاء ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لبناء جيل يوظف قدراته التقنية لخدمة القيم الإنسانية، مؤكدين أن الأخلاق تظل الخوارزمية الأهم في معادلة الذكاء، في زمن أصبحت فيه الآلات تكتب الشعر وترسم اللوحات.

منصة بأبعاد إنسانية

وتفصيلاً، كشفت رئيس تبنّي التكنولوجيا والإنتاجية الرقمية في وزارة التربية والتعليم، فاطمة الحمادي، على هامش معرض «جيتكس غلوبال 2025»، عن إطلاق منصة «تمكين أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» المتخصصة، التي تستهدف الأطفال من سن سبع إلى 10 سنوات، لتغرس فيهم قيم الاستخدام المسؤول للتقنيات الحديثة، بأبعاد إنسانية عالمية.

وأضافت: «يأتي إطلاق المنصة استكمالاً لمسار الوزارة في دمج الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الدراسية، وضمان استخدام الطلبة للأدوات الذكية بوعي ومسؤولية، بعيداً عن العشوائية أو الاعتماد المفرط على التقنية».

وأوضحت أن المنصة تركز على ترسيخ ثقافة الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في البيئة التعليمية، وتمكين الطلبة من توظيف التطبيقات الذكية بشكل سليم في أداء الواجبات والمراجعات والمشاريع والامتحانات، مشيرة إلى أن المنصة لا تُعد بديلاً عن المناهج المعتمدة، بل مظلة داعمة لها، من خلال تزويد الطلبة والمعلمين بإرشادات عملية وتفاعلية تعزز ممارسات الاستخدام الرشيد للتقنيات الحديثة.

وأضافت أن المبادرة تجسّد رؤية الوزارة في إعداد جيل رقمي واعٍ، يمتلك مهارات توظيف التقنيات الحديثة ضمن إطار من القيم الأخلاقية والإنسانية الراسخة، مشيرة إلى أن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي أصبحت جزءاً أساسياً من المنظومة التعليمية المستقبلية في دولة الإمارات، بالتوازي مع تطبيق منهج الذكاء الاصطناعي في مختلف المراحل الدراسية.

الوعي الأخلاقي

من جانبها، أوضحت التربوية، نورة المهيري، أن «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» لا تقتصر على حدود المنظومة التعليمية في دولة الإمارات، بل تُطرح كنموذج رائد يمكن تبنّيه عالمياً، في وقت تتزايد فيه المخاوف الدولية من سوء استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، خصوصاً بين الأطفال والمراهقين. وقالت إن الإمارات تقدم تجربة واقعية تُعلّم الذكاء المقرون بالضمير، وتؤسس لجيل رقمي يمتلك المعرفة التقنية والوعي الأخلاقي في آن واحد.

وأضافت: «يجب أن تُدرَّس أخلاقيات التقنية كما تُدرّس الرياضيات واللغات، فهي لغة المستقبل الحقيقية، واللغة الأخلاقية هي التي تحفظ التوازن بين الإبداع والمسؤولية».

وأشارت إلى أن المنصة الجديدة تعكس رؤية تعليمية متقدمة، ترى في الطالب مواطناً رقمياً فاعلاً، لا مجرد مستخدم للتقنية، عبر تنمية قدرته على اتخاذ قرارات واعية تحترم القيم الإنسانية وتخدم المجتمع.

وقال أخصائي الذكاء الاصطناعي، شادي دياب: «بينما ينشغل العالم بتعليم البرمجة والروبوتات، اختارت الإمارات الانطلاق من الجذور، من القيم قبل الأكواد، إذ جاءت المنصة التي أطلقتها الوزارة لتغرس في الأطفال فهم البعد الإنساني للتقنية، لا مجرد إتقان أدواتها، فهي لا تعلّمهم كتابة الشيفرات فحسب، بل تزرع فيهم الوعي بأن الذكاء الاصطناعي ليس لعبة، بل قوة تتطلب مسؤولية ونضجاً أخلاقياً، فالتكنولوجيا من دون قيم، قد تصنع عقلاً خارقاً، لكنها لن تصنع ضميراً».

منظور تربوي

وأكد التربوي الدكتور أحمد الجناحي أن المشروع يشكّل تحولًا نوعياً في فلسفة التعليم الرقمي، إذ لا يقتصر على سؤال «ماذا يتعلم الطالب؟»، بل يتعمّق في جوهر العملية التعليمية عبر طرح السؤال الأهم: «كيف يوظّف الطالب ما تعلّمه؟»، فهو يرسّخ مبدأ الوعي والاستخدام المسؤول للتقنية بوصفها أداة للتنمية لا غاية في ذاتها، بما ينسجم مع استراتيجية دولة الإمارات في بناء مجتمع رقمي آمن ومتين أخلاقياً.

وأشار إلى أن هذا التحول يُعيد صياغة العلاقة بين التعليم والتقنية، ليصبح التعليم وسيلة لترقية الفكر والسلوك معاً، لا مجرد اكتساب مهارات رقمية، فالمشروع يربط الابتكار بالضمير، ويضع الذكاء في خدمة الإنسان، مستهدفاً إعداد جيل قادر على قيادة المستقبل برؤية مسؤولة وقيم إنسانية راسخة.

وبحسب رصد «الإمارات اليوم»، تعتمد المنصة على التعلّم التكيفي، إذ تتبدّل طبيعة الأسئلة والمستويات تلقائياً وفق أداء الطفل. فعند الخطأ، يعرض النظام سيناريو بديلاً يشرح الفكرة بطريقة مبسطة، وعند النجاح ينتقل المتعلم إلى مواقف أكثر عمقاً، تُنمّي مهارات التفكير النقدي. كما تتفاعل معه شخصيات افتراضية متعاطفة، تحاوره وتشجّعه على اتخاذ قرارات تعكس قيم التعاون والاحترام والشفافية.

شاركها.