ابتهجنا من مشاهدة المفرقعات، وتنادينا كي نجلس لانتظارها، حتى تطوع فلاح محلي يقود آلة حرث بدائية -معلق عليها شعار مرسيدس منزوع من سيارته الأصلية- بإخبارنا وهو يضحك أن هذه ليست مفرقعات أو ألعاباً نارية بل هي قنابل الحرب على «كييف».
منذ ذلك اليوم وأنا أفكر في نهاية الحضارة ولأي حد هي وشيكة، لدرجة أننا قد نرى القنابل العنقودية ونظنها ألعاباً نارية؟!
في قصة بابل -التي قد تتكرر في المستقبل كما حدثت في الماضي- طورت البشرية لغة واحدة في مدينة واحدة هي بابل، حتى صنعوا برجا يرتقون به للسماء فعاقبتهم الآلهة بأن بلبلت ألسنتهم فتفرقوا في الأرض بلغات شتى واندثر برجهم بعد أن استحال التفاهم بين البناءين بسبب اختلاف لغاتهم.
إننا نعيش اليوم في عصر أصبحت فيه اللغات تُترجم تلقائياً إلى لغة رقمية مشتركة، ويؤدي الاتصال الفوري إلى تحويل العالم إلى مدينة واحدة، والجميع يبنون برجاً خوارزمياً استهلاكياً واحداً. وكما نعلم أن النمو اللا نهائي على كوكب محدود الموارد أمر مستحيل، لكن كيف ومتى ستنهار الخوارزمية الرأسمالية مثلما انهار برج بابل، لا أحد يعرف!
والذكاء الاصطناعي سيترجم نفسه بكل لسان حتى يتبلبل ويغتال اللغة؟.
هل رأيتم فأراً يصنع مصيدة فئران؟ بالطبع لا، لكننا عاصرنا الإنسان وهو يصنع القنبلة النووية، ويعلم الآخرين في دورات مدفوعة التكاليف كيف يبنون أبراجهم العاجية ويعبدون ذواتهم.