12/8/2025–|آخر تحديث: 19:16 (توقيت مكة)
قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن إسرائيل تسعى إلى إبادة السردية الفلسطينية، عبر قتل الصحفيين في قطاع غزة واستهدافهم، لافتة إلى أن الاحتلال يشن حملتين في القطاع، إحداهما للسيطرة العسكرية عليه، والأخرى للسيطرة على الرواية التي يقدمها للعالم حول ما يحدث في غزة.
وبيّنت الكاتبة ومراسلة الصحيفة في الشرق الأوسط إيما غراهام – هاريسون، أن التغطية التي يقدمها الصحفيون الفلسطينيون في غزة بالغة الأهمية، في ظل منع الصحفيين الدوليين من التغطية المستقلة في القطاع، مشيرة إلى السماح لعدد قليل من الصحفيين بالدخول تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، الذين لا يسمح لهم بالتحرك بحرية أو التحدث إلى الفلسطينيين.
ولفتت هاريسون إلى أن الاغتيالات المباشرة التي ينفذها جيش الاحتلال بحق الصحفيين الفلسطينيين، وكان آخرهم مراسلو الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع و4 آخرون، هي جزء من حملة ترهيب للصحفيين من أجل إيقاف التغطية الصحفية.
وقالت إن إسرائيل تبرر جرائم قتل الصحفيين عبر التحريض وتشويه السمعة وبث ادعاءات كاذبة بأن المستهدفين كانوا “مقاتلين سريين” من حركة المقاومة الإسلامية حماس.
وفي يوليو/تموز الماضي، انتشرت صورة الشهيد الشريف، على مواقع التواصل الاجتماعي عندما انهار على الهواء أثناء تغطيته لعملية التجويع الإسرائيلي، قبل أن يحثه المارة من حوله إلى الاستمرار لأنه يعكس صوتهم في غزة.
وبعد ذلك بوقت قصير، تقول الكاتبة، أعاد متحدث عسكري إسرائيلي إحياء مزاعم -بثت لأول مرة في عام 2024- بأن أنس الشريف مسلح، واتهمه بتزوير المجاعة ضمن “حملة كاذبة لحماس”.
ادعاءات إسرائيل المتناقضة
وأوضحت هاريسون أن إسرائيل كانت قد نشرت ملفا من الوثائق التي تزعم أنها حصلت عليها من غزة وتربط الصحفي الشهيد أنس الشريف بحماس.
وتعلق الكاتبة “تنتهي هذه الوثائق في عام 2021، قبل عامين من بدء الحرب، ولا تحاول حتى التطرق إلى ظهوره المنتظم على الهواء مباشرة”، مضيفة أنه من الصعب للغاية الجمع بين دور أحد أبرز الصحفيين في أحد أكثر الأماكن خضوعا للمراقبة على وجه الأرض، وقيادة وحدة تابعة لحماس خلال حرب شاملة.
وادعت الوثائق التي نشرتها إسرائيل بعد اغتيال مراسل الجزيرة إسماعيل الغول، قبل نحو عام، أن الغول حصل على رتبة عسكرية عندما كان عمره 10 سنوات!
ورغم أن الأدلة التي قدمتها إسرائيل متناقضة وغير مقنعة، فإن وجود هذه الملفات بحسب هاريسون، يعكس مخاوف إسرائيل من ضغوط حلفائها الغربيين، جراء كشف الصحافة عن الجرائم الإسرائيلية المتواصلة في حرب الإبادة التي تشنها على القطاع.
مساع حثيثة لإخفاء ما يحدث بغزة
ونقلت الكاتبة عن جودي جينسبيرغ، المديرة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين “سي بي جيه” (CPJ) قولها “ليس لدي شك في أن منع الوصول الدولي، وقتل الصحفيين، واستهداف المرافق الإعلامية، ومعاقبة وسائل الإعلام الإسرائيلية مثل هآرتس، هي جزء من إستراتيجية متعمدة من جانب إسرائيل لإخفاء ما يحدث داخل غزة”.
تدمير إسرائيل للبنية الصحفية لم يكن أثرا جانبيا للدمار في غزة، وإنما كان محسوبا ومعقلنا يبتغي هدفا محددا وهو إبادة الرواية الفلسطينية من خلال إهلاك وإرهاب الجماعة المهنية الصحفية.
واستحضرت جينسبيرغ كيف منعت إسرائيل طاقم “بي بي سي” من تصوير الدمار الذي لحق بقطاع غزة، عندما كان على متن طائرة عسكرية أردنية تلقي مساعدات إنسانية على غزة، في مسعى إسرائيلي لمنع وصول صورة ما يجري في القطاع إلى العالم، والذي يطابق السردية الفلسطينية ويناقض في الوقت ذاته السردية الإسرائيلية.
وأضافت “كان لدينا مثال على طاقم إخباري دولي سُمح له بتصوير عمليات الإسقاط الجوي، لكن لم يُسمح له بتصوير الدمار الذي لحق بالمنطقة عندما فتحت الأبواب”.
إسرائيل يمكنها أن تفعل ما تشاء
ونوهت جينسبيرغ إلى أن إسرائيل لم تقدم أي تفسير لمقتل خمسة من زملاء الشريف، وهم مدنيون محميون قتلوا في مكان عملهم، محذرة من تصاعد جرائم القتل العمد للصحفيين. وقالت: “ما يذهلني هو أنهم لم يحاولوا حتى تبرير عمليات القتل الأخرى، إنهم يعترفون بقتل هؤلاء الصحفيين، مع علمهم أنهم صحفيون”.
وخلصت كاتبة المقال إلى أن هذا مقصود لإحداث تأثير مخيف وإظهار أن إسرائيل يمكنها أن تفعل ما تشاء، ولن يتخذ أحد أي إجراء.
وتساءلت في ختام مقالها “إذا وصلنا الآن إلى مرحلة يمكن فيها لإسرائيل أن تستهدف بوقاحة طاقما إخباريا بأكمله، فماذا يعني ذلك بالنسبة لسلامة أي من الصحفيين الآخرين الذين يعملون هناك؟ من التالي؟”.
وكان مركز الجزيرة للدراسات قد نشر دراسة قبل نحو عام كشفت عن إستراتيجية إبادة تنتهجها إسرائيل ضد الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
وخلصت الدراسة إلى أن تدمير البنية الصحفية لم يكن أثرا جانبيا للدمار في غزة، وإنما كان محسوبا ومعقلنا يبتغي هدفا محددا وهو إبادة الرواية الفلسطينية من خلال إهلاك وإرهاب الجماعة المهنية الصحفية، عبر استهداف الفئة العمرية الشابة من تلك الجماعة (بين 20 و40 عاما) والتدمير الممنهج للمؤسسات الصحفية وملاحقة الصحفيين داخل المستشفيات والخيام التي مارسوا من خلالها عملهم، وذلك لتحقيق الموت المهني للجماعة.