فيما حذّرت وزارة البلديات والإسكان، أخيراً، من تفشي ظاهرة تقسيم الوحدات السكنية بشكل غير نظامي، مؤكدة أنها مخالفة صريحة للاشتراطات والتراخيص المعتمدة، إذ تصل الغرامة إلى 200000 ريال، أكد مختصون لـ«عكاظ» أن الظاهرة تخلق تشوها في الأحياء السكنية، وتؤثر بشكل سلبي على جودة الحياة السكنية.
وأكد المطور العقاري أسامة باسلم لـ«عكاظ»، أن ظاهرة تقسيم الشقق السكنية بشكل غير نظامي أسهمت بشكل مباشر في رفع أسعار التأجير، وأن هذا النوع من التقسيم يؤدي إلى زيادة متوسط الإيجار للمتر المربع مقارنة بتأجير الشقة كاملة، خصوصاً إذا تم تأجير الوحدات عبر منصات التأجير اليومي، ما يضاعف العائد السنوي للمؤجرين، ويخلق تشوهاً في السوق السكنية.
وأوضح باسلم أن ارتفاع الأسعار إلى جانب النمو السكاني السنوي الملحوظ، أسهما في زيادة الطلب على الوحدات الصغيرة مثل «الاستديوهات» أو شقق الغرفة الواحدة، خصوصا من قبل الأفراد القادمين من خارج السعودية، ما يفتح المجال أمام ممارسات عشوائية في التقسيم لتلبية الطلب بطريقة غير مدروسة.
وشدد على أن التقسيم غير النظامي يمثل تهديداً مباشراً للمشاريع العقارية المرخصة، التي يتم تصميمها وفق دراسات هندسية دقيقة تراعي التحمل الإنشائي، وكفاءة الخدمات، وحجم السكان.
في المقابل، فإن التقسيمات العشوائية تُجهد البنية التحتية، وتتسبب في انقطاعات متكررة للمياه والكهرباء، وارتفاع معدلات الإزعاج والمشكلات الاجتماعية؛ ما ينعكس سلباً على جودة الحياة داخل المباني.
وأكد باسلم أهمية تنظيم سوق التأجير العقارية عبر اشتراط التراخيص وتفعيل الرقابة على المساكن التي لا تستوفي الاشتراطات الأساسية، بما يضمن التوازن بين العرض والطلب، ويحفظ حقوق جميع الأطراف في السوق العقارية.
لا يبنى بالجدران فقط
المخطط الحضري والإقليمي المتخصص في التشريعات العمرانية وجودة الحياة الدكتور عبدالرحمن الصايل، يرى أن التقسيم العشوائي للوحدات السكنية يُعد انتهاكاً مباشراً لفكرة «السكن كحق حضري»، كما وصفها عالم الاجتماع الفرنسي هنري لوفيفر، مشيراً إلى أن الحي لا يُبنى بالجدران فقط، بل بمنظومة متكاملة من التوازنات بين الكثافة السكانية، والمرافق، والخصوصية، والهوية المجتمعية. وأضاف لـ«عكاظ»: «عندما تُقسَّم فيلا إلى وحدات صغيرة بلا أي اعتبار للمعايير التخطيطية، فإننا نخلق مشكلات حضرية متراكبة، وهذه الممارسة تُشوّه المشهد الحضري، وتُخِلّ بتوازن العرض والطلب على البنية التحتية المحلية من شبكة الصرف الصحي، إلى المواقف، وحتى إدارة النفايات.
وأشار الصايل إلى أن ما حدث في بعض أحياء لندن الشرقية في التسعينيات يُعد مثالاً صارخاً على عواقب التقسيمات غير المنظمة، إذ برزت ظاهرة ما عُرف بـ(beds in sheds)، إذ قُسمت الحدائق الخلفية والمخازن إلى مساكن. وكانت النتيجة: ازدحام شديد وضغط على المدارس وانهيار في الصرف، وشعور عام بانعدام العدالة في استخدام الموارد.
وأكد الصايل أن جودة الحياة لا تُقاس بمساحة الوحدة، بل بمستوى الراحة البصرية، والأمن، والهوية، والخصوصية، مشدداً على أن هذه الأبعاد تُنتهك عندما تتحول الأحياء إلى مجمّعات مكتظة غير مخططة. وقال: إن المشكلة لا تتعلق بالتكدس كرقم، بل بنوعية البيئة الجديدة الناتجة عنه.
اشتباك يومي بالمواقف
المتخصص في التشريعات العمرانية وجودة الحياة الدكتور عبدالرحمن الصايل، يضيف: البيوت التي يتم تقسيمها تُستخدم بشكل جماعي وهي غير مؤهلة لذلك، فالممر الضيق يصبح ردهة لعب، ومواقف السيارات تتحول إلى نزاع يومي، وتصبح الحياة داخل هذه البيئات مرهقة نفسياً وغير صحية. فالطفل لا يجد ساحة لعب، ويعيش في تشوش مكاني واجتماعي. الأسرة تفقد خصوصيتها، ويصبح البيت مجرد فراغ يضطرون لتحمّل من حولهم فيه. هذه ليست مساكن، بل بيئات عالية التوتر، منخفضة الانتماء.
وعن الأثر الاجتماعي، أوضح أن الأمر ليس امتداداً للنمط التقليدي للسكن الجماعي في البيوت السعودية، بل هو تحلل تدريجي للعلاقات: «في الماضي كان البيت يحتضن أبناء العم والضيوف. لكن ما يحدث اليوم هو تقارب مشوّه: غرباء يتشاركون الجدران دون إطار ثقافي مشترك. العلاقة لم تعد رحماً أو حتى جيرة نفعية، بل تجاور جبري يفتقر للثقة والخصوصية». وبيّن أن هذه التحولات تُعيد تشكيل النسيج الاجتماعي دون أن يشعر المجتمع بذلك، وتُنتج جغرافيا مضطربة هشّة قابلة للتشظي. وأوضح أن غياب التوعية يجعل من هذه التجاوزات سلوكاً مقبولاً شعبياً.
وأكد الصايل أن القضية لم تعد تنظيمية فقط، بل ثقافية واجتماعية، وأن الأطفال أكثر المتضررين من هذه البيئات، مستشهداً بدراسة للمعهد الوطني للصحة العامة في أمريكا (NIH, 2023) التي ربطت بين الاكتظاظ وتراجع الوظائف الإدراكية، مثل التركيز والذاكرة.
من يملك الحي؟
المتخصص في التشريعات العمرانية الدكتور عبدالرحمن الصايل يستطرد في الحديث، ويضيف: أنه في بيت مقسّم، لا يستطيع الطفل أن يلعب، والأبوان لا يملكان السيطرة على محيطهما. كل شيء يُدار بالحذر. وهكذا ينشأ جيل لا يرى في بيته مأمناً، ولا في حيه امتداداً للأسرة، بل مساحة تهديد. وعن الحلول، أوضح الصايل الحاجة إلى ثلاثة مسارات: منع السلوك بالتصميم كما في سنغافورة وطوكيو، عبر وحدات قابلة للتوسع وفق شروط واضحة، مشاركة السكان في حوكمة الحي عبر مواثيق استخدام محلية كما في برشلونة وأمستردام، وتقنين السكن المنتج كما في سيؤول، إذ يُسمح بتأجير جزء من المسكن بشروط تحفظ النظام.
وختم الصايل حديثه: المطلوب ليس ضبط الأحياء من الأعلى، بل تفكيك الغموض، وإعادة تعريف من يملك الحي: هل هي البلدية أم سكانه؟
حاجة واقعية
لبعض الفئات
الوسيط العقاري المهندس إبراهيم بن محمد القرشي، يرى عبر «عكاظ» أن ظاهرة تقسيم الشقق السكنية تلبي حاجة واقعية في السوق، خصوصا لبعض الفئات مثل طلاب الجامعات، وأصحاب الأعمال المؤقتة، والسياح، الذين يبحثون عن وحدات صغيرة ومؤقتة بأسعار مناسبة. لكنه، في الوقت ذاته، لها أثر سلبي على السكان الدائمين لا سيما في جوانب جودة الحياة والتنظيم العمراني. وأوضح أن فئات متعددة تشترك في هذه الممارسة، بدءا من الأفراد ضعيفو القدرة الشرائية وصولاً إلى المستثمرين الذين يستأجرون عمائر تحتوي على 15 شقة مثلاً، ويقسمونها إلى 35 وحدة، لرفع العوائد، وفي المقابل يخلق ضغطاً غير منظم على السوق. إذ باتت الوحدات المقسّمة تستحوذ على نسبة كبيرة من المعروض، وغالباً دون أي تنظيم أو رقابة واضحة.
وعن الأثر على الحياة اليومية، قال القرشي: في بعض الأحياء نلاحظ مشكلات متزايدة في مواقف السيارات، وتكدّساً غير منظم، وهو أمر مزعج للغاية ويمسّ جودة الحياة، لكن هناك خطوات فعلية لتنظيم هذه الممارسات العشوائية.
نظرة إلى التجربة السنغافورية
المحامي المستشار في الحوكمة تركي القحطاني قال لـ«عكاظ» إن تقسيم الشقق السكنية إلى وحدات صغيرة بغرض التأجير المنفصل أصبح مقلقاً من النواحي القانونية والعمرانية والاجتماعية، مؤكداً أن الظاهرة تمثل مخالفة صريحة لأنظمة وزارة البلديات والإسكان، وتُعرّض مرتكبيها لعقوبات صارمة، فالتعديلات الداخلية التي تتم دون ترخيص، تحمل مخاطر إنشائية جسيمة كاحتمالات اندلاع الحرائق أو انهيار الجدران؛ بسبب تجاوز طاقة التحمل في البنية الأساسية للمبنى، وعقود الإيجار في مثل هذه الحالات كثيراً ما تكون غير مسجلة في شبكة (إيجار) ما يُعد خرقاً مباشراً للأنظمة.
وأشار القحطاني إلى أن الظاهرة تُسهم في خلق بيئات سكنية غير متجانسة، مع اكتظاظ في وحدات غير مهيأة لاستيعاب أعداد كبيرة من السكان؛ ما يرفع معدلات الضوضاء، ويؤثر على جودة الحياة، ويزيد العبء على الخدمات البلدية والبنية التحتية.
واستشهد القحطاني بتجربة سنغافورة كنموذج ناجح في معالجة هذه الظاهرة، إذ يُمنع تقسيم الوحدات السكنية دون ترخيص، ويُحدد حد أدنى للمساحة المطلوبة لكل مستأجر، كما يتم ربط عقود الإيجار بالضرائب العقارية، في إطار رقابي متكامل يضمن التنظيم والعدالة.
واختتم القحطاني تصريحه بالتأكيد على أن تقسيم الشقق ليس مجرد مخالفة، بل قضية حضرية تمس سلامة المجتمع واستقرار السوق العقارية، داعياً إلى تفعيل أدوات الرقابة الإلكترونية وربطها بنظام إيجار وإشراك المطورين العقاريين في تصميم وحدات تلبي حاجة السوق ضمن الأطر النظامية وتكثيف الحملات التوعوية للتأكيد على أن السكن الآمن المنظم هو حق ومسؤولية في آنٍ واحد.
انقلوا القصص الحقيقية
الباحث في الإعلام الرقمي وتكنولوجيا الاتصال مترك بن شفلوت، رأى عبر «عكاظ»، أن الكثير من الناس لا يدركون أضرار ظاهرة تقسيم الشقق السكنية، إلا حين يعيشون التجربة بأنفسهم، سواء من ناحية الازدحام داخل الأحياء أو ضعف البنية التحتية أو حتى المشكلات الأمنية التي تظهر تدريجياً. وأشار ابن شفلوت إلى أن التوعية المجتمعية عبر الإعلام الرقمي يمكن أن تلعب دوراً جوهرياً في هذا الملف «نحتاج إلى توظيف وسائل مرئية أكثر فاعلية مثل الرسوم التوضيحية والإنفوغرافيك، والفيديوهات القصيرة التي تُظهر كيف يؤثر التقسيم العشوائي على المدارس، والنظافة العامة، والطرق، وغيرها من مرافق البنية التحتية».
واقترح ابن شلفوت أن تُعرض قصص حقيقية لسكان تضرروا فعلياً من هذه الممارسات «عندما يرى المتلقي شهادة واقعية لأسرة تعيش في وحدة سكنية مقسّمة وتعاني من ضعف الخصوصية أو مشكلات في الصرف الصحي مثلا، سيكون تأثير الرسالة أعمق بكثير من مجرد نص مكتوب».
وانتقد ابن شفلوت بعض المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي الذين يروّجون للشقق الصغيرة والمقسّمة دون التطرق إلى الأضرار، مؤكداً أن هذا الترويج قد يدفع بعض الأشخاص لاتخاذ قرارات سكنية غير مدروسة. ومن المهم توجيه المؤثرين لتقديم محتوى متوازن، أو على الأقل موازنة الصورة عبر حملات إعلامية مضادة تبيّن الواقع والمخاطر. وأوضح أن القصص القصيرة والفيديوهات التوثيقية تُعد من أقوى الأساليب التوعوية في الإعلام الرقمي لأنها تلامس مشاعر الناس وتنقل التأثير الواقعي بسرعة ووضوح، لا سيما حين تكون صادقة وتعرض الأسباب والبدائل، مشدداً على أهمية أن تُروى القصة من زاوية إنسانية، تُظهر كيف تأثرت الأسرة من الناحية الصحية أو النفسية أو الاجتماعية، ولماذا اضطرت لهذا النوع من السكن، مع تقديم الحلول الممكنة «الإعلام الرقمي اليوم يملك أدوات قوية وقادرة على صنع الوعي، ومن واجبه أن يستخدمها لنقل الصورة الحقيقية حول خطر السكن المقسم، بأسلوب بصري مؤثر، يساعد الناس على اتخاذ قرارات سكنية مدروسة تصب في مصلحة الفرد والمجتمع».
حلول مرنة لمواجهة الشح
الوسيط صانع المحتوى العقاري خالد خليل، استعرض عبر «عكاظ» التحديث الأخير الذي أجرته منصة (إيجار) في ما يخص الوسطاء العقاريين، مشيراً إلى أن التحديث يمنع تعديل عدد الوحدات بعد تسجيلها واعتمادها، وضرب مثالاً واقعياً بقوله: إذا سجل أحد الوسطاء 10 وحدات وفق تصريح رسمي فلن يتمكن من إضافة وحدة جديدة بعد ذلك، حتى إن كانت موجودة فعلياً، لأن المنصة تُغلق التعديل فور وصول الحد المُعتمد.
وهذا الإجراء يؤكد أن العمل يتم بناء على تصريح رسمي صادر من الأمانة أو البلدية، ما يجعل تسجيل الوحدات إجراءً مشروعاً ونظامياً. غير أن الإشكالية تظهر عند محاولة إضافة وحدات ناتجة عن تقسيم داخلي غير مصرح به، ما يُعد مخالفة صريحة للأنظمة البلدية والتنظيمية. ويتساءل خليل: هل تم وضع ضوابط واضحة للتعامل مع الحالات القائمة التي تتجاوز عدد الوحدات المصرّح بها؟ وماذا عمن قام بتقسيم شقته وأبرم عقوداً سارية قبل التحديث هل يُعتبر مخالفاً رغم أن الوضع كان مقبولاً وقتها؟ وهل ستكون هناك مهلة تصحيحية منصفة تمكّن الملاك من إعادة ترتيب أوضاعهم قبل تطبيق الجزاءات؟
وأكد أن كثيراً من الحالات الميدانية لا تنطلق من نية المخالفة، بل من واقع سكني يفرض حلولاً مرنة لمواجهة شح المعروض وارتفاع الأسعار، خصوصاً في مدن مثل المدينة المنورة التي تعاني من طلب مرتفع على الوحدات الصغيرة.
اشركوا أصحاب
المصلحة في الحلول
خالد خليل يضيف: إذا كانت الجهات التنظيمية تعتبر التقسيم غير المصرح به مخالفة، فإن الحل لا يكون بالإيقاف الفوري، بل بوضع خارطة طريق واضحة للملاك والوسطاء: هل نلغي العقود؟ هل نعيد التأهيل؟ ما مصير التصاريح السابقة؟ وكيف نوازن بين التنظيم وحاجة السوق؟
ويطرح خليل تساؤلاً مهماً حول مصير المستثمر الصغير الذي دخل في مشاريع الشقق المفروشة بنظام الشقق المخدومة، ويتساءل: هل القرار الجديد يحمي المستثمر الصغير الذي دفع كامل مدخراته للدخول في هذا القطاع؟ وماذا إذا تم فسخ عقده من قِبل المالك الأساسي بسبب التقسيم هل سيكون قادراً على الاستمرار في مشروعه أو حتى تغطية إيجار الوحدة؟ مشدداً على أن غياب إجابات واضحة في هذا الجانب قد يؤدي إلى خسائر مالية واجتماعية كبيرة لفئة واسعة من المستثمرين الأفراد.
وختم خليل حديثه لـ«عكاظ»: بالدعوة إلى إشراك أصحاب العلاقة في رسم الحلول، ووضع آليات انتقال عادلة تضمن الحماية وتعيد التوازن للسوق العقارية دون الإضرار بالحقوق القائمة.
ليست كلها سلبية !
الخبير العقاري المقيم المعتمد سعد التويم قال لـ«عكاظ»: إن تقسيم الشقق إلى وحدات صغيرة ليس بالضرورة ظاهرة سلبية، بل انعكاس مباشر لتحوّلات السوق وتغير أولويات الطلب، خصوصاً لدى شرائح لم تتم خدمتها بشكل كافٍ حتى الآن، مثل الأفراد، العزاب، وذوي الدخل المحدود. وأكد أن المشكلة ليست في وجود هذا النمط من العرض، بل في غياب التنظيم الذي يضمن سلامة التنفيذ وجودة الاستخدام. وأوضح التويم أن السبب الرئيسي لانتشار الظاهرة يعود لضعف القدرة الشرائية لدى فئات واسعة من الباحثين عن السكن، ما يجعل الوحدة الصغيرة خياراً واقعياً وضرورياً، وفي رغبة بعض المستثمرين تعظيم العائد الاستثماري من خلال استغلال المساحات بأقصى قدر ممكن عبر تقسيمها لعدد أكبر من المستأجرين.
وأكد أن تقسيم الشقق، رغم سلبياته، يُسهم في خفض تكلفة السكن على الأفراد، لكنه في الوقت ذاته قد يؤدي إلى تضخيم غير متوازن في العائد الاستثماري في بعض المواقع، ما يرفع سقف الإيجارات مستقبلاً ويؤثر سلباً على عدالة السوق، واصفاً إياه بـ«السيف ذو الحدين»، الذي يتطلب تنظيماً ورقابةً دقيقةً بدلاً من الإلغاء المطلق. وبيّن التويم أن الخطورة لا تكمن في التقسيم ذاته، بل في تنفيذه دون اشتراطات هندسية واضحة، إذ يؤدي ذلك إلى مشكلات في التهوية، نقص المواقف، ضغط على البنية التحتية، وكثافة سكانية غير محسوبة، مما ينعكس سلباً على جودة الحياة داخل الأحياء السكنية.
والحل ليس في المنع التام، بل في ضبط المساحات، والاستخدامات، وعدد الوحدات داخل العقار، وفق معايير مدروسة تحفظ حقوق الجميع.
وأشار التويم إلى أن الجهات التنظيمية، وعلى رأسها وزارة البلديات والإسكان ومنصة «بلدي»، بدأت بخطوات إصلاحية مهمة، لكنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من التفعيل والدقة في تطبيق الأنظمة، خصوصاً في ظل الواقع المتغير للسوق العقارية السعودية. واختتم التويم حديثه بتقديم مقترح عملي يسمح بالتقسيم ضمن معايير واضحة وملزمة، تشمل: تحديد الحد الأدنى لمساحة كل وحدة سكنية وتحديد عدد الوحدات المسموح بها في كل عقار وتوفير مواقف سيارات كافية والالتزام باشتراطات التهوية والسلامة الهندسية وتسجيل جميع العقود رسميا في شبكة (إيجار) لضمان التوثيق والاستخدام السليم.
فوضى وقلق وتوجس
أكد اللواء المتقاعد المستشار الأمني عبدالعزيز القحطاني لـ«عكاظ»، أن ظاهرة تقسيم الشقق إلى وحدات سكنية صغيرة لا تُعد مجرد ظاهرة عابرة، بل تمثّل مشكلة حقيقية تتطلب التعامل الحازم والجاد وفق الأنظمة والقوانين، لما لها من آثار سلبية متراكمة تمس العقار والمجتمع والأمن العام.
وأولى هذه الآثار تنعكس على العقار ذاته، إذ يؤدي هذا النوع من التقسيم إلى زيادة الضغط على البنية التحتية كالكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، فضلاً عن إضعاف التماسك الإنشائي للمبنى بسبب التعديلات غير النظامية، مما يؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة وسلامة السكان.
وأشار اللواء المتقاعد القحطاني إلى أن الأثر الثاني يتمثّل في الإضرار بالنسيج الاجتماعي للأحياء، إذ يقطن الشقق المقسّمة أفراد لا يُعرف عددهم الحقيقي، وغالبا ما يُسجل العقد باسم شخص واحد فقط دون الإفصاح عن بقية السكان ما يخلق بيئة من الفوضى والقلق الاجتماعي والتوجس من المجهول، ويؤثر على شعور السكان بالأمان والاستقرار داخل حيّهم. أما الأثر الثالث وهو الأهم، بحسب تعبيره، فهو المتعلق بالأمن والسلامة العامة، إذ تُضيف هذه الممارسات عبئاً مضاعفاً على الجهات الأمنية التي تضطر إلى متابعة ومراقبة نشاطات مجهولة الهوية داخل وحدات سكنية قد تُستغل في أنشطة غير قانونية أو مشبوهة.
ولفت القحطاني إلى أن الدافع الأساسي لبعض الملاك هو تعظيم الأرباح المالية على حساب الأنظمة وجودة الحي، وهو ما يؤثر سلباً على القيمة السوقية للعقار والموقع، ويجعل من الحي مستقبلاً غير مرغوب السكن فيه، مما يزيد من اتساع دائرة الضرر على الجميع. وشدّد على أهمية توعية المجتمع، سواء الملاك أو المستأجرين، بمخاطر التقسيم العشوائي، وأهمية الالتزام الصارم بالقوانين والأنظمة البلدية والتنظيمية، داعياً الجهات المختصة إلى تكثيف الجولات الميدانية وضبط المخالفات وفرض العقوبات الرادعة بحق المتجاوزين.
كما دعا اللواء المتقاعد القحطاني إلى تعزيز التعاون المجتمعي من خلال استخدام منصات الإبلاغ الرسمية التي وفرتها الجهات الأمنية والتنظيمية، لتسهيل عملية رصد المخالفات والحد من انتشار هذه الممارسات غير النظامية «إذا تحقق التنسيق الفعّال بين الجهات الأمنية والجهات العقارية والمواطنين، وتم تطبيق الأنظمة بصرامة، وإصدار العقوبات الرادعة، فإن هذه المشكلة ستتلاشى تدريجيا حتى تختفي تماماً».
أخبار ذات صلة