- وقفـة صاحب السمـو في 10 مـايو 2024 سـدت أبواب الفتـن وأوقفت أربابها عند حدهم وجاءت في مصلحة الكويت ومواطنيها
- سمو الأمير أومأ إلى أصحاب المصالح الذين خرجوا في سبيل مصالحهم عن المألوف ولم يراعوا حسن المخاطبة وأدب الحوار مما أغلق الطريق إلى الإنجاز
- الأمير عبدالله السالم وجّه النصح لأعضاء المجلس والشعب مستشهداً ببيت من قصيدة للشاعر الأفوه الأودي فصار مثلاً يضرب في حالات الخلاف
- الأمير الراحل وجّه إلى ضرورة العودة إلى العقل والابتعاد عن الطيش ونبذ الفوضى وإبعاد الأشرار حتى تهدأ الأمور وتسير البلاد في طريق التقدم
بقلم: د.يعقوب يوسف الغنيم
أحرص في كل ما أكتبه على تجنب كل ما يثير الجدل، أو يؤدي إلى إثارة الاختلاف والانشقاق، سواء أكان ذلك من أجل القراء الذين لا أود أن أشعرهم بأنني صاحب موقف مخالف، أو أنه من أجلهم في أنفسهم حتى لا أعتبر متدخلا في الخصوصيات، وبخاصة أنهم يمثلون المجتمع الذي أدعوه دائما إلى التمسك بالأهداف النبيلة التي كان آباؤنا وأجدادنا يضعونها نصب أعينهم، وأهمها التآلف والتعاون والعمل الجماعي لخدمة الوطن، وهذا الأخير هو ما أطلق عليه الأولون من أهلنا اسم: الفزعة، وهي عمل اجتماعي ووطني يسعدني – الآن – أن أجد عددا لا بأس به من شباب الكويت يقومون به في نكران للذات جميل، وبنتائج نفخر بها.
وهذا أمر جميل ينبغي أن يضاف إليه الحرص على إحياء روح الأسرة الواحدة التي لا شقاق بينها، فتستمر بنا وتيرة الحياة ونحن في صفاء، شعبا يمثل أسرة واحدة لا تمزقها خلافات، تسودها المودة، ويتحلى أفرادها بالتسامح، وحسن التعامل، وهذا هو ما كانت عليه صورة المجتمع الكويتي القديم، وهي صورة ستتكرر إذا صفت النفوس وأجمع الأهل على أن تسود المودة بينهم، فنحن – بغض النظر عن كل شيء – شعب واحد هو شعب الكويت، تضمنا هذه البلاد العزيزة وتحنو علينا ولا تفرق بين مواطن وآخر، ومن أجل ذلك فإنه لا ينبغي أن يشعر واحد منها بأنه مختلف عن غيره، ولا يتم ذلك إلا إذا نزع من نفسه أي انتماء إلا الانتماء للوطن. من المعروف أن استقرار الأوطان فرع عن استقرار أهاليها، وأن النزاع – مهما كان يسيرا – من أسباب ضياع الجهود والناس والأوطان معا، والتاريخ خير شاهد على ذلك. ولقد خضنا تجربة مريرة قبل أن يقف صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله، وقفته في اليوم العاشر من شهر مايو لسنة 2024م ولقد كانت وقفته لصالح الكويت وأبنائها وبناتها، فسدَّت تلك الواقعة المباركة المبهرة أبواب الفتن، وأوقفت أربابها عند حدهم.
لم يقل سمو الأمير إن أعضاء مجلس الأمة كلهم كانوا من هذا النوع المثير للشقاق دون تفكير في مصلحة الكويت بقدر ما يعمل من أجل مصلحته الخاصة، ولكنه – حفظه الله – أومأ إلى أصحاب المصالح الشخصية الذين خرجوا – في سبيل مصالحهم – عن المألوف، ولم يراعوا حسن المخاطبة وأدب الحوار، مما أغلق السبيل أمام المجلس في الوصول إلى إنجاز الأعمال المهمة المطلوبة منه.
أما وقد مرت بنا هذه المقدمة التي لا بد من الإتيان بها، فإننا لا بد أن نعود إلى المدلول الذي يهدف إليه عنوان هذا المقال، فمن هما هذان الشاعران؟ وما علاقة شعرهما بما نحن بصدد الحديث عنه؟
الشاعر الأول هو: الأفوه الأودي، واسمه صلاءة بن عمرو، وقد لقب بالأفوه لأنه كان غليظ الشفتين، وهو جيد الشعر قديم من بين الشعراء الجاهليين حتى لقد قيل عنه إنه كان حيا قبل خمسمائة سنة للهجرة النبوية إلى المدينة المنورة. ولقد بقي الأفوه الأودي طي الكتب، لا يمر علينا اسمه إلا حينما تقرأ مختارات من الشعر القديم، ولكنه قفز إلينا من وراء القرون، ومن بين الكتب التراثية ليكون عندنا في الكويت – على الأقل – مذكورا على كل إنسان.
وهذه هي الحكاية:
عقدت في اليوم السابع والعشرين من شهر أكتوبر لسنة 1964م جلسة افتتاح دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الأول لمجلس الأمة الكويتي. وكان ذلك بحضور المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير دولة الكويت آنذاك.
وقد عقدت تلك الجلسة بعد أن نشب – قبلها – خلاف بين المجلس والحكومة حول التشكيل الوزاري الجديد، ولم يكن الخلاف على الصورة السيئة التي رأيناها مؤخرا، فقد كان ضمن أعضاء المجلس رجال من ذوي الرأي والإخلاص الذين لا يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن مطلقا.
ومع ذلك فقد كان الموقف مستغربا، لأنه يحدث للمرة الأولى في حياتنا النيابية، وعلى الرغم مما حدث فقد سارت الكويت في طريقها بفضل الحكمة التي امتاز بها رجالها يومذاك وعلى رأسهم أميرهم الشيخ عبدالله السالم الصباح، طيب الله ثراه.
ولقد فاجأ الشيخ الحاضرين حين وقف متأهبا للمغادرة بعد أن انتهى حفل الافتتاح، فلم يبرح مكانه حتى ألقى بيتا من الشعر فيه كل ما يمكن أن يقوله والد لأبنائه باختصار وجودة صياغة، فقد أراد والد الجميع – كما كان ينعت في ذلك الوقت – أن يوجه النصح لأعضاء المجلس، وللشعب كله إلى ضرورة العودة إلى العقل والابتعاد عن الطيش، ونبذ الفوضى، وإبعاد الأشرار حتى تهدأ الأمور وتسير البلاد في طريق التقدم دون أي معوقات.
وكان هذا البيت من قصيدة للأفوه الأودي، ونصه:
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت
فإن تولت فبالأشرار تنقاد
وسرى هذا البيت – بعد ذاك – على كل لسان في الكويت، وصار قاعدة، ومثلا يضرب في حالات الخلاف.
ولقد كان هذا البيت الذي انطلق وحيدا ضمن قصيدة قالها هذا الشاعر حين شعر بالضيق من قومه لأنه رآهم لا يقدمون خيرا لأهلهم، ولا يتبعون سبيل الرشاد لمن يرشدهم، فهم – دائما على موعد مع الضلال والجهل. يقول مبتدئا:
فينا معاشر لم يبنوا لقومهم
وإن بني قومهم ما أفسدوا عادوا
لا يرشدون ولن يرعوا لمرشدهم
للغي منهم – معا – والجهل ميعاد
إنهم يفعلون ذلك وكأنهم لا يدركون حقائق الأمور، فهو يرى فيهم ما جاء في قوله:
والبيت لا يبتنى إلا له عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة
وساكن، بلغوا الأمر الذي كادوا
ثم يقول:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت
فإن تولت فبالأشرار تنقاد
ويتساءل متعجبا من الأشخاص الذين لا يتبعون نصح الناصحين، وهو – مع ذلك – أشد عجبا من أولئك الذين لا يجدون لهم ناصحا من ذوى الرأي الصائب، والمعرفة بشؤون الحياة، قائلا:
كيف الرشاد إذا ما كنت في نفر
لهم عن الرشد أغلال وأقياد
أعطوا غواتهم جهلا مقادتهم
فكلهم في حبال الغي منقاد
ومن ثم نراه وقد بلغ به اليأس منهم كل مبلغ، ولم يجد لديهم الرغبة في اتباع الرشد، فصار يعلن رغبته في مفارقتهم لأنه لا يستطيع أن يصاحب الغواة في حياتهم التي لا انتظام لها، ولذا فقد جاءت الأبيات الأربعة الأخيرة من قصيدته هذه، دالة على عزمه القاطع على مفارقتهم، يقول:
حان الرحيل إلى قوم وإن بعدوا
فيهم صلاح المرتاد وإرشاد
فسوف أجعل بعد الأرض دونكم
وإن دنت رحم منكم وميلاد
إن النجاة إذا ما كنت ذا بصر
من أجّة الغي إبعاد فإبعاد
والخير تزداد منه ما لقيت به
والشر يكفيك منه قل ما زاد
لقد اتخذ قراره، فهو لا يستطيع الاستقرار مع قوم لا يدركون معنى الرشاد، ولا قيمة التصافي مع غيرهم في كل وجوه الحياة. ولذا، فإنه سيرحل بعيدا عنهم إلى غيرهم.. إلى أناس يتحكمون بأنفسهم فلا يركبهم غرور، ولا يلتفتون إلى مطامع، ولا يرغبون في التساوي مع الآخرين في كل شؤون الحياة، لأنهم يعلمون أن لكل واحد من الناس قدره المكتوب. فإن أبناء الأسرة الواحدة قد يتفاوتون في المنزلة وفي نصيب كل واحد منهم مما قسم له في دنياه.
يقول: سوف أترك قومي هؤلاء إلى آخرين غيرهم من ذوي الصلاح والرشد، وستبتعد بي الأرض عن هؤلاء الذين لا يستمعون إلى نداءات الحق، إنني سأتركهم، وأنسى ما يربطني بهم من روابط الرحم والدم والميلاد.
ثم يضيف: إن نجاة الإنسان بنفسه حين يرى اضطرام الضلال من حوله، يكون بالابتعاد عن مواضع اشتعال الفساد، ولن يفعل ذلك إلا إذا كان ذا دراية، وذا حسن تصرف في شؤون حياته.
وكان الختام في قوله: إن بيد الإنسان أن يزداد من الخير كلما لقيه، وأن يكفي نفسه بأقل ما يبذله من جهد.
هذا عرض سريع لقصيدة قالها شاعر قديم، ذكرنا أنه كان يعيش قبل الهجرة النبوية بحوالي خمسمائة سنة. وهي تلفت النظر من حيث سهولة أسلوبها، وقرب معانيها إلى الأذهان، ومن حيث تعبيرها الصادق عن شعور قائلها تجاه قومه الذين يرى أنهم قد ضلوا الطريق عندما أصموا آذانهم حتى لا يستمعوا إلى نداء الحق، وأعرضوا عن الناصحين من كبار قومهم الذين طالما دعوهم إلى الصلاح.
ولعل أهم دليل على قيمة هذه القصيدة أن بيتا واحدا منها شغل الناس عندنا في الكويت حينما تردد في مجلس الأمة خلال سنة 1964م، على لسان أمير الكويت الأسبق، رحمه الله. حتى لكأن هذا البيت قد قيل في ذلك اليوم.
>>أما الشاعر الثاني فهو عبدة بن الطبيب، وهو مولود قبل الإسلام، ولكنه عاش شطرا من حياته مسلما، ومشاركا في الحروب الإسلامية، ومنها معركة القادسية وذلك منذ سنة 13 للهجرة، ولقد كان شاعرا قوي الشعر شهد النقاد القدماء له بمقدرته الفذة على فن الرثاء شعرا، وذكروا بيتا قاله ضمن قصيدة يرثى بها رجلا اسمه قيس بن عاصم المنقري التميمي، وهو قوله:
وما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
ولقد قال أحد كبار النقاد وهو أبو عمرو بن العلاء (70هـ – 154 هـ) عن هذا البيت: «هذا أرثى بيت قيل»، وقال ابن الأعرابي، توفي سنة (340 هـ) عنه أيضا: «هو بيت قائم بنفسه، ماله نظير في الجاهلية ولا في الإسلام».
إذن، فنحن أمام شاعر متميز قوي الشعر، كريم النفس يترفع عن هجاء الناس، ويعتبر الخوض في هذا المجال مخالفا لما تقتضيه المروءة، وخافضا لمكانة الشاعر، ولذا فإنه يستحق أن يستشهد بشعره، لأنه ناصح أمين، ذو مروءة، وحسن خلق، وله تجارب عريضة في الحياة، كفلت له رأيا صائبا وعقلا راجحا وتقديرا من معاصريه، وممن جاء بعدهم.
وأما قصيدته التي سنعرضها فهي إحدى قصيدتين رواهما المفضل بن محمد الضبي في كتابه «المفضليات» كانت أولاهما هي التي قالها في أعقاب معركة القادسية الشهيرة التي سبق وأن أشرنا إلى اشتراكه مقاتلا فيها، وكان مطلعها:
هل حبل خولة بعد الهجر موصول
أم أنت عنها بعيد الدار مشغول
وكانت القصيدة الثانية – فيما يبدو – من أواخر ما قاله من الشعر، إذ إننا نراه يورد فيها صورا من تجاربه في الحياة، ويوجه من خلالها النصح إلى أولاده، مذكرا إياهم بواجباتهم تجاه أهلهم، ومبينا لهم الصفات الكريمة التي ينبغي عليهم أن يتحلوا بها.
وقد ذكر محققا كتاب «المفضليات» الجو الذي قيلت فيه، فذكر أنه:
«لما أسنّ، ورابه بصره جمع بنيه يوصيهم في هذه القصيدة. فأنشأ يسرد لهم ما خلف من مآثر باقية، ثم نصحهم بتقوى الله، وبر الوالد، والاتحاد وترك التنابز، والحذر من النمام والمنافق.
ثم نوه بحسن رأيه في المعضلات، وغلبته في المفاخرة. ثم صور يومه الأخير وذكر البكاء والقبر، وقدم لبنيه عزاء بأن الموت غاية كل حي.
تتكون قصيدته هذه من ثلاثين بيتا بدأها بقوله:
أبني إني قد كبرت ورابني
بصري، وفي لمصلح مستمتع
فلئن هلكت لقد بنيت مساعيا
تبقى لكم منها مآثر أربع
ذكر إذا ذكر الكرام يزينكم
ووراثة الحسب المقدم تنفع
ومقام أيام لهن فضيلة
عند الحفيظة والمجامع تجمع
(الحفيظة: الغضب).
وبعد أن ذكر لهم كل الأمور التي أنجزها من أجلهم فأغناهم عن الحاجة إلى الغير، فإنه اتجه إليهم ناصحا فقال:
أوصيكم بتقوى الله لأنه عز وجل هو الذي يهب ويمنع، كما أوصيكم ببر والدكم، وطاعة أمره، وعليكم بالابتعاد عن الحقد، وعن تحمل الضغينة للناس في صدوركم، فإن الضغينة تقطع الصلات بين الأقارب، ولا تستمعوا إلى النمام الذي يدعي أنه لكم ناصح، وهو يريد بكم الشر، ويترقب إثارة الخلاف بينكم وبين الآخرين.
ومضى على هذا المنوال إلى أن قال بيته الذي يوزن بالذهب، فهو به يلفت أنظارهم إلى أنه لا ينبغي لهم أن ينخدعوا بالعدو الذي يضمر لهم العداوة، ويدبر لهم السوء، ويدس الدسائس كرها منه لهم، وقد بدت عداوته في عدد من المظاهر التي شهدوها ولمسوها، لأنه – أي الشاعر – يرى أن هذا العدو الذي يظنون به الخير، وأنه أخ لهم إنما هو عدو لا يتخلى عن عداوته، ولا عن أفعاله ضدهم، فقد جبل على ذلك، وتمكنت البغضاء من قلبه، حتى ولو أظهر خلاف ما يبطنه في نفسه، فالعدو عدو، ولن ينقلب أخا لهم، وينبغي ألا يغرهم ما يقوله لهم بلسانه:إن الذين ترونهم إخوانكم
يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا
وأظن أن كل هذا مفهوم، ومن ظلم الإنسان لنفسه أن يستمع إلى الحقائق ثم يتجاوزها إلى غيرها، فالعدو عدو مهما تظاهر بغير ذلك.
أما بقية القصيدة، فهي تؤكد أنها كانت وصية مفارق، وأنها الكلمة الأخيرة التي استمع إليها أولئك الأبناء.
مما يجعلنا نظن أنها كانت آخر ما قاله من شعر، وأدل شيء على ذلك قوله:
إن الحوادث يخترمن، وإنما
عمر الفتى في أهله مستودع
يسعى ويجمع جاهدا مستهترا
جدا، وليس بآكل ما يجمع
حتى إذا وافى الحمام لوقته
ولكل جنب لا محالة مصرع
نبذوا إليه بالسلام فلم يجب
أحدا، وصم عن الدعاء الأسمع
***
والآن، وبعد كل ما تقدم، فإن لنا عوداً على البدء الذي ابتدأنا به..
لقد اتضح من العنوان أننا نزعم أن لحياتنا الآنية، وما يدور في مجتمعنا صلة، أو مشابهة لما قاله الشاعران: الأفوه الأودي وعبدة بن الطبيب. وقد استعرضنا ما قالاه، وأوردنا النقاط التي نرى أنها ذات اتفاق مع ما نحن فيه في وقتنا الحاضر. ومن المهم هنا إيجاز نقاط التشابه التي نزعم وجودها، لكي يتبين لنا صدق المثل العربي القديم القائل: ما أشبه الليلة بالبارحة.
يرى القارئ قصيدة الأفوه الأودي أنها تحتوي على نقاط سبق أن أشرنا إلى نقطة مهمة منها، وقارناها مع ما حدث في الكويت خلال سنة 1964م، ولكن ما قاله الشاعر يحتوي على نقاط أخرى نذكر منها:
أنه يشكو جماعة من قوم يشبهون بعض من هم عندنا اليوم، وصفهم بأنهم يفسدون ما يصنعه غيرهم من أعمال تستحق أن يحتفظ به، والافتخار بإنجازها.
– لقد استمرأ المفسدون البعد عن الرشاد حتى لكأنهم مع الجهل على ميعاد، فهو متمكن منهم، لا يغادرهم.
– لا يمكن لأمور أية مجموعة من الناس أن تستقيم في سيرها الحسن الذي يوصلها إلى ما تريد إذا لم تجعل اعتمادها على المجربين أولى الرأي والدراية، لأنهم – وحدهم – أدرى بما ينفع قومهم وأقرب للصواب من غيرهم.
وأما قصيدة عبدة بن الطبيب التي ينصح فيها أبناءه بعد أن أحس بدنو أجله، ففيها من النقاط ما يلي:
– دعوته لهم إلى استذكار ما قام به من أجلهم طوال حياته من أعمال كفلت لهم مكانة عالية، ووفرت لهم من العيش ما أغناهم عن الناس.
– دعوته لهم إلى تقوى الله عز وجل، وبر الوالدين، ذاكر أن كبير السن تضيق به الدنيا إذا عصاه أولاده.
– طلب منهم عدم السماع إلى ناقلي النميمة المفسدين بين الناس، لأن استبعادهم وعدم الاستماع إلى ما ينقلونه من أكاذيب يكفل حسن الصلة بين أفراد المجتمع كله.
– طلب منهم الحذر من الآخرين الذين يحتفظون لهم بالعداوة، لأن عداوتهم لا تزول من نفوسهم المريضة مهما مر من الزمان، ولذا فقد نهى أولاده أن يعتبروا هؤلاء الشاذين إخوانا لهم مهما أظهروا من التودد، لأن باطنهم يحتوي على حقد لا يزول، ويتمنون به موت من يعادونه. وأيامنا خير شاهد على ذلك.
– إن طريق الإنسان سالك إلى مصير معروف، وهو الموت، ولذا فإن أفضل ما يتركه وراءه هو الصيت الحسن.
***
وأخيرا، فإنني أكرر في هذا اليوم ما سبق أن قلته بالأمس البعيد:
يا بلادي انظري للمقبل
وجّهي الأنظار للمستقبل
وانظري الآتي بعين الأمل
ولتكن ذكرى الشهيد البطل
حافزا للعمل المتصل