- د.الغنيم: «التعريب استعادة لسيادة العقول».. وتحويل الإبداع الوطني لحضارة عالمية
- د.الشرنوبي: الاشتقاق والإلصاق.. مفاتيح لا نهائية لإنتاج الألفاظ وتوسيع الرصيد اللغوي
- د.سلامة: «العربية» لغة ثرية وقادرة على استيعاب العلوم الحديثة.. فلماذا الانهزامية؟
- عهود بنت خميس: الترجمة تضيف إلى «العربية» وتطورها.. وليست مجرد وسيلة لنقل المعارف بين الثقافات
محمد راتب
نظّم المركز العربي لتأليف وترجمة العلوم الصحية مساء أول من أمس ندوة ثقافية ثرية تحت عنوان: «اللغة العربية ومشروع حضاري عربي نهضوي»، ضمن الموسم الثقافي للمركز لعام 2025، وذلك في فندق كوستا ديل سول بمنطقة الشعب البحري، بحضور وزير الصحة أحمد العوضي، وأمين عام المركز العربي لتأليف وترجمة العلوم الصحية د.مرزوق يوسف الغنيم، ووزير التربية والتعليم السابق د. عبدالله الغنيم، وحضور حاشد من المتخصصين في الطب والعربية والتربية والتعليم من الكويت وأقطار الوطن العربي.
وحاضر في الندوة التي كانت تحت إدارة عميد كلية التربية بجامعة الكويت، ووزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق أ.د.سعد جاسم الهاشل، كل من رئيس جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية بجمهورية مصر العربية أ.د.سلامة جمعة علي داود، وأمين عام المجمع العلمي بالقاهرة ورئيس تحرير مجلة المجمع أ.د.محمد عبدالرحمن الشرنوبي، وكذلك خبيرة الترجمة والتعريب بمركز الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية في العاصمة العمانية مسقط عهود بنت خميس بن علي المخينية.
في مستهل الندوة ألقى الأمين العام للمركز العربي لتأليف وترجمة العلوم الصحية أ.د.مرزوق يوسف الغنيم كلمة افتتاحية عبر في غرتها عن سعادته بـ «الكوكبة المتميزة من أهل اللغة والفكر والاختصاص والمهتمين بقضايا اللغة العربية وتراثها والتعريب والترجمة»، شاكرا للحضور على تلبية الدعوة، ومشاركتهم الاهتمام باللغة العربية وقضاياها وفي صدارتها التعريب والترجمة، و«هما محور عمل المركز الذي قطع – بتوفيق الله – شوطا كبيرا في تعريب الطب والعلوم الصحية بالتأليف والترجمة على مدى ما يزيد عن أربعة عقود متصلة».
وبين أن اللغة الإنجليزية لم تكن لتأخذ مكانها على حساب العربية في بعض مدارس التعليم العام والجامعات في بلادنا إلا بسبب إهمال اللغة العربية، وضعف الإيمان بأهميتها وعدم إدراك خصائصها التي تميزها عن غيرها، مشيرا إلى أن ترك اللغة الإنجليزية تسود في مدارسنا وجامعاتنا ومناشط الحياة أمر غير مقبول ولا يرضى به عربي مسلم غيور على هويته ولغته القومية التي كانت وعاء لحضارة عربية إسلامية أثرت في أوروبا في العصور الوسطى، وشهد لها بذلك أساطين العلماء والمستشرقين في الغرب.
وأشار إلى أن التعريب يواجه معوقات مختلفة، منها حملات التغريب سواء من الخارج أو من الداخل، وهي الأسوأ، «كون الذي يروجها – بكل أسف – بعض أبناء جلدتنا، وأضاف إلى ذلك تراجع اهتمام أجهزة الإعلام بأهمية اللغة العربية والتعريب، وغير ذلك من المعوقات، مؤكدا أن المركز العربي لتأليف وترجمة العلوم الصحية قد تخطى أغلب هذه المعوقات وأزالها، مستدركا بأن جهوده البحثية في التعريب والتأليف والترجمة تحتاج إلى قرارات على المستوى السياسي والتعليمي والتربوي، تنقل بالآمال والأماني إلى مرحلة التطبيق الشامل لتعريب التعليم الجامعي بلا تردد.
وأفاد الغنيم بأن المركز بمجلس أمنائه وكوادره الإدارية والطبية واللغوية والفنية يؤمن إيمانا راسخا بأن هويتنا العربية هي انتماء إلى لغتنا العربية، وبين اللغة العربية والإسلام والعروبة تلازم باق ومحفوظ ما امتد الزمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لذا، فلا عجب أن نفخر بها ونعتز بتأثيرها العظيم في تقريب الثقافات والتواصل بين الحضارات المتعاقبة، مؤكدا أن تعريب العلوم يمثل استعادة لسيادة العقل العربي، وتحويل الإبداع الوطني إلى حضارة عالمية.
من جانبه، ألقى رئيس جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية بجمهورية مصر العربية أ. د. سلامة جمعة داود محاضرته في الندوة، مبتدئا بشكره للأمين العام للمركز العربي للتأليف وترجمة العلوم الصحية أ.د.مرزوق الغنيم على دعوته الكريمة ودعمه الكبير لجامعة الأزهر وتزويده لها بإصدارات المركز في تعريب الطب.
وأضاف د. داود أنه خرج من تجربة جامعة الأزهر الشريف في تعريب العلوم الكونية من طب وصيدلة وهندسة وفيزياء وكيمياء بنتيجة حاصلها أننا بحاجة في كل قطر عربي إلى اتخاذ إرادتين وصوتين متحدين: إرادة صانع القرار السياسي وصوته العلي، مع إرادة صانع القرار العلمي وصوته القوي، فيشد كل منهما أزره بأخيه، لافتا إلى أن التعريب في وطننا العربي إرادة سياسية تفتح أبواب نهضة علمية لتوطين المعرفة وإنتاجها بلغتنا العربية في بلادنا العربية التي أغرقت الأسماء الأجنبية شوارعها ومتاجرها ومؤسساتها ودور التعليم فيها.
وتحدث عن تجربة جامعة الأزهر في مقرر كلية الطب والذي يحتوي على الأحكام الشرعية والآداب الأخلاقية في مسائل الطب المختلفة سواء في الحقن المجهري في أطفال الأنابيب وغير ذلك، مما يتعرض له الطبيب في حياته المعاصرة حتى يكون ملما بأحكام الشرع في كل مسألة المسألة.
وشدد على ضرورة إنشاء مركز قومي للترجمة في كل بلد عربي لترجمة جميع ما يصدر من العلوم في العالم كله إلى اللغة العربية وترجمة جميع ما يصدر من النتاج العربي في العلوم إلى اللغة الأجنبية، وكان الخليفة المأمون يزن الكتب المترجمة في هذه العلوم بالذهب حتى شكا إليه القائمون أن المترجمين يكتبون على الورق الثقيل ليزداد وزد الذهب، فقال كلمته النفيسة: نحن نعطيهم ما يفنى ونأخذ منهم ما يبقى.
ودعا إلى ألا نتوقف عند حدود الترجمة حيث يجب أن نكون منتجين للمعرفة في هذه العلوم، وألا نكون مستوردين كما نستورد البضائع فلا يكون العالم عالما حتى يكون له ذكر من رأسه وفضل من غرسه، مؤكدا أن العالم العربي قادر على ذلك وفيه عقول ونوابغ كثيرون، فتقدم أمتنا مرهون بإنتاج المعرفة بعدما عاشت مستوردة لها، فبالمعرفة نصع غذاءنا ودواءنا وسلاحنا، فإذا حققنا ذلك فقد صرنا أغنى الناس، لأن أغنى الناس هو من استغنى بنفسه عن الذل للناس.
أما عضو مجمع اللغة العربية وأمين عام المجمع العلمي بمصر أ.د.محمد عبدالرحمن الشرنوبي، فقد أكد خلال مشاركته في الندوة، أن أهمية الترجمة لا تقتصر على نقل المعارف بين الثقافات، بل تتجاوز ذلك إلى إحداث أثر نوعي في اللغة العربية ذاتها، من حيث الإثراء والإضافة، وأحيانا الحذف والتعديل، مشددا على ضرورة تتبع أثر الترجمة وجودتها في كل ما ينتج من نصوص معربة أو مترجمة. وأوضح أن ثراء اللغة العربية وضخامة معجمها يتجليان بوضوح في الترجمة التبادلية مع غيرها من اللغات، حيث لا تقتصر عراقة العربية على معجمها وتعبيراتها البلاغية، بل تظهر أيضا في قدرتها الفريدة على احتواء أدق المفاهيم وتنوعها، وهو ما يجعلها قادرة على الانفتاح الحضاري والمساهمة في نقل العلوم والمعارف.
وأكد أن المعاجم تلعب دورا محوريا في حفظ الموروث العربي من المفردات، وتقييد الجديد من الوافد منها، وتعزز استعمال التراكيب العربية عند النقل من اللغات الأخرى، كما تتيح الفهم الدقيق للمعاني والمصطلحات المتخصصة، وتدعم الحركة الأدبية والعلمية بشكل عام. ولفت إلى أن المترادفات في العربية لا تحل محل بعضها بعضا دوما، بل هناك فروق دقيقة بين الكلمات يجب على المؤلف والمترجم إدراكها وتحري المعنى الصحيح للمقابل الذي ينقله، كما في الفروق بين «أصلح الفاسد» و«لم الشعث» و«رتق الفتق». وأكد أن هذه الدقة في استعمال الألفاظ من خصائص العربية التي يجب الحفاظ عليها وتطويرها.
وأوضح د. الشرنوبي أن وسيلتي الاشتقاق والإلصاق تعدان من أهم أشكال البناء العربي وإثراء الرصيد اللغوي، حيث يمكن بهما إنتاج عدد غير محدود من الألفاظ. فالاشتقاق، كما عرفه السيوطي، هو أخذ صيغة من أخرى مع إبقاء المعنى والمادة الأصلية، وهو ما يمنح العربية مرونة وسعة اشتقاقية لا تضاهى. واختتم د.الشرنوبي مشاركته بالتأكيد على ضرورة توثيق الجهود الترجمية والتعريبية في سجلات ومعاجم تحفظها من الضياع، داعيا إلى إطلاق مشروع ضخم لجمع هذه الإسهامات والبناء عليها في دراسات استقرائية تطويرية، كما شدد على أهمية تطوير المعاجم الرقمية العربية وتيسير الوصول إليها، ودعم البحث العلمي في اللغة العربية، لتبقى قادرة على مواكبة تحديات العصر والتعبير عن طموحات الأمة وتطلعاتها.
بدورها، أكدت خبيرة الترجمة والتعريب بمركز الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية التابع للأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأستاذة عهود بنت خميس المخيني، على أن اللغة العربية تمتلك من المقومات والخصائص ما يجعلها قادرة على استيعاب التطورات المعاصرة في شتى المجالات، ومواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم.
واعتبرت بنت خميس، في محاضرتها التي شاركت فيها خلال الندوة تحت عنوان: «باب إبانة لغنى اللغة العربية، إثراء لا يني، النتاج الترجمي.. نماذج وتطلعات مستقبلية»، أن الترجمة ليست مجرد وسيلة لنقل المعارف والعلوم بين الثقافات المختلفة، بل هي عملية إثراء للغة العربية ذاتها، وإضافة حقيقية لرصيدها اللغوي وقدرتها على التعبير عن المفاهيم الجديدة.
وأوضحت أن اللغة العربية تزخر بمعجم لغوي ضخم ومتنوع، وبقدرة فريدة على توليد الألفاظ الجديدة من خلال آليات متعددة كالاشتقاق والإلصاق والنحت والتركيب، مما يجعلها قادرة على استيعاب المصطلحات والمفاهيم الحديثة والمعقدة في مختلف العلوم والتقنيات، مشددة على أن هذا الثراء يمنح العربية مرونة كبيرة في التعامل مع التحديات اللغوية التي تفرضها العولمة والتطورات المتلاحقة.
وفي ختام الندوة تسلم أ. د. مرزوق يوسف الغنيم من أ.د.سلامة داود درعا تكريمية مقدمة له من جامعة الأزهر.
العوضي: لننطلق في تعريب العلوم الطبية!
دعا وزير الصحة د. أحمد العوضي المشاركين في الندوة وعموم أهل الاختصاص إلى الأخذ بزمام المبادرة في تعريب العلوم الكونية ومن ضمنها الطب، وعدم انتظار قرار سياسي أو مؤسساتي أو مجتمعي بهذا الخصوص، بل نبدأ بأنفسنا، مؤكدا أن القرار السياسي يحتاج إلى سلسلة من العمليات من ضمنها تعديل المناهج في كلية الطب، لذا، فإن من الممكن استخدام النسبية القليلة.
وذكر أننا كنا خلال دراسة الطب نضطر إلى شراء بعض كتب الطب باللغة العربية من مصر، حيث كنا نجد صعوبة في تعلم الطب دون معرفة ترجمة المصطلحات، مشيدا بالمركز العربي للتعريب والترجمة.
وتمنى العوضي أن تستمر هذه الندوات، متوجها بالشكر الجزيل إلى المشاركين وإلى د.مرزوق الغنيم على التنظيم الرائع والإخراج المميز للندوة، والمحاضرات القيمة التي أثرت هذه الندوة.
الغنيم: العربية كانت وعاء واسعاً لحضارتنا إلى الغرب
أكد الأمين العام للمركز أ.د.مرزوق الغنيم أن نجاح الندوة بعد توفيق الله يرجع إلى ما تفضل به الأساتذة الأفاضل، واستوفوا الحديث عن موضوع الندوة ومحاورها، مؤكدين أهمية اللغة العربية التي أبدع بها الأول من العلماء العرب والمسلمين، فكانت وعاء واسعا لحضارتنا إلى الغرب في العصور الوسطى، وسيقت الأدلة والشواهد على ذلك، مشددا على ضرورة أن نأخذ من الماضي العريق ما يثري الحاضر ويستشرف المستقبل في مشروع حضاري عربي نهضوي مأمول لهذه الأمة.
الهاشل: نهضتنا مرهونة بوحدتنا
أدار الندوة وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق أ.د.سعد الهاشل، وحظي بإشادة المشاركين وتقدير الحضور لما شهدوه من إدارة حصيفة للندوة.
وأكد الهاشل أنه بات معروفا للجميع أن المركز العربي للتأليف وترجمة العلوم الصحية دأب على إقامة ندوة ثقافية كل عام منذ تأسيسه في 1980، فقد مضى نصف قرن وهو مهتم اهتماما بالغا بالبحث العلمي والتأليف والتعريب، مؤكدا أن عنوان الندوة له دلالة واضحة على أن هذه النهضة مرهونة بالوحدة العربية وبمجموعة من المقومات أولها اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم وجاء بها دين الإسلام الذي أنار الأرض من شرقها إلى غربها بما فيها أوروبا خلال العصور الوسطى، فنقل هذا العالم من الظلام إلى النور ومن الجهل إلى العلم. وأضاف أنه إذا كانت اللغة العربية في ذاك الزمان قد لعبت دورا بارزا في نشر العلوم، فإنها بكل تأكيد قادرة اليوم على أن تلعب دورا في استشراف مستقبل مشرق أفضل مما نحن عليه، داعيا المؤسسات المعنية إلى أن تتناول هذا الموضوع بالدراسة والبحث.