بين منشور في منصة (إكس)، ومقطع في (سناب شات)، وآخر في (تيك توك)، وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي، ينشر البعض مقاطع لمعلومات مغلوطة أو كاذبة أو مفجعة أو مضللة أو غير صحيحة، ما يحدث بلبلة لدى المتلقي. أحدهم -مثلاً- تحدث عن سجن خمس سنوات لمن يحرك أصبعه الأوسط تجاه خصمه، وطالب طب يحذر من مرض أو فايروس أو دواء متداول وآمن على الصحة، وثالث يتحدث عن عشبة سحرية لعلاج أمراض عجز الطب عنها، وآخر ينصح بعدم شرب المياه مع الطعام دون سند علمي، وعشرات ومئات النصائحالمضللة في كل مجالات الحياة، وعند تصحيح المعلومة من مصدرها يردد ناشر المعلومة مقولة: «ناقل الكفر.. ليس بكافر».

على منصات الواقع، وفي منصة (إكس)، نشر طبيب استشاري أن ضحية أصيبت بجلطة في القلب بعد أن أوقفت نوعاً من أدوية الكوليسترول نتيجة معلومات مضللة وغير مسؤولة انتشرت في منصات التواصل، موضحاً أن الدواء معتمد من الجهات الرسمية وأن البعض تهكم من الدواء وسخر منه ففقد بعض المرضى الثقة به وأصيبوا بالضرر نتيجة ما نشر في المنصات. ونصح الطبيب أي مريض بعدم التوقف عن الدواء من تلقاء نفسه وضرورة استشارة الطبيب أو وزارة الصحة على رقمها المجاني في أي وقت.

ومع توسّع وسائل التواصل، باتت ظاهرة إصدار النصائح المضللة والمعلومات المغلوطة من غير المختصّين تتكرّر، بما يُشكّلفوضىتهدّد ثقة المتلقي وتفتح الباب لاستغلال البعض من الباحثين عن الشهرة والترند. وتتّضح الظاهرة في مقاطع فيديوهات قصيرة، في مواقع التواصل. تارة أحد خريجي الطب ينصح بدواء معين أو يحذر من مرض أو من لقاح، وآخر في المحاماة يفسر الأنظمة العدلية ويحملها ما لا تحتمل ويتحدث بعقوبات ما أنزلت الأنظمة بها من سلطان، وثالث يتحدث عن الاستثمار في الذهب ويتنبأ عن مسار الأسهم، ورابع يروج لخلطات شعبية بزعم أنها تشفي من أمراض خطيرة، كل ذلك يحدث مجانباً للحقيقة ودون أي سند علمي.

عندما يتحوّل النصح إلى ضرر

المحامي فراس طرابلسي يقول لـ«عكاظ» إنه لم يعد ظهور المختصين في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي مشهداً استثنائياً. فالمحامون يفسّرون الأنظمة، والأطباء يقدّمون نصائح علاجية، والمهندسون والاقتصاديون يحللون القرارات في بثّ مباشر. مشهد يبدو في ظاهره صحياً، لكنه في جوهره يحمل مخاطر مهنية متزايدة، حين تتسلل اجتهادات غير دقيقة تُقدَّم على أنها يقين علمي أو نظامي، فيتخذها الناس مرجعاً وهي في حقيقتها قراءات ناقصة أو آراء شخصية لا تستند إلى أساس من الواقع أو النص.

ويزداد الخطر حين يتحوّل الخطاب المهني إلى توجيه مباشر أو فتوى عامة؛ كأن يُعلن طبيب عبر حسابه أن دواءً معيناً آمنٌ دون وصفة، أو يُحذّر خبير قانوني من إجراء نظامي استناداً إلى فهم ناقص، أو يروّج أحد المؤثرين لمنتجٍ «آمن ومجرب» دون تحقق. في هذه اللحظة، يصبح النصح العام أداة ضرر عام، وتتداخل حدود الحرية بالمسؤولية. وقد شدّد وزير العدل رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمحامين الدكتور وليد الصمعاني، في مؤتمر المحاماة السعودي، على أن أي طرح قانوني في وسائل الإعلام لن يُقبل مستقبلاً دون أساس نظامي صحيح، مبيناً أن مثل هذه الآراء إذا كانت خاطئة أو غير دقيقة قد تؤدي إلى اهتزاز الثقة بالمهنة. وهو تأكيد رسمي على أن الضوابط الإعلامية للمحامين ليست تقييداً، بل حماية لجوهر المهنة وصونٌ لثقة المجتمع في العدالة. وأضاف طرابلسي أن وزارة الصحة حذرت في بيانات سابقة من «الاستشارات الطبية عبر مواقع التواصل»، التي يقدّمها بعض الممارسين أو مشاهير الإعلانات، فمثل هذه الممارسات قد تُعد تجاوزاً لمقتضى الترخيص المهني إذا نتج عنها ضرر أو تضليل للمجتمع. وهي ذات القاعدة التي تستند إليها معظم الأنظمة المهنية: أن الحق في التعبير لا يعفي صاحبه من واجب الدقة والتحقق. ويتابع طرابلسي: أما مشاهير التواصل الاجتماعي، فقد أصبحوا اليوم جزءاً من المشهد الإرشادي الجديد، إذ تختلط الشهرة بالثقة، ويتقاطع الإعلان مع النصح. بعضهم يتحدث في الطب وهو لا يحمل ترخيصاً، أو يروّج لعلاج لم يمر على هيئة الغذاء والدواء، أو يقدّم نصائح مالية واستثمارية دون أي تأهيل مهني. والأسوأ حين يُقدَّم كل ذلك بثقة مصطنعة وبعبارات قاطعة، فينخدع المتابعون بـ«المؤثر» الذي لا يملك سوى المتابعين، بينما يظنونه خبيراً أو مختصاً.

شطب التراخيص وفرض الغرامات

الكاتب الباحث في الشأن القانوني هلال الهلالي، قال إن الهيئة العامة لتنظيم الإعلام شرعت في إصدار عدد من التحديثات المهمة والتنظيمات التي ترتقي بالمحتوى المحلي وتعمل على تشذيب الانحرافات والشطط من بعض من اقتحموا صناعة المحتوى الإعلامي دون تأهيل أو مسؤولية، وللأسف تنوعت في مجالات عدة وصلت إلى الإفتاء والتفسير وإنزال نصوص قوانين في بعض الوقائع بشكل فوضوي، ثم وصل الحال إلى الجوانب الطبية والاجتماعية التي تطرأ بين الحين والآخر، والتي تشوه ما وصل إليه الإعلامي السعودي من مهنية ومسؤولية عالية في صناعة المحتوى الإعلامي. وأضاف الهلالي: من هنا نراهن على مستقبل أفضل بعد أن تم رصد هذه الممارسات وإيقاع العقوبات المغلظة على القائمين عليها، التي وصلت إلى شطب التراخيص وفرض الغرامات، ونتمنى من الهيئة أن تطلق برنامجاً توعوياً بالتعاون مع بعض الجهات المعنية مثل هيئة المحامين وهيئة الصحفيين وهيئة الغذاء والدواء للتوعية المجتمعية عن ضرورة فلترة المتلقي للمحتوى والتنبه إلى أي محتوى مخالف أو صانع محتوى غير موثق أو معتمد من الجهة المختصة بموضوع المحتوى، والابتعاد عن متابعة أي محتوى غير موثوق على اعتباره محتوىً مضللاً.

لا تكن لقمة سائغة فتندم!

المحامي المستشار القانوني الدكتور محمود حمزة المدني، قال: هناك جملة متداولة تقول «من تكلم في غير فَنّه أتى بالعجائب»، وهذا قول مأثور للإمام ابن حجر العسقلاني، ومعناه أن الشخص الذي يتكلم في غير تخصصه سيأتي بكلام خاطئ وغريب ومضحك. وهي عبارة تحمل في طياتها تحذيراً لأصحاب العقول بضرورة الالتزام بالتخصص حتى لا يقعوا في الخطأ والحرج. وقد قال ابن حجر هذه العبارة العميقة وهو لم يشاهد ما يحدث اليوم من «فتاوى مُعلّبة» في شتى المجالات!

يتابع المحامي الدكتور المدني بقوله: ساعدت منصات التواصل الاجتماعي على أن يكون لكل شخص ساحة يتكلم فيها بما يشاء، والمشكلة تكمن عندما يتحدث أي شخص في تخصصات مهنية وعلمية وطبية وشرعية وهو لا يمتلك الأدوات الصحيحة ولا الخلفية العلمية المتخصصة؛ ما يؤدي إلى لغط وتضليل وإيصال معلومات مغلوطة، والأمثلة كثيرة. وأضاف: لقد وجدت غير المختص يتكلم في شؤون الأسرة والتربية وفي علم النفس وأنواع السلوكيات وعلاج الاضطرابات والطب وعلم الأمراض وكيفية تشخيصها وعلاجها ويُبدي الرأي القانوني كأنه محامٍ، بل الأدهى والأمر أن هناك غير المختص يوزع «الفتاوى الشرعية» ويفسر الأحلام.

والحقيقة أن كلاً من هذه المجالات تعتبر تخصصاً ودراسةً وعلماً، ويعكف صاحبها في الجامعات وبين أروقة الكليات ويركب أمواج النظريات المنهجية ويتلاطم مع بحور الأبحاث العلمية لسنوات حتى يتخصص في مجال دقيق، ليس ذلك فحسب، بل هناك متطلب نظامي للتدريب والتأهيل بعد سنوات الجامعة حتى يحصل صاحب ذلك التخصص على تصريح من الجهة المُشرفة ليكون مؤهلاً ومرخصاً للعمل فيه.

استشاري الأمراض الصدرية والعناية المركزة بجدة الدكتور أحمد حمود يحيى الغامدي روى لـ«عكاظ» كيف أن كثيراً من المعلومات الطبية الخاطئة تتسبب في إلحاق الأذى والضرر بالمتلقي، وذلك يشمل السيدات والأطفال والرجال من كبار أو صغار السن. وأضاف: يشكّل نشر المعلومات الطبية غير الصحيحة على مواقع التواصل الاجتماعي خطراً كبيراً، إذ قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات صحية خاطئة من قبل الأفراد، مما يسبب تأخراً في الحصول على الرعاية الطبية المناسبة وتفاقم الأمراض. يمكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك أضرار صحية مباشرة، وقد يدفع الأفراد إلى تناول علاجات غير مثبتة أو غير فعالة، أو قد يتجاهلون أعراضاً حقيقية، مما قد يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية. وقال: تتسم المعلومات الطبية الخاطئة بالقدرة على الانتشار بسرعة، وغالباً ما تكون قصص الشفاء الوهمية، مما يساهم في زيادة الشائعات والمعلومات الكاذبة بشكل كبير.

وختم الدكتور أحمد حمود الغامدي بقوله: أسهم عصر السرعة والثورة المعلوماتية في جميع النواحي الحياتية، وفتحت التكنولوجيا الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي أبوابها مشرعة أمام الاجتهاد في الآراء وسيل المعلومات التي لا حدود لها من كل من هب ودب في جل التخصصات، في سباق مذموم لنشر معلومات غير صحيحة بحثاً عن الترند وزيادة عدد المتابعين مما يتطلب التصدي لهذه الظاهرة وردع أمثال هؤلاء.

الإعلامية فايزة حامد الثبيتي ترى أن انتشار الفتاوى الطبية والقانونية على منصات التواصل من غير المؤهلين يمثل خطراً حقيقياً على المجتمع، فمثلاً حين ينشر طالب طب أو قانون رأياً تخصصياً دون خبرة كافية، فإنه يزرع الثقة في معلومة قد تكون خاطئة، ما يهدد صحة الناس أو ينال من حقوقهم القانونية.

وهذه الفتاوى والآراء تخلق فوضى معرفية، وتضعف مكانة التخصصات العلمية، وتغذي ثقافة الاستعراض على حساب الدقة والمسؤولية، والأخطر أن الجمهور قد لا يميز بين الطالب والمختص وبين المتعلم والجاهل، فيتبع نصائح غير دقيقة قد تؤدي إلى نتائج ضارة. وتوصي فايزة بالتصدي لمثل هذه الظواهر وتوعية المجتمع بعدم أخذ الفتاوى إلا من جهات معتمدة، وإدراج أخلاقيات النشر الرقمي ضمن مناهج الكليات وتفعيل دور الهيئات المهنية في الرقابة والتنبيه وتشجيع المختصين الحقيقيين على تقديم محتوى موثوق. وتطوير أدوات رقمية توثق مؤهلات من يقدم محتوىً تخصصياً ومعاقبة المتجاوزين، فالفتوى ليست رأياً عابراً، بل مسؤولية علمية وأخلاقية ومن واجبنا حماية الناس من فوضى المعرفة، وصون هيبة التخصصات من التطفل الرقمي، فهناك من يخلطون الشهرة بالتخصص، الطب والمحاماة والهندسة والاستشارات الأسرية وسائر التخصصات ليست محتوى للترند، ولا فتوى تُؤخذ من عدد المتابعين، من يتحدث بلا علم يزرع فوضى ويؤذي المتلقي «من المهم احترام المهنة أنت أمام محكمة الوعي الرقمي».

ادعاءات حرية التعبير

يرى المحامي طرابلسي أن هذه الفوضى لا تُعد خطأً أخلاقياً فحسب، بل مخالفة نظامية مكتملة الأركان؛ إذ إن أنظمة الإعلام المرئي والمسموع ونظام مكافحة الغش التجاري تحظر تقديم أي محتوى يضلّل المستهلك أو يُوهمه بصفة مهنية غير صحيحة. ومن حيث الأثر، لا يقل هذا النوع من التضليل خطراً عن الممارسة غير النظامية في الطب أو القانون، لأنه يزرع الثقة في غير محلها، ويحوّل الجهل إلى رأي مؤثر.

وبيّن بقوله: لقد منحت الجهات المختصة الفرصة تلو الأخرى لهؤلاء كي ينضبطوا، فألزمتهم بالحصول على تراخيص، والإفصاح عن الإعلانات المدفوعة، وعدم تقديم أي استشارة مهنية دون تصريح. ومع ذلك، ما زال بعضهم يتجاوز كل ذلك بدعوى الحرية أو «حق التعبير»، وكأن الشهرة تُعفي من النظام، والحقيقة أن الشهرة لا تمنح الحصانة، بل تُضاعف المسؤولية، لأن أثر الخطأ الواحد قد يمتد إلى ملايين المتابعين.

ويتابع: إن ما يجري اليوم يستدعي وقفة حازمة، لا ضد حرية التعبير، بل ضد عبث التأثير. فحين يتحوّل المشهور إلى مصدر فتوى طبية أو قانونية أو مالية، دون رخصة ولا تحقق، يصبح ضرره جماعياً ومسؤوليته مضاعفة. هذه ليست حرية رأي، بل تعدٍّ على اختصاص منظّم بالقانون، يستوجب المساءلة، حفاظاً على وعي المجتمع وصحة مهنة التأثير قبل أن تفسدها العشوائية، فالمجتمع يحتاج بالفعل إلى التثقيف القانوني والعلمي، لكن التثقيف يختلف تماماً عن الاستعراض الإعلامي. فالتثقيف يقدّم المعرفة العامة بلغة واضحة منضبطة، أما الاستعراض فيميل إلى المبالغة أو انتقاء العقوبات لإثارة الانتباه. وهنا يظهر الدور المركزي للجهات التنظيمية في أن تجعل الظهور الإعلامي أداة لبناء الوعي، لا منصة للتشويش.

ضبط استخدام الألقاب المهنية

يوصي المحامي فراس طرابلسي بعدة أدوات تمنح الحضور الإعلامي قيمة مضافة، ولخصها في خمس نقاط: أولها إطلاق منصة رسمية للتوعية القانونية والمهنية بإشراف خبراء معتمدين، لتقديم محتوى موثوق يُميز التثقيف الرشيد عن الاستعراض العابر، وثانيها اعتماد مهني خاص بالظهور الإعلامي ليمنح المختص الذي يرغب في الحضور الإعلامي شهادة موثوقة بعد اجتياز برنامج تدريبي، بما يضمن أن كلمته أمام الناس تضيف إلى الوعي العام ولا تُربك المشهد، وثالث الأدوات إنشاء ميثاق شرف إعلامي مهني يلتزم فيه أصحاب المهن بعدم التطرق للعقوبات أو القضايا المنظورة إلا وفق الضوابط، ليبقى الخطاب المهني منضبطاً ويعكس هيبة العدالة والعلم لا سطحية الجدل، والرابع ضبط استخدام الألقاب المهنية بحيث لا يُستخدم لقب «محامٍ» أو «طبيب» أو «مستشار قانوني» أو «خبير مالي» إلا وفق الترخيص الرسمي من الجهات المختصة؛ منعاً للخلط الذي يُضلل المجتمع ويُضعف الثقة بالمهنة، وخامس الأدوات إبراز النماذج الملتزمة عبر إتاحة مساحة إعلامية أكبر للمهنيين الذين يلتزمون بالضوابط، ليكونوا قدوة في المشهد ويعيدوا التوازن المطلوب بين الحق والواجب.

ويختم طرابلسي بالقول إن هذه الضوابط لا تضيق على الحرية، بل تصونها. فالمهن ليست أدوات للبحث عن الأضواء، بل رسائل عمادها الثقة والدقة. والظهور الإعلامي، متى التزم بضوابط الحق والواجب، يصبح جسراً لتعزيز وعي المجتمع، بدلاً من أن يكون ساحة استعراضية تُربك الناس وتشوه صورة العدالة والعلم معاً.

الدكتور محمود حمزة المدني يرى أن كل من يتحدث في الطب وهو ليس بطبيب قد يكون سبباً مباشراً في إلحاق الأذى وتفاقم الأمراض والتلاعب بصحة الأبرياء، وكذلك الحال فيمن يبدي الرأي في العلاقات الأسرية والاجتماعية وهو غير مؤهل لأنه يوجه الزوجين بكلام خاطئ ومنهج فاسد غير سوي، وفي الغالب تكون آراؤه منبعثة من تجربة شخصية مر بها ويحاول نقل نتائجها للآخرين، خصوصاً إذا كانت تجربة سلبية فيتأثر بها المستمع سلباً. ولا سيما المتطفلين على المحاماة، فهناك من يعطيك الرأي القانوني وهو ليس بأهل اختصاص مما يؤذي ويضر من يتلقفه. وهنا سؤال جوهري: ما النتيجة التي تتوقعها من شخص غير مختص يتحدث في مجالات مهنية وعلمية لا يفقه فيها شيئاً غير الخرافات والهذيان والدجل و«الهرطقة» والهراء والسخف والحكايات الخيالية والقصص الباطلة والتافهة.

واستطرد المدني بقوله: لقد سنّت الجهات الرسمية قوانين ولوائح ومعايير تنظم عمل كل مختص، حتى يصبح مؤهلاً بالعلم والمعرفة، مما قطع الطريق على هؤلاء المتطفلين فتمنعهم من الحديث في غير مجالاتهم، بل وضعت عقوبات وجزاءات لمن ينتحل فيهم صفة مهنية. ولك أن تتخيل أن الأمر قد يصل إلى الحق في رفع دعوى تعويض على من يتكلم في غير اختصاصه وكان سبباً مباشراً في إلحاق أذى أو ضرر لشخص بعينه (بعد إثبات العلاقة السبيبة)، ومثال ذلك الشخص الذي يحرّض المرأة على زوجها، فيظهر في منصات التواصل الاجتماعي وهو يدعو المرأة بألّا تُضحي من أجل أسرتها وأولادها وزوجها وأن تكون لها أولويات أخرى بعيدة عن بيتها، أو أن ينصح الزوجة بعدم سماع رأي الزوج في مسألة متعلقة ببيت الزوجية أو غيرها من النصائح العجيبة الغربية التي أتت بالمصائب، وقد وقفت شخصياً على عدة قضايا كانت فيها الزوجة ضحية آراء صادرة من غير مختصين تسببوا في القضاء على العلاقات الزوجية التي كانت مستقرة بسبب نصائحهم.

وهناك حكمة جميلة منسوبة إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- تقول: «إياك والكلام فيما لا تعرف طريقته ولا تعلم حقيقته». وهنا لا بد لنا من وقفة عميقة، وهي أن اللوم يقع على كل شخص يستمع لهؤلاء غير المختصين ويأخذ بآرائهم، فنصيحتي ألّا تقبل رأياً من غير مؤهل، لأن تجاربهم الشخصية ليست مقياساً معتبراً، وعليك بأرباب العلم وأهل الاختصاص دون غيرهم من المتطفلين ولا تكن لقمة سائغة لهم فتندم.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.