ببساطته الآسرة ومواقفه الراسخة، ودّعت الأوروغواي خوسيه موخيكا، الرئيس الأسبق الذي لقّبته الصحافة العالمية بـ”أفقر رئيس في العالم”، بعدما قضى عقودا من حياته مقاوما لجشع السوق وثقافة الاستهلاك.

وتناولت حلقة برنامج “المرصد” بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2025 قصة حياة خوسيه موخيكا، الذي بدأ مشواره من الحقول والسجون، وبلغ سدة الحكم دون أن يتنازل عن بساطته ولا عن مبادئه، في تجربة ألهمت العالم وأثارت إعجاب الخصوم قبل الأنصار.

لم يكن موخيكا مجرد رئيس، بل أيقونة سياسية واجتماعية ترسّخت صورته في وجدان مواطنيه وملايين المتابعين عبر العالم، إذ عاش كما ناضل، في بيت ريفي متواضع وعلى متن سيارة فولكسفاغن قديمة، زاهدا في المظاهر ومترفا بالمبادئ.

وعن عمر ناهز الـ90، طوى الرجل صفحة حياة حافلة، بدأت في الحقول، ومرّت بخنادق السجون، وانتهت في قصر الرئاسة، دون أن يتغير قلبه أو يقايض أفكاره، فكان كما وصفه شعبه: زعيما صادقا لا يعرف الزيف، وشخصا استثنائيا عاش لأجل الآخرين.

في العاصمة مونتيفيديو، اصطفت طوابير المودعين أمام القصر التشريعي، حيث سُجّي جثمانه مغطى بعلم الأوروغواي ورايات دول أخرى، بينما انطلقت أغنية “آدون خوسيه”، النشيد الثقافي والشعبي الذي التصق باسمه منذ عقود، لتعبّر عن أمة كاملة تبكي حكيمها بشجن وفخر.

ومنذ بداياته كمزارع في أطراف العاصمة، إلى انخراطه في صفوف حركة “توباماروس” اليسارية، عايش موخيكا لحظات قاسية من القمع والسجن الانفرادي، قضاها بين السبعينيات والثمانينيات، قبل أن يُفرج عنه مع استعادة البلاد لنظامها الديمقراطي عام 1985.

عندما ترشح للرئاسة في 2010 وهو في الـ74، لم يكن الماضي الثوري مصدر قلق بقدر ما كان تحديا، فالرجل الذي اعتقل لأفكاره، عاد ليقود وطنه، ويحمل لواء المصالحة السياسية والتواضع الإداري في آن، خلال فترة رئاسية دامت 5 سنوات.

يوم تنصيبه كان حفلا متواضعا أقيم في الهواء الطلق، تجسيدا لنمط حياته، وبعيدا عن أي بروتوكولات متكلّفة، ليبدأ عهدته بمواقف جريئة في قضايا الإجهاض والمخدرات، مجسدا روحا تقدمية دفعت بالحوار إلى آفاق جديدة دون أن تسقط في فخ الشعارات.

صوت الضمير الجمعي

لم يكن “بيبي” رئيسا عاديا، بل صوتا للضمير الجمعي، إذ تبرع بـ90% من راتبه للفقراء، ورفض السكن في القصر، مفضلا بيته البسيط الذي تحوّل إلى مقصد للزوار والمراسلين، يشاركونه أحاديث السياسة والتجارب والذكريات.

في إحدى خطبه، قدّم رؤية لافتة حين شبّه الأزمات الاقتصادية ببوابات يدخل منها الطغيان، مشيرا إلى أن انتخاب الألمان لهتلر كان بسبب التضخم المفرط، مستنتجا أن السياسات الفاشلة لا يجوز تكرارها، بل تتطلب شجاعة التجربة والتجديد.

كذلك لم يتوان عن نقد الحظر المطلق للمخدرات، معتبرا أن القمع الطويل لم ينجح، بل يجب البحث عن بدائل واقعية، مشددا على ضرورة الجمع بين الحزم والرحمة في معالجة الظواهر الاجتماعية المعقدة.

وشكلت زوجته لوسيا توبولانسكي جزءا لا يتجزأ من هذه المسيرة، فكانت الرفيقة والمقاتلة والمشرعة، تتقاسم معه الزهد والبساطة، دون أن تفقد دورها السياسي أو وهج حضورها في الحياة العامة.

ورغم المرض الذي أصابه، احتفظ خوسيه أواخر حياته، بروحه الساخرة وموقفه الهادئ، وقال مازحا إن الأطباء اكتشفوا ورما خبيثا لكنه لا يريد الحديث عنه لأنه ببساطة لا يفهم في الطب، قبل أن يرحل تاركا ذكرى إنسانية لا تنسى.

تاريخ كرة القدم

كما تناولت الحلقة، بمناسبة قرب انطلاق كأس العالم للأندية في الولايات المتحدة، واحدة من أكثر الألعاب الشعبية إثارة وتأثيرا، حيث سلطت الضوء على كرة القدم وتاريخها الممتد منذ آلاف السنين حتى عصرها الذهبي الحديث.

وتعود بدايات اللعبة إلى الصين القديمة باسم “تسوجو”، قبل أن تنتقل إلى اليابان تحت اسم “كيماري”، ثم تتبلور في بريطانيا خلال القرن الـ12، لتبلغ شكلها الحالي مع تأسيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم عام 1863.

وشكّل تأسيس الاتحاد الدولي “فيفا” عام 1904 نقطة تحول مفصلية، حين بدأت اللعبة تخطو نحو العالمية، وامتدت إلى قارات الأرض كافة، حيث تطورت قواعدها وتقنياتها ومعداتها، من الشباك إلى البطاقات، ومن أحذية اللاعبين إلى تقنية حكم الفيديو.

وتوقفت الحلقة عند الدور الرمزي للجماهير، التي وصفها الكاتب إدواردو غاليانو بـ”اللاعب رقم 12″، لدورها في دفع اللاعبين وإشعال شرارة الإبداع، مؤكدة أن الشغف الكروي يتجاوز حدود الرياضة ليصبح لغة عالمية ومشترَكا إنسانيا جامعا.

وفي استحضار لنجاحات سابقة، تذكرت الحلقة النسخة الاستثنائية من كأس العالم التي نظمتها قطر عام 2022، والتي اعتُبرت الأعظم بتاريخ البطولة، مما يعكس مدى تطور البنية الرياضية ودور كرة القدم في ترسيخ قيم اللقاء والتعايش بين الشعوب.

شاركها.
Exit mobile version