تعيش الكرة السعودية لحظة تاريخية مبهرة على مستوى منتخبات الفئات السنية، في مشهد يعكس نجاح رؤية استراتيجية طموحة وضعت أساسها القيادة الرياضية قبل أعوام، استعدادًا لاستضافة كأس العالم 2034. ولعل أبرز مظاهر هذه الطفرة هو تأهل منتخب الشباب إلى كأس العالم تحت 20 عامًا، ومن بعده منتخب الناشئين الذي حجز مقعده في مونديال تحت 17 عامًا، وذلك للمرة الأولى منذ 1989.
وتمكن المنتخب السعودي للناشئين من التأهل إلى نهائيات كأس العالم، المقررة في قطر نوفمبر المقبل، بعد فوزه المثير على منتخب تايلند بثلاثة أهداف مقابل هدف، ضمن منافسات كأس آسيا التي تستضيفها المملكة حاليًا. وجاء هذا الإنجاز بعد أيام قليلة من تأهل منتخب الشباب إلى مونديال تشيلي 2025، وتوّجه بالميدالية الفضية في بطولة كأس آسيا للشباب.
هذه الإنجازات لم تكن وليدة المصادفة، بل جاءت نتيجة حتمية لمجموعة من المشاريع التطويرية التي أطلقها الاتحاد السعودي لكرة القدم خلال السنوات الماضية، ضمن خارطة طريق تستهدف الفئات السنية، بهدف صناعة جيل قوي يشكل القاعدة الصلبة للمنتخب الأول، الذي يُعوّل عليه لتمثيل المملكة في مونديال 2034، الذي تستضيفه السعودية كأول دولة في التاريخ تحتضن 48 منتخبًا دفعة واحدة في بطولة واحدة.
وفي هذا الإطار، أطلق الاتحاد سلسلة من المبادرات التي شملت مختلف الفئات العمرية، من مواليد 2008 وحتى 2014، وركزت على تطوير القدرات الفنية والبدنية واكتشاف المواهب وصقلها داخل وخارج المملكة.
فقد تم اعتماد مشاركة منتخب الناشئين في الدوري الممتاز هذا الموسم، استمرارًا لبرنامج بدأ قبل ثلاث سنوات مع منتخب مواليد 2008، الذي شارك في عدد من البطولات الدولية الودية بهدف الإعداد المثالي لكأس آسيا تحت 17 عامًا، ما ساهم في التأهل التاريخي إلى مونديال الناشئين بعد غياب استمر أكثر من 3 عقود.
وفي خطوة تهدف إلى توسيع دائرة التطوير، تم ابتعاث 27 موهبة من مواليد 2009 و2010 إلى إسبانيا ضمن برنامج “صقور المستقبل”، في تجربة تمتد لموسمين، يتخللها خوض بطولات دولية ودية، تمهيدًا لاحترافهم خارجيًا. كما تم تشكيل منتخب تحت 14 عامًا من مواليد 2010 ليبدأ رحلة الإعداد للمشاركة في كأس آسيا تحت 17 عامًا عام 2027، المؤهلة إلى كأس العالم للناشئين في العام ذاته.
أما على مستوى الفئات العمرية الأصغر، فقد أطلق الاتحاد أربعة دوريات للبراعم من مواليد 2010 إلى 2013، في مختلف المناطق، على أن يتم بنهاية كل موسم تشكيل منتخبات وطنية تشارك في بطولات ودية تأهيلية، في سياق الإعداد لكأس آسيا تحت 17 عامًا 2027، وكأس آسيا تحت 20 عامًا 2030.
وتُعد مراكز التدريب الإقليمية أحد أهم روافد مشروع إعداد الجيل الجديد، حيث توسّع عدد هذه المراكز من 13 إلى 17 مركزًا في أنحاء المملكة، لتشكّل حاضنات لاكتشاف المواهب ومن ثم تحويلهم إلى الأندية والمنتخبات الوطنية عبر دوريات المناطق للفئات السنية.
ومن أجل تعميق التأثير، أطلق الاتحاد السعودي مشروعًا شاملاً لإعادة هيكلة مسابقات الفئات من 11 إلى 18 عامًا، وذلك ابتداءً من موسم 2024 – 2025، حيث تم تصميم مسابقات خاصة بكل فئة عمرية، بهدف زيادة عدد الفرق المشاركة، ورفع عدد دقائق اللعب، وتحسين مستويات الأداء الفني، مما يساعد على رصد وتطوير أكبر عدد ممكن من المواهب.
وتوازيًا مع هذه المبادرات، أطلق الاتحاد برنامج دعم الفئات السنية، الذي خصص له ميزانية سنوية تقدر بـ75 مليون ريال، بهدف تحفيز الأندية على الاستثمار في فرق الفئات العمرية وتكثيف جهود اكتشاف وتطوير اللاعبين الصاعدين.
كما تضمنت الاستراتيجية الشاملة مهرجانًا لاكتشاف المواهب للفئة العمرية من 6 إلى 9 سنوات، إلى جانب تطبيق برنامج فيفا للمدارس، الذي يستهدف الفئات من عمر 6 إلى 15 عامًا، في إطار تكامل الجهود الرامية إلى ترسيخ ثقافة الكرة منذ الصغر.