أثارت دار سوثبي للمزادات، جدلاً واسعاً بعد إعلانها عن بيع مجموعة نادرة من الأحجار الكريمة الهندية القديمة، المرتبطة ببقايا بوذا، بقيمة 12.9 مليون دولار في مزاد يُعقد، اليوم (الأربعاء) في هونج كونج.
القرار أثار استياء الأكاديميين البوذيين وقادة الرهبان، الذين تساءلوا: هل يجوز تحويل آثار بوذا إلى سلعة تُباع في سوق الأعمال الفنية؟
وبحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية، تعود هذه الأحجار المعروفة باسم «جواهر بيبراهوا»، إلى عصر إمبراطورية موريا (240-200 ق.م)، وتُعد من أبرز الاكتشافات الأثرية في العصر الحديث، نظراً لأهميتها الدينية والتاريخية.
واكتُشفت عام 1898 على يد المهندس البريطاني ويليام كاكستون بيبي في تلة بمنطقة بيبراهوا بولاية أوتار براديش الهندية، ضمن نصب جنائزي (ستوبا) يحتوي على بقايا بوذا المحروقة، الذي تُوفي نحو 480 ق.م.
وتضم المجموعة أحجاراً من الجمشت، المرجان، العقيق، اللؤلؤ، بلورات الصخور، الأصداف، والذهب، بعضها مصنوع على شكل زخارف وخرز، وبعضها في حالتها الطبيعية، وظلت هذه الكنوز بعيدة عن أعين الجمهور لقرن كامل، محتفظ بها في مجموعة بريطانية خاصة.
وبموجب قانون الكنوز الهندية لعام 1878، ادعى التاج البريطاني ملكية الاكتشاف، وتم توزيع «بقايا بوذا المحروقة» على دول جنوب آسيا، حيث تُبجل، بينما انتقلت معظم الأحجار (1800 قطعة) إلى متحف استعماري في كلكتا، وسُمح لبيبي بالاحتفاظ بحوالي خُمسها.
من جانبها، أصدرت الحكومة الهندية إخطارًا قانونيًا تطالب فيه بوقف مزاد بيع جواهر أثرية نادرة، مؤكدة أن هذه الجواهر تمثل الجسد المقدس لبوذا ويجب التعامل معها على هذا الأساس.
وقالت وزارة الثقافة الهندية إن المزاد، يعد انتهاكا للقوانين الهندية والدولية، بالإضافة إلى مخالفته لاتفاقيات الأمم المتحدة، كما طالبت الوزارة بإعادة هذه الجواهر فورا إلى الهند بهدف الحفاظ عليها والتبجيل الديني لها.
وقد وجه الإخطار القانوني إلى دار المزادات «سوثبي» في هونغ كونغ، وإلى كريس بيبي وهو أحد ورثة ويليام كلاكستون بيبي، وهو مالك بريطاني في الحقبة الاستعمارية كان قد اكتشف هذه الجواهر خلال تنقيب أجراه عام 1898 في شمال الهند، ويشارك ورثة بيبي حاليا في بيع هذه الآثار.
أخبار ذات صلة
وذكرت رسالة نشرتها وزارة الثقافة أن كريس بيبي، الذي يعمل مخرجا تلفزيونيا ومحرر أفلام في لوس أنجلوس، لا يمتلك الصلاحية القانونية لبيع هذه الجواهر.
وأشارت الرسالة إلى أن دار سوثبي للمزادات بمضيها قدما في المزاد، تسهم في استمرار الاستغلال الاستعماري، مؤكدة أن المزاد يجب أن يلغى فورا، لأن الجواهر تمثل تراثا دينيا وثقافيا لا يمكن التصرف فيه، ليس فقط للهند، بل أيضًا للمجتمع البوذي العالمي بأسره.
كما طالبت الوزارة الهندية، دار المزادات بنشر اعتذار رسمي للحكومة الهندية وللبوذيين حول العالم، داعية إلى الكشف الكامل عن جميع وثائق مصدر الجواهر وأي آثار أخرى قد تكون بحوزة ورثة بيبي أو قد نُقلت منهم إلى جهات أو أفراد آخرين.
وحذرت الرسالة من أنه في حال عدم الاستجابة لهذه المطالب، فإن الحكومة الهندية ستلجأ إلى اتخاذ إجراءات قانونية أمام المحاكم في كل من الهند وهونغ كونغ، إلى جانب اللجوء إلى الهيئات الدولية المختصة بانتهاكات قوانين التراث الثقافي.
ويؤكد مؤرخون أن هذه الأحجار تمثل تراثاً روحياً لعشيرة ساكيا والبوذيين عالمياً، وكان يُفترض أن تظل محفوظة داخل الضريح الجنائزي.
وترى آشلي طومسون، أستاذة في جامعة لندن، أن فصل الأحجار عن البقايا البشرية وبيعها يعكس «عنفاً استعمارياً» بحق التراث البوذي.
من جهته، دافع كريس بيبي، حفيد ويليام، عن قرار البيع، مشيراً إلى أن عائلته فكرت في التبرع بالأحجار، لكنها رأت أن المزاد العلني هو الطريقة الأكثر عدلاً وشفافية لنقلها إلى البوذيين.
في المقابل، يتساءل المؤرخ نامان أهوجا عن الأخلاقيات القانونية والأخلاقية وراء بيع هذه الآثار، معتبراً أنها ليست سلعة فنية.