نشرت الكاتبة الإسرائيلية ليلاش سيجان مقالا في صحيفة معاريف تناولت فيه إخفاقات إسرائيل في معركة الوعي والإعلام منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأكدت أن التفوق الدعائي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بقيادة منظومة إعلامية واسعة ومنظمة، أوقع إسرائيل في “هزيمة مدوية” على الساحة الدولية، على الرغم مما تصفه السلطات الإسرائيلية بإنجازات عسكرية ضد حماس وحزب الله وحتى إيران.

افتتحت الكاتبة مقالها بالإشارة إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال هذا الأسبوع إن “إسرائيل تخسر حرب العلاقات العامة في العالم”.

ورغم أن هذه التصريحات لا تحمل جديدا، فإنها -بحسب الكاتبة- تختصر معضلة مركبة في جملة بسيطة يفهمها الجميع “إسرائيل قد تكون متفوقة عسكريا، لكنها مهزومة تماما في ميدان الرأي العام الدولي”.

منظومة دعائية لدى حماس

تقول الكاتبة إن مرور نحو 700 يوم على الحرب الطويلة لم يحقق لإسرائيل ما يمكن وصفه بـ”النصر”.

ورغم النجاحات العملياتية التي تعلن عنها المؤسسة الأمنية، فإن عجز إسرائيل عن التقدم في غزة مردّه إلى خسارتها معركة الوعي، إذ لم تستطع إقناع الرأي العام العالمي بـ”شرعية حربها” أو بروايتها للأحداث.

وتضيف أن التبريرات التي سُمعت في بداية الحرب من قبيل “الإعلام غير مهم”، أو أن “إسرائيل تُصوَّر كجالوت في مواجهة داود”، أو أن “العالم معادٍ للسامية” لم تعد مقنعة.

فاليوم بات واضحا أن المعركة الدعائية لا تقل أهمية عن القتال العسكري في الميدان، لأنها هي التي تحدد صورة “الخير والشر” أمام المجتمع الدولي.

وربطت سيجان مزاعم الاحتلال باغتيال المتحدث باسم حماس أبو عبيدة بالكشف عن دوره المركزي فيما وصفته بـ”هزيمة إسرائيل التوعوية”.

فبحسب تقرير بثه الصحفي دورون كدوش من إذاعة الجيش الإسرائيلي، كان أبو عبيدة يقود وحدة دعائية ضخمة داخل حماس تضم نحو 1500 عنصر، بينما لا يتجاوز عدد العاملين في أقسام المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والإعلام العسكري نصف هذا الرقم، على حد قولها.

وتقول الكاتبة إن هذه الوحدة لم تكن مجرد دائرة إعلامية، بل هي جناح متكامل مزود بكاميرات وأجهزة مونتاج ومتابعين لحظيين لاتجاهات الرأي في إسرائيل.

وجرى توظيف محرري فيديو في كل كتيبة، بحيث لا تقوم أي عملية لحماس دون أن تكون مرفقة برسالة إعلامية جاهزة للتوزيع.

وفيما تتعمد الكاتبة تجاهل أن السبب الرئيسي في الانقلاب العالمي عليها هو حرب الإبادة والتجويع التي تشنها على قطاع غزة منذ 23 شهرا، فقد استعرضت سلسلة من الحملات التي قامت بها حماس ورافقت مسار الحرب.

وبدأ ذلك ببث مشاهد الهجمات في 7 أكتوبر/تشرين الأول عبر كاميرات “غو برو” و”فيسبوك لايف”، وصولا إلى صور الأسرى ومقاطع الفيديو التي كانت تصدر في لحظات حساسة من المفاوضات.

وتوضح أن كل حملة فلسطينية جاءت منسقة مع تحركات سياسية أو قضائية، فـ”كذبة الإبادة”، على حد تعبيرها، تزامنت مع التحركات أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.

كما ادعت أن حملة “التجويع” انسجمت مع سياسة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش القاضية بوقف إدخال المساعدات لغزة، بينما الحملة الحالية حول “قتل الصحفيين” تترافق مع الجهود الدبلوماسية لإعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة.

هزيمة إعلامية لإسرائيل

في المقابل، تسأل سيجان: أي حملة دعائية إسرائيلية أُطلقت لدعم التحركات العسكرية أو السياسية؟ وتجيب: لا شيء يُذكر.

وتشير الكاتبة إلى مثال حديث، حين نشر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للجنائية الدولية- مقطع فيديو لإسرائيلية، كانت فقدت زوجها وأحد أبنائها في هجوم 7 أكتوبر.

وقد أُرفق التسجيل بصور مأخوذة من كاميرات مقاتلي حماس. وتقول تعليقا على ذلك إن نشرها جاء متأخرا وعشوائيا، ولم يكن جزءا من خطة إعلامية مدروسة، بل مجرد ردة فعل على تحركات فلسطينية.

وترى أن مثل هذا الفيديو كان سيحقق انتشارا أوسع لو استُغل في سياق إحياء الذكرى الثانية لهجمات 7 أكتوبر، إذ في هذه الفترة تبحث وسائل الإعلام العالمية عن محتوى جديد وذي صلة. لكن إسرائيل تظل، وفق وصفها، “منفعلة لا فاعلة”.

وتلفت الكاتبة إلى أن الحملة الأخيرة بشأن “قتل الصحفيين في غزة” شاركت فيها 150 وسيلة إعلام، بينها مؤسسات كبرى مثل “إندبندنت” البريطانية و”إن بي آر” الأميركية بالإضافة إلى الجزيرة.

وفي هذا السياق، تردد الكاتبة مزاعم جيش الاحتلال بأن كثيرا من الصحفيين في غزة يعملون أساسا تحت سلطة حماس أو لصالحها.

وبدلا من أن تعترف بأن الرأي العام العالمي كشف حقيقة المجازر التي ترتكبها إسرائيل، رغم أنها منعت وسائل الإعلام من دخول غزة، فإنها تقول إن إسرائيل فشلت خلال عامين في إقناع الرأي العام العالمي بعدم وجود صحافة حرة هناك، على حد زعمها.

وتنتقد الكاتبة أيضا الحكومة الإسرائيلية، معتبرة أنها تعرف جيدا كيف تبني رواية إعلامية للاستهلاك المحلي وتستخدمها ضد خصومها السياسيين. لكنها في المقابل لا توظف أي جهد مماثل لبناء رواية موجّهة للرأي العام الدولي.

وتضيف أن الحكومة تنشغل بتسويق “بطولات” الجيش داخليا، على حد زعمها، وتحميل خصومها مسؤولية الإخفاقات، بينما لا تفعل الشيء نفسه على الساحة العالمية.

في ختام مقالها، تحذّر الكاتبة من أن سوء الإدارة الإعلامية للحكومة الإسرائيلية أسهم في تعزيز الجهود الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. ففي حين تعلن الحكومة معارضتها لهذه الخطوة، فإن سلوكها الإعلامي يساعد عمليا في تمريرها.

وتخلص سيجان إلى القول إن مرور 700 يوم من أطول حرب تخوضها إسرائيل يجب أن يكون مناسبة لاستخلاص العبر: إسرائيل لا تُهزم فقط في الميدان العسكري، بل في ميدان الوعي أيضا.

وترى أنه قد حان الوقت لأن “تستيقظ” إسرائيل وتحوّل جهدها الإعلامي من الداخل إلى الخارج، حتى لا تبقى خاسرة في “حرب التوعية الدولية”.

شاركها.
Exit mobile version