Published On 7/9/2025
|
آخر تحديث: 15:50 (توقيت مكة)
يرى الباحث والخبير الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، أن الضفة الغربية المحتلة تسير نحو تعزيز احتلالها (أو ضمها حسب تعبيرهم) تدريجيا بحكم الأمر الواقع من دون أي إعلان رسمي.
ويؤكد أن هذا التطور يجري بفعل خطط سياسية تقودها الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إضافة إلى ضعف السلطة الفلسطينية وتآكل قدرتها على الحكم، فضلا عن تصاعد مستويات العداء والاحتكاك بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة.
“ضمّ” صامت
يستعيد ميلشتاين -في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت- محادثة أجراها قبل سنوات مع مسؤول فلسطيني رفيع المستوى، وربما خلال خدمته ضابطا رفيعا في الاستخبارات الإسرائيلية، توقع خلالها المسؤول الفلسطيني أن تتحول إسرائيل والضفة الغربية إلى كيان واحد بحكم الواقع، رغم أن أغلبية الإسرائيليين يرغبون في الحفاظ على طابع دولتهم اليهودي.
وأوضح المسؤول أن السلطة الفلسطينية تضعف تدريجيا وربما تختفي من دون انهيار مدوٍ، الأمر الذي سيقود إلى اندماج الضفة داخل إسرائيل من دون منح الفلسطينيين حقوق مواطنة.
ويحذر ميلشتاين من أن هذا السيناريو إن حصل فسيؤدي إلى تعاظم الضغوط الدولية والداخلية لإجبار إسرائيل على الاعتراف بتلك الحقوق، بحيث تفرض المعادلة الديمغرافية والديمقراطية نتائجها على إسرائيل، ويشير إلى أن سموتريتش يعمل منذ سنوات على الدفع بخطة تهدف إلى “تغيير الحمض النووي للضفة الغربية” والوصول إلى نقطة اللاعودة التي تمنع أي إمكانية للفصل بين الشعبين.
وفي الأسبوع الماضي، كُشف عن خطة تنفيذية مفصلة تتناغم مع رؤية سموتريتش التي أعلنها عام 2017، وتقوم على “ضم” (احتلال) 82% من أراضي الضفة بما في ذلك بيت لحم وقلقيلية، وترك جيوب فلسطينية معزولة تشبه “البانتوستونات” التي أنشأها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
تداعيات دولية وتهديد داخلي
ويحذّر المقال من أن تعزيز احتلال الضفة ستكون له تداعيات زلزالية على مكانة إسرائيل الدولية، إذ يُنتظر أن يزيد من عزلة تل أبيب ويضاعف من حجم الضغوط الخارجية، لا سيما في ظل إمكانية فرض عقوبات اقتصادية قد تطال كل مواطن.
كما أن تعزيز احتلال الضفة سيؤدي إلى توتر متصاعد مع العالم العربي: فمصر تخشى ما تعتبرها “مؤامرة” تهدف إلى دفع سكان غزة نحو سيناء، في حين أوضحت دولة الإمارات أن “الضم” يهدد “اتفاقيات أبراهام” التي تشكل إنجازا إستراتيجيا للحكومة الإسرائيلية، أما الأردن، فهو يتوجس من احتمال “ضم” غور الأردن، مما قد يضرب أسس العلاقة بين عمَّان وتل أبيب.
وفي الداخل، يرى ميلشتاين أن تعزيز احتلال الضفة سيزيد من هشاشة الوضع الإسرائيلي في لحظة تشهد فيها البلاد انقساما داخليا عميقا وحربا تخلو من الإجماع الوطني، ويضيف أن مثل هذه الخطوة ستفرض على إسرائيل مسؤولية إدارة ملايين الفلسطينيين الذين سيخضعون لسيطرتها، وستؤدي إلى تصاعد المخاطر الأمنية، فضلا عن تفاقم الاعتداءات العنيفة التي ينفذها مستوطنون متطرفون، وهي ظاهرة قائمة بالفعل.
ويذهب المقال إلى أن نقاش تعزيز احتلال الضفة يسلط الضوء على ضبابية الفوارق بين حزب الليكود والتيار الديني القومي، فكلاهما يعتبر السلطة الفلسطينية عدوا مباشرا، ورغم أن حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش قد لا ينجح وفق الاستطلاعات الأخيرة في تجاوز نسبة الحسم بالانتخابات، فإن رؤيته تُفرض على الدولة بأكملها، مما سيغيّر طابعها السياسي والاجتماعي لسنوات طويلة، من دون أي استفتاء شعبي أو نقاش وطني جدي.
الدور الأميركي
ويشير الباحث والخبير الإسرائيلي إلى أن غياب إستراتيجية عقلانية يدفع إلى تبني أفكار وهمية مثل إحياء خطة “الإمارات الفلسطينية” عبر شيوخ محليين في الخليل، أو دعم مليشيات عشائرية على شاكلة عصابة أبو شباب في غزة كخيار بديل للسلطة. إلا أن الغالبية الساحقة من الفلسطينيين تنظر إلى هؤلاء على أنهم متعاونون مع الاحتلال، مما يعني أن تلك الرهانات محكومة بالفشل.
ويرى ميلشتاين أن الولايات المتحدة، وتحديدا الرئيس دونالد ترامب، كانت الجهة الوحيدة التي نجحت عام 2020 في كبح جماح تعزيز احتلال الضفة مقابل اتفاقيات أبراهام، وهو نفسه الذي أجبر إسرائيل سابقا على توقيع وقف إطلاق النار في غزة مطلع العام الحالي، لكنه يشير إلى أنه حتى اللحظة لا توجد إشارات إلى ضغوط أميركية مماثلة لمنع تل أبيب من المضي قدما بخططها الحالية، سواء في غزة أو الضفة.
ويختم ميلشتاين بالتأكيد على أن الجمهور الإسرائيلي يجب أن يفرض نقاشا وطنيا معمقا حول مستقبل العلاقة مع الفلسطينيين بعيدا عن الشعارات الغامضة، ويذكّر بأن إحدى ركائز المفهوم الذي انهار في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان الاعتقاد بأن إسرائيل تستطيع الاستمرار في التطبيع مع العالم العربي من دون التطرق إلى القضية الفلسطينية، إلا أن هذه السياسة أثبتت فشلها، ومع ذلك لم يجر أي تحقيق جدي في إخفاقات الماضي ولم تُستخلص العبر، بل تستمر القيادة في تكرار الأخطاء ذاتها.
ويشدد كذلك على أن الانتخابات الإسرائيلية المقبلة يجب أن تضع هذا الملف في الصدارة، وأن تكون بمثابة فرصة للجمهور الإسرائيلي لإظهار استيعابه دروس الماضي، وفي مقدمتها ضرورة التشكيك في كل مسلّمة تفرضها القيادة من فوق.