قال رئيس نيابة مساعد بنيابة المخدرات في دبي، المستشار عبدالله صالح الرئيسي، إن تعاطي المخدرات مرض مُعدٍ، ويمكن أن يضرب أسرة كاملة إذا أصاب أحد أفرادها ولم يتم التعامل مع الحالة بشكل صحيح.

وأضاف على هامش ندوة نظمتها النيابة العامة في دبي، تحت عنوان «دردشات قانونية»، أن من بين القضايا التي سجلتها النيابة لأب وثلاثة أبناء، من بينهم ابنة تبلغ من العمر 16 عاماً، ثبت أنهم جميعاً متعاطون لمواد مخدرة.

وأكد ضرورة الانتباه إلى سلوكيات الأبناء خصوصاً في سن مبكرة، وتوعيتهم بمخاطر الحصول على أي أدوية أو عقاقير مجهولة من زملائهم، أو الوقوع في خطأ ترك العقاقير الطبية المدرجة في جدول المخدرات التي يتعاطاها الآباء لأسباب صحية، وفق وصفات طبية مرخصة، مثل ترامادول، في أماكن مكشوفة داخل المنزل، حتى لا تقع بسهولة في أيدي الأبناء.

وتفصيلاً، قال المستشار عبدالله صالح الرئيسي إن إدمان المخدرات داخل إطار الأسرة الواحدة أمر وارد، بسبب أخطاء يقع فيها الكبار ويتأثر بها الصغار، لافتاً إلى أن المتكرر عادة تأثر الشقيق الأصغر بأخيه الأكبر، ومحاولة تقليده في التعاطي، لكن هناك حالات لأبناء وقعوا في فخ المخدرات بسبب أحد أبويهم.

وأضاف أن من بين الحالات التي تعامل معها، وكانت كاشفة لهذه الإشكالية قضية تورط فيها أب وثلاثة من أبنائه، شابان في مقتبل العشرينات وفتاة في الـ16 من عمرها.

وأشار إلى أن الإشكالية في ذلك تتمثل في أن الأب المتعاطي لا يمكن أن يكون قدوة لأبنائه، ولا يستطيع السيطرة عليهم إذا قرروا تقليده، مثل الحالة المشار إليها، فهو بلا شك السبب الرئيس في تورط أبنائه في فخ التعاطي.

وأشار إلى أن القانون طبق على الابنة التي لم تتجاوز الـ١٦ من عمرها وأحيلت إلى نيابة الأسرة والأحداث، وروعيت سنها بالتأكيد، لكن تظل المشكلة في تأثير الأب السلبي على أبنائه وصعوبة احتواء المرض لاحقاً على نطاق الأسرة.

وأكد الرئيسي ضرورة إدراك الآباء أن أساليب ترويج المخدرات تغيرت، فصارت تغلف بطريقة أكثر جاذبية للأبناء خصوصاً في سن المراهقة، كما تدخل في صورة مشروبات طاقة، ومن ثم يأتي دور الأسرة في توعية أبنائها واحتوائهم، والتعرف على أصدقائهم.

وأشار إلى أن وجود ابن مدمن داخل الأسرة يمثل خطورة على الآخرين، لذا يجب التعامل بحذر حال حدوث ذلك، ومساعدته على تجاوز محنته والتعافي، مع الحرص في الوقت ذاته على الحد من تأثيره على أشقائه.

ولفت إلى أن هناك بعض المظاهر السلبية التي يجب التصدي لها في سن مبكرة مثل تدخين الـ«فيب» من قبل المراهقين والأطفال داخل المدارس وخارجها، مشيراً إلى أنه رغم حظر بيعه لمن دون الثامنة عشرة فإنهم يجدون سبيلاً في الحصول عليه، فضلاً عن إهمال بعض الآباء في تدخينه أمام أطفالهم، الأمر الذي يغريهم بتقليد ذويهم، خصوصاً في ظل جاذبية هذه الأدوات وبيعها بأشكال ونكهات مختلفة.

وأوضح أن الزيوت التي يتم تدخينها تخلط أحياناً بأنواع من المخدرات، كما أن مجرد انخراط المراهقين في استخدامها بهذه المراحل العمرية ربما يكون مقدمة لنتائج أسوأ في المستقبل.

وتابع أنه من السلوكيات السلبية التي قد تقود الأبناء إلى التعاطي، عدم تقيد الآباء بضوابط تناول الأدوية المدرجة في جدول المخدرات داخل المنزل، لافتاً إلى أن مسكنات مثل ترامادول ربما تصرف بوصفة طبية للأب أو الأم لكن الآباء يتركونها في أماكن مكشوفة أو يسهل وصولها إلى أيدي أبنائهم، الأمر الذي يؤدي إلى قيامهم بتعاطيها.

وكشف أن هناك حالات لمتعاطين في سن صغيرة لمخدرات مثل لاريكا أو ترامادول، وحين نسألهم عن مصدر حصولهم عليها يقولون إن الوالدة أو الوالد يعاني مرض الديسك، ويتعاطاها بوصفة طبية، مؤكداً أن هذا يضع الأب تحت طائلة المسؤولية.

يذكر أن من بين الحالات التي سجلتها شرطة دبي لطالب يبلغ من العمر 14 عاماً، شكا له زميله في المدرسة من الصداع فقدم له حبة «ترامادول»، فبادر الزميل الذكي إلى إبلاغ إدارة المدرسة التي أبلغت الشرطة، وبالتحري عن الواقعة تبين أن أم المراهق المتهم طبيبة، فيما يتعاطى والده ترامادول على سبيل العلاج، ودأبت أمه على القول لأبيه: «تناول الحبة حتى ترتاح»، وتركت صندوق العلاج أمام أبنائها فقرر ابنها تجربته على سبيل الفضول.

وأكد أن الثقافة الصحية للأبناء يجب أن تكون راسخة ومهمة، فبدلاً من أن يكون الآباء سبباً للإضرار بهم، عليهم توعيتهم بعدم الحصول على أي عقاقير من زملائهم حتى لو كانوا يعانون من صداع أو أي أعراض أخرى، فهناك من يقبل حبة من صديقه بدعوى أنه جلبها من دولة ما، وذات فاعلية كبيرة، وتساعد على السهر وزيادة التركيز، لكنها تكون سبباً في الإدمان.

وأفاد بأنه على الوالدين إخبار الأبناء بأنه في حالة شعورهم بالصداع، عليهم اللجوء إلى عيادة المدرسة أو الجامعة، وعدم قبول أي أدوية نهائياً من شخص آخر، فحتى لو لم تكن من المخدرات يمكن أن تؤذيه بشكل مختلف.

وقال الرئيسي إن من الممارسات الخاطئة داخل إطار الأسرة كذلك التساهل في مبيت الابن خارج المنزل حتى لو كان لدى أقاربه أو أصدقائه، لأن نمط التربية في بيت والديه ربما يكون أكثر انضباطاً من غيره حتى لو كان في منزل عمه، مشيراً إلى أن كثيراً من الإشكاليات تحدث بسبب التساهل في هذه الأمور.


ابن يعجز عن التعافي بسبب والده

شملت القضايا التي تورط فيها أفراد من أسرة واحدة في تعاطي المخدرات، واقعة تورط فيها أب وابنه في تعاطي مادة مخدرة، وقبض عليهما معاً داخل المنزل، وتبين بفحصهما أنهما تحت تأثير التعاطي، وحاولت الشرطة مساعدة الابن على التعافي أكثر من مرة لكنه يعود إلى المخدرات كلما كان قريباً من والده.

وكشفت تحقيقات النيابة العامة أن معلومات تلقتها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي بأن الأب والابن لديهما سوابق في تعاطي المخدرات، وأنهما لايزالان يتعاطيانها، ومن ثم تم وضع خطة ومداهمة منزلهما بعد استئذان النيابة وعثر داخل المنزل على ورقة بيضاء يشتبه أنها مشبعة بالمخدرات، وتم التأكد لاحقاً من ذلك من خلال الفحص، كما عثر على كمية من العقاقير وقطرة عين يشتبه في أنها تستخدم كذلك في التعاطي، وأدوات أخرى ذات صلة بهذه الجريمة.

وانتهى خبير السموم والمخدرات بالإدارة العامة للأدلة الجنائية إلى احتواء عينة المتهم وابنه على أنواع مختلفة من المخدرات والمؤثرات العقلية، كما اعترفا بتعاطيهما تلك المواد.

وبسؤال الأب عما إذا كان زود ابنه بالمواد المخدرة، أنكر الاتهام، كما نفى الابن أن يكون مصدرها والده، وأشارا إلى أنهما يحصلان على المواد المخدرة من شخص من جنسية دولة آسيوية.

وأوضح الشاهد من الإدارة العامة لمكافحة المخدرات أن نتيجة فحص عينة الأب تطابقت مع عينة الابن، لافتاً إلى أن الإدارة حاولت مساعدة الابن بمعالجته من التعاطي إلا أنه يعود إلى المخدرات حين يكون والده في المنزل.

وبسؤال المتهم في تحقيقات النيابة العامة أنكر تهمة التسهيل، وأفاد بأنه لا يزود ابنه بأي مواد مخدرة، ولا يعرف أنه يتعاطى، مشيراً إلى أنه حصل على المخدرات التي عثر عليها لديه من شخص من جنسية دولة آسيوية يحول إليه الأموال مقابل أن يرسل إليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي موقعاً جغرافياً تدفن فيه المخدرات.

من جهتها، وبعد النظر في الدعوى، انتهت محكمة الجنايات إلى عدم كفاية الأدلة التي تدين الأب بتسهيل تعاطي الابن، خصوصاً في ظل إنكار المتهم وابنه في جميع مراحل الدعوى أن يكون الأب سهّل التعاطي لابنه، وقضت ببراءته، وأيدت محكمة الاستئناف الحكم.

إلى ذلك قضت محكمة الجنايات في دبي بإدانة الأب بتهمة تعاطي المواد المخدرة التي شملت ورقة مشبعة بمؤثر عقلي، وقضت بحبسه عامين، فاستأنف ضد الحكم أمام محكمتي الاستئناف والتمييز اللتين أيدتا الحكم.

• أساليب ترويج المخدرات تغيرت، وصارت تُغَلف بطريقة أكثر جاذبية للأبناء.

شاركها.
Exit mobile version