قال مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس في 1996م في مقال مطول حول مستقبل المحتوى “إن المحتوى هو الملك”، وذلك في وقت كان فيه الإنترنت في بداياته، وكان يقصد أن أي منصة تقنية مهما كانت متقدمة فهي تعتمد في النهاية على نوعية وشكل المحتوى الذي تقدمه.
إن هذا القول المأثور عن “غيتس” يشير إلى إن من يملك القدرة على إنشاء وابتكار وتطوير وتحسين وتنمية المحتوى فسيملك عقول الجمهور، وسيكون له تأثير واسع وفعال في المجتمع والعالم، وإن ما نراه اليوم مع كثرة التطبيقات، إلا إن التطبيقات ذات المحتوى الجذاب هي من تسيطر على الجهور وتوجهه ولا أقل من ذلك فيسبوك، تويتر، انستغرام وسناب شات.
وفي هذا السياق فقد قامت إحدى الشركات الأجنبية بتنظيم هاكثون لتخيل مستقبل المحتوى الرقمي، وذلك بالمشاركة مع إحدى الجامعات الأجنبية، وكان هذا الحدث يقوم على تحفيز الطلاب على تخيل سيناريوهات مستقبلية للمحتوى ويتناسب مع الأجيال القادمة، وقد قام الطلبة بدمج التفكير النقدي مع آليات السرد بما في ذلك الشخصيات والمواقع والدوافع والتحديات والحلول لإنشاء القصص، وتصور مستقبلاً واضحاً للمحتوى الرقمي في عالم متغير.
وقد فاجأ الطلبة بأفكارهم منسقو الهاكثون، فقد قاموا بتصميم واجهات عصبية ونموذجاً جديداً للويب مبنياً على كتل بناء لا مركزية، وواجهات دماغ رقمي تمكن المعاقين والأصحاء من التحكم بشكل أفضل في حياتهم من خلال إنتاج المحتوى والتواصل مع الآخرين، وكذلك منصة جهاز اجتماعي تساعد في إنتاج المحتوى، بالإضافة إلى روبوتات اجتماعية “تسولف معك” أو مع كبار السن أو المرضى، وهي بدورها هذا تدعم المجتمع وخصوصا في أوقات الأزمات.
وقد تنافست مجموعة من المشاركين، وتم اختيار أفضل خمسة مشاريع وهي مشروع “لامركزية الويب” وهو نظام لامركزي من كتل المحتوى، وهو مستوحى من لعبة “ماينكرافت” ويمكن لأي شخص استخدامه للتعاون في المشاريع حيث يمكن لمليارات الأشخاص العمل معًا لتصميم آلاف المنتجات، ومشروع “من فكرة إلى فكرة” وهو واجهة عصبية تمكّن الناس من التواصل بالأفكار دون الحاجة لشرحها لفظيًا، ويمكن تخزين الأفكار واسترجاعها في حالات خاصة مثل الخرف، ومشروع “العثور على الشريك” في مدن المستقبل والذي يقوم على وجود روبوتات مجتمعية تتجول في المدن وتقدم محتوى مخصص وتتحدث مع الناس، وتحسن التفاعل المجتمعي، ومشروع “إنترسبايس” هو المشروع (الأكثر قابلية للتطبيق) عبارة عن سوار يعرض مساحة هولوغرافية يمكن من خلالها إنتاج محتوى ومشاركته مع الآخرين، وأخيراً مشروع واجهات دماغ رقمية وهو نظام يستخدم إشارات الدماغ لإنشاء محتوى والتفاعل مع التجارب الرقمية.
بقي القول، إن هذه مشاريع المحتوى الرقمي المستقبلية، حتى وإن كانت بعيدة المنال في وقتنا الحاضر، لكنها تشكل تطور المحتوى الرقمي في المستقبل، ودخوله في نطاقات عديدة تساعد على تعزيز وتنمية المجتمع، ومساعدة الأشخاص المرضى والأصحاء. إن المحتوى الرقمي لا يتوقف عند كتابة تغريدة أو نشر خبر أو قصة، بل هو مفهوم كبير وإطار واسع يساعد الأوطان والمجتمعات على الرفاهية والتقدم والتطور.
باحث دكتوراه في المحتوى الرقمي، بجامعة كمبلوتنسي مدريد، إسبانيا.