عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيد إسماعيل هنية في إيران، سارعت واشنطن إلى مطالبة جميع الأطراف بضبط النفس والتحذير من تصعيد يقود إلى حرب إقليمية، وهو ما اعتبره محللون امتدادا لسياسة ازدواجية تنتهجها واشنطن بعد كل تصعيد إسرائيلي.
وحسب موقع أكسيوس، أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن محادثة صعبة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وطالبه بالتوقف عن التصعيد والتحرك نحو اتفاق بشأن “الرهائن” ووقف إطلاق النار في غزة، وحذره فيها من عدم الاعتماد على الولايات المتحدة في حال التصعيد مجددًا.
وفي حديثه لبرنامج “غزة.. ماذا بعد”، يرى الدكتور حسن أيوب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، أن الإدارة الأميركية كانت تعتمد فرضية قدرتها على التأثير على نتنياهو بمنحه المساحة لشن حرب على قطاع غزة والدفاع عنه لاحقًا، إلا أن ذلك لم ينجح على مدى الشهور الماضية من الحرب.
وأوضح أيوب أن نتنياهو أحرج الإدارة الأميركية مرارًا وبات من المعتاد نشر تقارير مشابهة لما نشرته أكسيوس، عن إحباط تلك الإدارة من نتنياهو دون اتخاذ إجراءات حقيقية، مشيرا في هذا السياق إلى ما حدث بعد مقتل عمال “المطبخ العالمي”، وتحذيرات واشنطن شديدة اللهجة التي لم تغير من سياسة نتنياهو.
وفي حال لم تكن واشنطن على علم سابق بقرار إسرائيل اغتيال هنية فهذه -حسب أيوب- مصيبة وكارثة تكشف المدى الذي وصلت إليه إسرائيل من الاستقلالية عن الإدارة الأميركية ومصالحها في المنطقة، وإن كانت تعلم ووافقت فهذه مصيبة أكبر تعكس قبول واشنطن مجاراة نتنياهو في هذه المقامرة الخطيرة.
حضور دولي وتعقيد أميركي
ويرى أيوب أن اغتيال هنية أعطى القضية الفلسطينية حضورًا دوليًّا أكبر، كما عقد الموقف في الولايات المتحدة، خاصة لدى الديمقراطيين ومرشحتهم نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس التي قد ترث هذا الملف الذي يزداد تعقيدا باغتيال هنية.
ويذهب أستاذ العلوم السياسية إلى أن نتنياهو يعتبر الظروف الحالية ملائمة للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة بعد عملية الاغتيال التي يرى فيها لحظة مناسبة لاستثمار ما يعتقده من ضعف المقاومة.
بدوره، لا يعتقد الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة أن المقاومة والأطراف العربية المعنية ستقتنع بالرواية الأميركية، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية تكرر سياستها المزدوجة، بجمعها بين الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل وبين الدعوات للمفاوضات.
ويؤكد الحيلة أن الإدارة الأميركية توفر الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل، وتغطيها في المحافل الدولية، كما يراها كثيرون شريكة في عملية الاغتيال، مشيرًا إلى أن التنسيق الوثيق بين الأجهزة والجيشين في البلدين، يجعل من غير المعقول تصور أن تكون واشنطن ليست على علم سابق بهذه العملية.
وأضاف أن الإدارة الأميركية متهمة وشريكة فيما يحدث، فهي تمد إسرائيل بالسلاح من جهة وتطلب المفاوضات من جهة أخرى. وأشار إلى أن تحركات البوارج والطيران الأميركي في المنطقة تتناقض مع تصريحاتها بعدم الرغبة في التصعيد.
ويرى أحمد الحيلة أن الولايات المتحدة ستكون عاجزة عن توفير الغطاء الكامل لإسرائيل في مواجهة ردود فعل محور المقاومة إن تكثفت في وقت واحد، للالتحام الجغرافي الذي يفرض على إسرائيل أن تدافع عن نفسها وحدها.
لا ضغوط حقيقية
فيما يرى ماثيو داس -وهو نائب رئيس مركز السياسة الدولية في واشنطن- أن رواية أكسيوس قابلة للتصديق، حيث حذر بايدن نتنياهو مرات عديدة في مراحل سابقة للحرب، لكنه لفت إلى أن ذلك لم يعقبه أي تغيير حقيقي في السياسة.
وأرجع داس ذلك إلى أن هذه التحذيرات لم تكن أكثر من مجرد حديث دون ضغوط حقيقية على نتنياهو وهو ما يعني أن سياسة بايدن غير مجدية في احتواء نتنياهو.
ويرى داس أن خطأ بايدن الأساسي هو اعتقاده بإمكانية احتواء العنف في غزة وغيرها من الجبهات التي فتحت لاحقا دون تطبيق الضغوط اللازمة على نتنياهو وحكومته لذلك وعدم استخدام الوسائل المتوفرة له مثل قطع الأسلحة.
ويستبعد المحلل الأميركي تحقيق ما لم يتمكن من تحقيقه سابقا طالما لم يواجه نتنياهو تبعات لرفضه وقف إطلاق النار، مشددا على أنه دون اتخاذ أي إجراء حقيقي ضد نتنياهو فلا يمكن توقع أي تغيير.