يُعدّ يوم الجمهورية، الذي تحتفل به كازاخستان في الخامس والعشرين من أكتوبر، مناسبة تُستحضَر فيها لحظة تاريخية فارقة تمثلت في إعلان سيادة البلاد عام 1990. وقد شكّل هذا التاريخ نقطة انطلاق نحو الاستقلال والتقدم وبناء دولة عصرية، تنسج اليوم علاقات راسخة مع شركائها الإستراتيجيين، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.
منذ نيلها الاستقلال، تنتهج كازاخستان بثبات مسار التنمية المستدامة، والانفتاح على العالم، وتبني التقنيات المتقدمة. وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، تحولت البلاد من جمهورية فتية إلى دولة رائدة إقليمياً، تستند في نهجها إلى مبادئ السوق المفتوحة، والتعايش السلمي، والشراكات الإستراتيجية. واليوم، تواصل كازاخستان تحقيق تقدم ملموس في مجالات الاقتصاد، والبيئة، والرقمنة، والدبلوماسية الدولية، والثقافة، والرياضة.
وبفضل موقعها الإستراتيجي في قلب أوراسيا، تؤدي كازاخستان دوراً محورياً في الربط بين آسيا وأوروبا، إذ يمر عبر أراضيها نحو 80% من حركة النقل البري بين القارتين.
تواصل كازاخستان تنفيذ أجندة التنمية المستدامة بنشاط. تم دمج أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs) في التخطيط الحكومي والسياسات المالية. وفي ألماتي، تم افتتاح المركز الإقليمي للأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة لآسيا الوسطى وأفغانستان، ما يعكس الاعتراف الدولي بمساهمة كازاخستان في مستقبل مستدام للمنطقة.
ومن المخطط عقد القمة الإقليمية للبيئة في أستانا في أبريل 2026، بتنظيم مشترك مع الأمم المتحدة وشركاء دوليين آخرين. تمثل القمة استمراراً للعمل الذي بدأ في قمة المياه One Water Summit التي استضافتها كازاخستان بالتعاون مع فرنسا، والمملكة العربية السعودية، والبنك الدولي. أصبح تعزيز الوعي البيئي جزءاً من الحياة اليومية للكازاخستانيين، حيث جمعت الحملة الوطنية «تازا قازاقستان» ملايين المتطوعين المشاركين في تنظيف المناطق، وفرز النفايات، والتثقيف البيئي.
كانت الزيارة الرسمية للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، ومشاركته في أعمال المؤتمر، إسهاماً مهماً في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، كما أكدت اهتمام المملكة العربية السعودية الخاص بقضايا التعاون الروحي مع كازاخستان.
وكانت خطوة بارزة في تعزيز العلاقات الروحية والثقافية أن تم التوصل إلى اتفاق لافتتاح المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية لأول مرة في آسيا الوسطى، وذلك في العاصمة الكازاخستانية أستانا. هذا المشروع، الذي ينفذ بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي، سيكون مساحة فريدة للحفاظ على التراث الإسلامي وتعزيزه، وتعميق الحوار بين الأديان، وتوعية الشباب. وقد حظيت هذه المبادرة بدعم واسع من الجانبين، وتمثل مرحلة جديدة في تقوية الروابط القيمية والحضارية بين كازاخستان والمملكة العربية السعودية.
تولي كازاخستان اهتماماً كبيراً بدعم الثقافة والرياضة وتعزيز الهوية الوطنية. فقد حقق الرياضيون الكازاخستانيون أكثر من 70 ميدالية أولمبية خلال سنوات الاستقلال. وفي عام 2024، دخل المنتخب الكازاخستاني ضمن أفضل خمسة في الألعاب الآسيوية، محققاً 80 ميدالية. أما في بطولة العالم للملاكمة لعام 2025، فقد احتلت كازاخستان المركز الأول بفارق كبير في الترتيب العام، محققة 7 ميداليات ذهبية، وفضية، وبرونزيتين.
تستمر العلاقات بين كازاخستان والمملكة العربية السعودية في التطور على أساس الاحترام المتبادل والمصالح الإستراتيجية والتفاعل الاقتصادي المتنامي. كانت السعودية من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال كازاخستان في عام 1991، وفي عام 1994 تم تأسيس العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين. ومنذ ذلك الحين، تعمل الدولتان على تعزيز الروابط على المستويات السياسية والاقتصادية والإنسانية والثقافية بشكل متسلسل ومستمر.
وبصفتهما لاعبين مهمين في منطقتيهما -آسيا الوسطى والشرق الأوسط- تسعى كازاخستان والمملكة العربية السعودية إلى تعزيز التعاون الثنائي، مع التركيز على طاقة المستقبل، والتجارة، والاستثمارات، والثقافة، والأمن.
كما تتبنى الدولتان وجهات نظر متقاربة بشأن القضايا الرئيسية في السياسة الدولية، حيث تدعمان الحلول السلمية للنزاعات، واحترام القانون الدولي، والتنمية المستدامة، وتوسيع الدبلوماسية متعددة الأطراف. ويعكس التعاون النشط في منظمات دولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي مدى التشابه في أولويات السياسة الخارجية بين البلدين.
شهد التعاون بين كازاخستان والسعودية تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. ففي العام الماضي، احتفلت الدولتان بمرور 30 عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية -وهي علامة رمزية شكلت قاعدة لمرحلة جديدة من الشراكة. وكان من أبرز دلائل المستوى الرفيع للعلاقات الثنائية الزيارات المنتظمة لرئيس جمهورية كازاخستان قاسم جومارت توكاييف إلى المملكة العربية السعودية.
في يوليو 2022، قام الرئيس قاسم جومارت توكاييف بزيارة رسمية إلى الرياض، حيث تمت خلال الزيارة مناقشة أولويات التعاون وتوقيع اتفاقيات اقتصادية هامة.
وفي يوليو 2023، زار المملكة مرة أخرى في زيارة عمل للمشاركة في قمة «آسيا الوسطى-مجلس التعاون لدول الخليج العربية (الآسيك)»، حيث شدد على أهمية التعاون الإقليمي. وفي ديسمبر 2024، شارك رئيس كازاخستان في قمة «One Water Summit» التي ناقشت قضايا الإدارة المستدامة للموارد المائية وتغير المناخ.
ويظل الاقتصاد أحد المجالات ذات الأولوية في التعاون بين البلدين. إذ تهتم كازاخستان بجذب الاستثمارات السعودية في مجالات الصناعات الزراعية، واللوجستيات، والطاقة، والبتروكيماويات، والنقل، والتقنيات الرقمية. وفي المقابل، تنظر السعودية، في إطار رؤية 2030، إلى كازاخستان كشريك واعد في آسيا الوسطى، لما تتمتع به من موقع جغرافي إستراتيجي وموارد طبيعية غنية.
ومن العوامل المهمة التي تسهم في تعزيز العلاقات التجارية وتبادل السياح، هو نظام الإعفاء من التأشيرة الذي أقرته كازاخستان لمواطني السعودية، بالإضافة إلى وجود رحلات جوية مباشرة بين البلدين. وهذا يسهل بشكل كبير حركة رجال الأعمال والمستثمرين والحجاج والسياح، ويوفر فرصاً إضافية لتوسيع التعاون الإنساني، والتعليمي، والثقافي بين البلدين.
تعبر كازاخستان عن شكرها العميق لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان على الدعم المستمر، وحسن استقبال الحجاج الكازاخستانيين، واهتمامهما الكبير بشؤون التعاون الروحي. ويحظى هذا الدعم من القيادة السعودية بتقدير عالٍ ويُعتبر تعبيراً حقيقياً عن الأخوة المتبادلة والاحترام المتبادل.
وبذلك، تُظهر العلاقات الكازاخستانية-السعودية ديناميكية إيجابية مستدامة، وتتجه نحو مرحلة شراكة إستراتيجية طويلة الأمد. ويسهم في ذلك نطاق واسع من المصالح المشتركة -من الطاقة والاستثمار إلى الثقافة والتعليم والأمن والمواقف المشتركة على الساحة الدولية. في ظل التحديات العالمية، تكتسب هذا الشراكة قيمة خاصة كعامل للاستقرار والتنمية المستدامة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
في هذا اليوم الاحتفالي بمناسبة يوم جمهورية كازاخستان، تعبر قيادة ودبلوماسيو القنصلية العامة عن استعدادهم لتقديم المساهمة اللازمة لتعزيز وتوسيع الشراكة الكازاخستانية-السعودية.
فلنجعل الاحترام المتبادل، والثقة، والرغبة في التنمية المشتركة، أسساً راسخة لسنوات عديدة من التعاون الناجح من أجل السلام والتقدم والازدهار لشعوبنا.
أخبار ذات صلة
