تابع قناة عكاظ على الواتساب

في الوقت الذي بدأت فيه الكثير من دول العالم التوجه نحو دعم قطاع الخدمات كأحد أهم القطاعات المؤثرة في اقتصادها الوطني، لم تغفل المملكة أهمية القطاع الصناعي ودوره في هيكلة الاقتصاد ومده بأهم روافده الحقيقية، وقد اختتم قبل أيام معرض «صنع في السعودية» والذي حظي بمشاركة واسعة من العديد من الجهات الحكومية والقطاع الخاص معاً، وأسفر عن توقيع العديد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي عقدت بين عدد من الجهات الحكومية والشركات المحلية والدولية.

مما لا شك فيه أن الاقتصادات القوية لا تعتمد على وفرة الموارد أو تميّزها فحسب، بل على القدرة على تحويل هذه الموارد إلى قيمةٍ مضافة تُسهم في زيادة الاستقرار وتقدم الدولة ورفاهية مواطنيها، ومن هنا تبرز أهمية المفهوم الذي يعتبر الصناعة هي العمود الفقري للاقتصاد الوطني، ومن المؤكد أن كل منتج يحمل عبارة «صُنع في السعودية» هو حصيلة منظومة متكاملة من التخطيط، والتعليم، والجودة، وشاهد على أن العمل لم يعد ارتجالًا، بل ممارسة واعية تستند إلى رؤية طويلة المدى.

وكلما اتسعت القاعدة الصناعية في دولة ما، ازدادت قدرتها على التحكم في مسارات نموها، ومما لا شك فيه أن الصناعة لها دور محوري في تنويع مصادر الدخل، فهي تحرر الاقتصاد الوطني من الارتهان لقطاع واحد، وتفتح آفاقًا أوسع للاستثمار والتشغيل، والصناعة لا تخلق فرص عمل مباشرة فحسب، بل تولّد حولها منظومة متكاملة من الخدمات، والتقنيات، والمعرفة، ما يعزز الحركة الاقتصادية ويعمّق أثرها في المجتمع.

من المؤكد أن التحوّل الأبرز في التجربة الصناعية السعودية يتمثل في قدرتها على الابتكار، والانتقال من تلبية الحاجة المحلية إلى منافسة المعايير العالمية، فلم يعد المنتج السعودي يطلب القبول في الأسواق، بل يدخلها بثقة تستمد قوتها من جودة التصنيع، ودقة التنظيم، ووضوح الهدف، ولهذا تعد جملة «صنع في السعودية» علامة ثقة، لا شعارًا دعائيًا، وبخلاف ذلك فإن الصناعة تسهم في بناء رأس المال البشري، إذ تفرض على الدول الاستثمار في التعليم والتدريب ونقل المعرفة، فالمصانع الحديثة لم تعد تعتمد على الآلات وحدها، بل أصبحت تعتمد على العقول القادرة على التطوير والابتكار، الأمر الذي يجعل الصناعة مدرسة عملية لتكوين الخبرات الوطنية، وواجهة حقيقية للتقدّم العلمي.

وبتقصي العديد من التجارب الاقتصادية للكثير من الدول يتضح لنا تماماً أن الصناعة هي العمود الفقري الذي يمكّن الدول من السيادة الكاملة على مواردها وحاضرها ومستقبلها، كما أنها صمام الأمام الذي يحميها من التفكك خلال الأزمات التي قد تعصف بها سواء كانت أزمات محلية أو إقليمية ودولية لا يد لها فيها، فالدول التي تهتم بتطوير قطاعها الصناعي نجدها دوماً أكثر قوة من تلك الدول الاستهلاكية التي تعتمد بشكل كامل على الاستهلاك من الخارج، ويعكس الاهتمام بالقطاع الصناعي رؤية حكيمة وطموحة بعيدة المدى لما يجب أن تكون عليه الدولة، فالصناعة هي أداة لتحقيق التنمية المتوازنة داخل البلد، كما أن لها نتائج اجتماعية بالغة الأهمية، فبخلاف إسهامها الواسع في تلبية الاحتياجات المحلية، فإنها تسهم في إضفاء الكثير من الثقة بين المواطن وبين منتجه المحلي، مما يزرع في نفوس المواطنين الاقتناع بأن ما يُصنع محليًا لا يقل جودة عمّا يتم استيراده.

لا شك لدينا في أن دعم الصناعة الوطني لا يقاس بعنصر واحد مثل حجم الإنتاج أو نوعه، بل يقاس بمدى قدرة القطاع الصناعي على الإسهام في بناء اقتصاد أكثر قوة، وهو ما يؤكد قدرة الدولة على تحقيق رؤيتها وأهدافها، فالصناعة هي الطريق الذي تنتقل من خلاله الدول من مربع الاستهلاك لمربع الإنتاج والابتكار، حيث تتكاتف جهود الدولة ومسؤوليها لصناعة ما يليق بها وبمكانتها الدولية ووزنها السياسي والاقتصادي، ومن المؤكد أن علامة «صُنع في السعودية» هي طريق معبد بسواعد الشباب السعودي القادر على البذل والعطاء.

شاركها.
Exit mobile version