أصبح الحديث عن اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة جزءا من الماضي على ما يبدو بعدما نجحت الحكومة الإسرائيلية بدعم أميركي في إخضاع الجيش لخططها، متجاهلة الغضب الداخلي والمخاوف الميدانية التي تحدّث عنها الجيش كثيرا، كما يقول خبراء.

فقد قررت حكومة بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية احتلال مدينة غزة رسميا رغم موافقة رؤساء الأركان والموساد والشاباك على الصفقة المطروحة حاليا، والتي اعتبرها رئيس الحكومة “غير مناسبة”، وفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية.

وفي الوقت نفسه، يواصل رئيس الأركان إيال زامير تحفيز الشارع الإسرائيلي ضد عملية احتلال مدينة غزة عبر التسريبات الصحفية، وذلك في محاولة لتحميل الحكومة المسؤولية مقدما عن أي فشل أو خسائر ستلحق بالجيش خلال هذه العملية، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى.

وتنبع حساسية زامير لهذه العملية التي سبق أن وصفها بالمصيدة الإستراتيجية من رفض 80% من الإسرائيليين لها، ومن كون قضية الأسرى تحولت من قضية عائلات إلى قضية قومية تتعلق ببناء المجتمع بعد هذه الحرب.

ورغم موقفه من العملية العسكرية فإن مصطفى يصف في تصريحاته لبرنامج “مسار الأحداث” زامير بـ”رئيس أركان جبان”، لأنه لم يعلن موقفه من العملية بوضوح رغم قناعته بعدم إمكانية تحقيق أي هدف في غزة عبر القتال.

وانطلاقا من وجهة النظر هذه فإن إسرائيل تعيش لحظة تاريخية شديدة الخطورة من الناحيتين السياسية والعسكرية، لأن الساسة أخضعوا العسكريين لمصالحهم الشخصية والأيديولوجية رغم أن قرار الحرب والسلم كان بيد الجيش تاريخيا.

ليس هذا وحسب، فقد تجاهلت الحكومة الأسرى والغضب الشعبي الجارف إلى أن 54% من ناخبي حزب الليكود يؤيدون التوصل إلى صفقة.

مظاهرات في تل أبيب تطالب باستقالة نتنياهو (الجزيرة)

ترامب يعادي الفلسطينيين

والسبب في هذا التجاهل -برأي مصطفى- أن ترامب “لم يعد داعما لإسرائيل وإنما لنتنياهو ولأيديولوجية متطرفة إسرائيلية” تقوم على معاداة الفلسطينيين، وهو ما يبدو جليا في مواقفه من السلطة الفلسطينية وتهديده المحاكم الدولية التي تحاول معاقبة هذه الحكومة المتطرفة.

واتفق الباحث في الشؤون الدولية حسام شاكر مع حديث مصطفى بقوله إن نتنياهو “لم يعد يلتفت لأي صفقات بعدما أصبح أسير مصالحه ومصالح الجناح اليميني في حكومته”، واصفا ما يجري حاليا بأنه “محاولة لمحو غزة تتطلب موقفا عربيا سريعا، لأن المواقف الدولية لم تتجاوز حد الكلام”.

لكن المسؤول السابق في الخارجية الأميركية توماس واريك يعتقد أن الأسابيع المقبلة قد تشهد تطورا سياسيا إذا تمكن ذوو الأسرى من ترتيب لقاء مع الرئيس دونالد ترامب الذي يقول إنه كان منشغلا خلال الفترة الماضية بقضية أوكرانيا.

ولم ينكر واريك أن ترامب يعطي نتنياهو هامشا للتحرك، لكنه يقول إن الرئيس الأميركي سيكتشف قريبا أن هذه الحرية لن تحقق شيئا، وعندها قد يتحرك لإيجاد حل لأنه أعلن رغبته في إنهاء هذه الحرب.

لكن المسؤول الأميركي السابق يقول إنه “لا أحد يمكنه توقع ما سيقرره ترامب، خصوصا بعد الاجتماع الأخير الذي أجراه كبير مستشاري نتنياهو في واشنطن دون الإعلان عن أي نتائج، وهو أمر غير معتاد سياسيا، لكنه يتماشى مع طبيعة ترامب”.

استدعاء الاحتياط

وفي غضون ذلك، قالت القناة الـ12 إن الجيش سيبدأ الثلاثاء استدعاء 60 ألفا من الاحتياطي تدريجيا لنشرهم على حدود سوريا ولبنان وفي الضفة الغربية، لتمكين القوات النظامية من القتال في غزة، وتوقعت مقتل 100 جندي في هذه العملية.

كما قالت هيئة البث الإسرائيلية إن إسرائيل لديها دعم من ترامب لهذه العملية لكنه ليس مفتوحا، في حين قالت “يديعوت أحرونوت” إن نتنياهو رفض التصويت على صفقة جزئية، وقال إنه لا داعي لذلك.

لكن الخبير العسكري العميد إلياس حنا يرى أن المشكلة التي تواجه إسرائيل حاليا في احتلال غزة تكمن في التكلفة المتوقعة للعملية وفي إنهاك الجنود من الحرب، فإسرائيل جاهزة عسكريا وقد اتخذت القرار سياسيا، لكن هذا لا يعني البدء بالعملية التي يحاول رئيس الأركان تأجيلها لإراحة الجنود كما يقول حنا الذي اعتبر تسريب تقارير عن فشل العمليات في غزة “محاولة لتحميل نتنياهو الفشل وعدم منحه إنجازا عسكريا”.

وأضاف حنا أن قتل قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتدمير البنية التحتية لم يحسما الحرب، والفشل يتمثل -برأيه- في أن الجيش يقاتل بطريقة لم يعتدها، ويعود إلى المكان الواحد أكثر من مرة ولا يحقق أهدافه.

وحتى الآن، لا يزال الخلاف بين نتنياهو وزامير على كيفية تنفيذ العملية، لأن الأول يريدها سريعة، في حين الأخير يريد الاعتماد على القضم المتدرج والقوة النارية التدميرية، فضلا عن أنه “يريد الحصول على موافقة شعبية تجعله في مأمن من أي ملاحقة مستقبلية”، برأي الخبير العسكري.

شاركها.
Exit mobile version