لا تزال أصداء إعلان شركة مايكروسوفت الأمريكية، عملاق التقنية المعروفة، عن برنامج حديث من إنتاج مختبراتها العلمية يعتمد على الذكاء الاصطناعي، قادر على تشخيص دقيق للعلل والأمراض بشكل يتفوق على قدرات مجموعة من الأطباء المختصين. وهذه المسألة كانت تطرح منذ فترة زمنية ليست بالبعيدة وتبحث في احتمالات حصولها ولكن كل ذلك كان يقع في ضمن إطار الخيال العلمي على أقل تقدير.

وبدا عدد غير بسيط من المحللين العلميين والأطباء الممارسين في تقدير آثار ذلك الأمر المستجد على القطاع الصحي بشكل عام. هل سيكون لدى الناس ثقة في رأي الذكاء الاصطناعي في تشخيص أغلى ما يملكون وهو صحتهم؟ وهل هذا البرنامج الجديد سيكون آمناً ضد القرصنة الإلكترونية المدمرة والفتاكة؟ تجارب الناس مع المنظومات الإلكترونية الوسيطة سواء في التسوق أو الصيرفة أو التعلم أو المعاملات الرسمية هي متفاوتة في نتائجها فهناك قصص نجاح مذهلة وهناك مآسٍ وكوارث تكاد لا تصدق.

في دراسة حديثة أجرتها جامعة ميناسوتا الأمريكية، وأعلنت نتائجها في شهر مايو من هذا العام، أظهرت أن الغالبية العظمى من الشريحة التي تم استبيانها أوضحت أنها لا تثق في الذكاء الاصطناعي كوسيط للتشخيص في المجال الصحي. وكانت النسبة أكثر من ٦٥% من الذين أبدوا الملاحظات السلبية وهي نسبة لا يمكن الاستهانة بها.

وفي تعليق مهم جداً وإن كان لا يخلو من الطرافة علّق أحد الأطباء المختصين عن التشخيص الطبي المعتمد بشكل كامل وأساسي على الذكاء الاصطناعي بأن هذا الأمر سيعفي الأطباء وشركات التأمين من القضايا المتعلقة بالأخطاء البشرية في القطاع الصحي، وهذا حدث في حد ذاته لا يمكن الإقلال من أهميته.

إذا ما تم اعتماد هذا البرنامج وهذا ما يتوقع حدوثه عاجلاً أم آجلا ستكون هناك حاجة ملحة لإعادة توصيف العلاقة بين المريض والطبيب.

هناك علاقات مهنية في حياة الناس تبنى على أسس الثقة والطمأنينة والأمان، مهن مثل الطبيب والمحامي والمعلم، وهي جميعها مهددة بتغيير جذري في أدوارها، وفي بعض الأحيان زوالها، ولكن تبقى لمهنة الطبيب مكانة خاصة ومميّزة في نفوس الناس، وتهديد هذه المكانة حتى لو كانت بوعود الذكاء الاصطناعي بتشخيص أكثر دقة واعتمادية يثير الاهتمام والجدل ولم نبدأ بعد حتى الآن.

سيكون طبيبك الجديد محمولاً في جيبك على هاتفك يقدّم لك التشخيص المناسب لأعراضك متى ما عرضت عليه ويأتيك الجواب في ثوانٍ. مقبلون على عالم جديد من الواضح جداً أن أهم معالمه هو أن الذكاء الاصطناعي هو آخر اختراعات العقل البشري، وكل ما سيلي ذلك سيكون من إنتاج الذكاء الاصطناعي نفسه.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.