بينما تتوافد أفواج الحجيج على مشعر منى، تتجلّى مشاهد إنسانية نادرة تنطق بالسكينة والرضا. الوجوه تضيئها ابتسامات الرضا، والعيون تلمع بالشوق إلى عرفات، وكأن الأرواح سبقت الأجساد إلى اللهفة والرجاء.
في مشهد مهيب يلامس القلوب، يتجه ضيوف الرحمن إلى مخيماتهم، يخطون أولى خطواتهم في درب الحج، مستشعرين عظمة الركن الخامس من أركان الإسلام، في يومٍ يعرف بـ”يوم التروية”، يحمل من المعاني ما يفوق مجرد الاسم.
لماذا سُمي بيوم التروية؟
يوافق يوم التروية الثامن من شهر ذي الحجة، ويُعد أول محطات مناسك الحج، وتعود تسميته إلى أن الحجاج في القديم كانوا “يتروّون” فيه بالماء، أي يتزودون به من مكة استعدادًا لما بعده من أيام الحج، خاصة يوم عرفة الذي لم تكن فيه مياه في السابق، ولهذا سمي أيضًا بـ”يوم النقلة”، إذ ينتقل فيه الحجاج من مكة إلى منى.
من أعمال يوم التروية
في هذا اليوم، يُحرِم الحاج المتمتع مرة أخرى بالحج من مقر إقامته، ويبدأ في التلبية قائلاً: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”، ثم يتوجه إلى مشعر منى، حيث يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة قصرًا دون جمع، في أجواء يغمرها الخشوع والسكينة.
في هذا اليوم يحرص الحجاج على سنن النبي ﷺ، ومنها الاغتسال والتطيب ولبس الإحرام والتلبية بكثرة، والمبيت في منى قبل التوجه إلى عرفة وهو من السنن المؤكدة، لكن لا حرج على من تجاوزها دون تعمد.
لوحة إيمانية متكاملة في يوم التروية
مشعر منى، الذي لا يُسكن إلا أيام الحج، يتحول في هذا اليوم إلى لوحة إيمانية متكاملة، يلتقي فيها الناس من كل حدب وصوب، موحدين القلوب واللباس والنية.
ووسط جباله التي تحتضن الحجيج، يبدأ القلب بالاستعداد لليوم الأعظم، يوم عرفة، حيث الوقوف والدعاء والانكسار بين يدي الله.
ومع غروب شمس التروية، تزداد القلوب لهفة، والأنفاس تشتد توقًا، فالحج عرفة.. ويوم التروية ما هو إلا بداية الرحلة المباركة إلى المغفرة والتطهير، حيث تُمحى الذنوب وتُرفع الدرجات، في مشهد لا يتكرر إلا مرة في العمر.
صور إنسانية وابتسامات ترتسم على محيا ضيوف الرحمن وهم يتجهون إلى مخيماتهم للمبيت #يوم_التروية
عبر مراسل #الإخبارية محمد الحمادي#الحج_عبر_الإخبارية pic.twitter.com/IsmfPCntA4
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) June 4, 2025