في واقعة وُصفت بـ«المعجزة»، أعلنت السلطات الروسية في إقليم كراسنودار إنقاذ رجل يبلغ من العمر 92 عاما، بعد أن قضى ثلاثة أيام كاملة مفقودا في غابات كثيفة قرب مدينة أنابا الساحلية على البحر الأسود، دون طعام أو ماء، في قصة تُجسّد أروع صور الصمود والإرادة الإنسانية.
وبدأت القصة يوم 5 أكتوبر الجاري، عندما أبلغت أسرة الرجل عن اختفائه عقب خروجه في نزهة قصيرة لجمع الأعشاب البرية من الغابات المحيطة بمدينة أنابا، وهي عادة قديمة يمارسها كبار السن في الريف الروسي. لكن النزهة البسيطة تحولت سريعا إلى كابوس حقيقي، بعدما فقد الرجل طريق العودة وسط الغابة الكثيفة، محروما من وسائل الاتصال أو أدوات التوجيه.
وفور تلقي البلاغ، أطلقت السلطات المحلية حملة بحث ضخمة بمشاركة أكثر من 50 عنصرا من فرق الطوارئ والدفاع المدني، مدعومين بكلاب مدرّبة وطائرات هليكوبتر. وامتدت عمليات البحث على مساحة تتجاوز 20 كيلومترا مربعا من الغابات الوعرة التي تشتهر بتضاريسها الصعبة وكثافة أشجارها. ورغم الجهود المكثفة، ظلت فرق الإنقاذ لمدة يومين دون أي إشارة عن مكان الرجل، وسط تزايد المخاوف من تعرضه للجفاف أو الإرهاق القاتل نظرا لتقدمه في السن.
وفي صباح 8 أكتوبر، تمكن أحد فرق البحث من سماع أصوات ضعيفة قرب مجرى نهر صغير، ليعثروا على الرجل جالسا تحت شجرة، وقد لف جسده بذراعيه ليحمي نفسه من البرد. وقال أحد رجال الإنقاذ لوسائل إعلام روسية:
«كان هادئا ومتماسكا، وكأنه ينتظرنا. لم يصرخ أو ينهار، بل نظر إلينا بابتسامة خفيفة».
معجزة طبية في مستشفى أنابا
نُقل الرجل فورا إلى مستشفى أنابا العام، حيث أكّد الأطباء أنه يعاني من جفاف شديد وإرهاق حاد، لكنه لا يحتاج إلى تدخل جراحي. ووصف الطبيب المعالج، الدكتور إيفان بتروف، حالته بأنها «غير معتادة إطلاقا»، موضحا أن أغلب الأشخاص في مثل هذا العمر لا يمكنهم الصمود أكثر من يومين دون ماء.
وتُعدّ أنابا جزءا من جنوب إقليم كراسنودار، وهي منطقة سياحية معروفة تُلقّب بـ«ريفييرا الروسية» بفضل شواطئها الرملية الذهبية ومنتجعاتها المطلة على البحر الأسود. لكن خلف هذا الجمال الطبيعي، تمتد غابات كثيفة من أشجار البلوط والصنوبر، تشكّل بيئة خطرة لأي شخص يضل طريقه داخلها. وخلال السنوات الأخيرة، رصدت السلطات الروسية ارتفاعا في حوادث التيه بسبب زيادة حركة السياحة والتغيرات المناخية التي تسببت في انتشار الضباب والأمطار المفاجئة.
قصة الرجل التسعيني لا تُعد مجرد حادثة إنقاذ، بل درس في قوة الإرادة البشرية، وتجسيدٌ لجهود فرق الإنقاذ الروسية التي وُصفت عمليتها بـ«المعجزة الطبيعية». ففي زمن التكنولوجيا والاتصال، تُعيد هذه الواقعة التذكير بأن غريزة البقاء لدى الإنسان لا عمر لها، وأن الأمل قد يولد حتى في أحلك الغابات.
أخبار ذات صلة