لا أحد يطوّق الإسرائيليين في المحافل الدولية مثل المملكة العربية السعودية، ولا أحد قادر على حشر تل أبيب في الزاوية السياسية مثل الرياض، ففي كل مرة تعلن السياسة السعودية أن القضية الفلسطينية لن تخرج عن سكة حل الدولتين، وهي استراتيجية سعودية مبنية على التوافق العربي والإسلامي من أجل القبول بالحل السياسي للقضية الفلسطينية، وهذا الإصرار والثبات في السياسة السعودية أكثر ما يعرقل مساعي قادة تل أبيب كلهم.

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة نجحت السعودية، سواء على مستوى مجلس التعاون الخليجي أو على مستوى المجتمع الدولي أو على المستوى العربي، في إعادة إحياء حل الدولتين على أن لا تخرج إسرائيل -تحديداً بنيامين نتنياهو- عن هذا المسار، ولا تزال الدبلوماسية السعودية تتحرك وفق هذا الإطار.

إفشال خطة نتنياهو

كل مساعي نتنياهو منذ الـ7 من أكتوبر عام 2023 كانت تصب في سلة القضاء على حل الدولتين وعلى تهجير الفلسطينيين، وعلى الرغم من الدعم المفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية لتوجهات نتنياهو، إلا أنه فشل بشكل كامل في فرض إرادته السياسية على المجتمع الدولي وعلى الفلسطينيين؛ لأن خطة نتنياهو تعني إنهاء القضية الفلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية وتصدير الأزمة إلى دول الجوار، وفي كل مرة توجه السعودية ضربة سياسية إلى نتنياهو، وآخر الضربات السياسية كانت الأسبوع الماضي باعتماد الأمم المتحدة -بتحرك سعودي فرنسي- طرح حل الدولتين في الأمم المتحدة على أساس الشرعية الدولية وسيادة القانون الدولي، وهي خطوة من شأنها أن تحاصر إسرائيل في أروقة الأمم المتحدة.

مساعي حل الدولتين، خطوة سعودية فرنسية بدأت في يونيو الماضي حتى لا تنفرد إسرائيل بفرض هيمنتها السياسية على أساس الواقع العسكري، ولعل تجديد الدعوة الفرنسية السعودية مرة أخرى في أروقة الأمم المتحدة خطوة لهدم سياسة نتنياهو الرامية إلى تصفير وتشييع القضية الفلسطينية.

طوال الفترة الماضية، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طمس القضية الفلسطينية وبالغ في القتل والإجرام من أجل تحويل القضية الفلسطينية من قضية عادلة سياسية لشعب مضطهد إلى قضية استعطاف لوقف القتل والجريمة، وعلى الرغم من كل المجازر الإسرائيلية إلا أن السعودية حافظت على البعد السياسي للقضية الفلسطينية، ورفضت كل المساومات عليها، وطوت ملف التطبيع بشكل واضح ما لم ترضخ إسرائيل إلى القوانين الدولية وإلى حل الدولتين.

دبلوماسية السلام

إن أهم ما يميز الموقف السياسي السعودي الذي كرسه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، هو البقاء في الساحات والمحافل الدولية على سردية واحدة هي سردية الحق الفلسطيني المستند إلى قرارات مجلس الأمن وسردية السلام في الشرق الأوسط، الذي لن يتحقق إلا بحل الدولتين، الأكثر من ذلك القضاء على كل أحلام نتنياهو بتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتحويل هذا الوهم الإسرائيلي إلى طرح خارج المنطق السياسي والمعقول على المستوى الدولي، وهذا منح السعودية المصداقية العالية عربياً وإسلاميا ودولياً، وهو ما دفع فرنسا أن تكون الشريك السياسي الحقيقي لأي مبادرة سياسية تصب في حل الدولتين، وربما في الفترة القادمة سيتم توسيع هذا التحالف لتطويق كل الأكاذيب الإسرائيلية في المحافل الدولية.

لم تتغير المعادلة السياسية في فلسطين منذ عام 1967 حين احتلت إسرائيل الضفة الغربية وأقرت الأمم المتحدة قرارات حل الدولتين، وعلى الرغم من كل المساعي الإسرائيلية لفرض واقع سياسي جديد على المنطقة وإجبار العالم العربي والفلسطينيين على القبول بالواقع العسكري، إلا أن إسرائيل تفشل في كل مرة بتجاوز الإرادة السياسية العربية المبنية على قرارات مجلس الأمن، قد يقال إن إسرائيل تفعل ما تريد في الأراضي الفلسطينية، وتقتل من تريد من الشعب الفلسطيني، لكن عقدة إسرائيل لا تزال تربط الانتصارات العسكرية بتغيير الواقع السياسي وهذا أكثر ما يزعج إسرائيل.

إن دعوة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان في مؤتمر حل الدولتين، مطلع الأسبوع الماضي، جميع الدول الحاضرة إلى الانضمام إلى الوثيقة الختامية لمؤتمر حل الدولتين، يشكل نكسة سياسية لإسرائيل، وإن الضغط الدبلوماسي السعودي من أجل تشكيل خارطة طريق مشتركة نحو تنفيذ حل الدولتين، ومواجهة محاولات تقويضه، ما هي إلا قاعدة سياسية سعودية من شأنها أن تفضي إلى فرض السلام في الشرق الأوسط، ولا تزال قائمة وفقاً للرؤية السعودية والعربية، وأي محاولة إسرائيلية للتملص من هذه الاستحقاقات سيكون نهايتها الفشل.

خط استراتيجي سعودي

من إندونيسيا إلى باريس، ظلت السعودية تحافظ على الخط الاستراتيجي السياسي للقضية الفلسطينية، القائمة على القرارات الدولية ومنع التهجير وإعادة الحقوق للشعب الفلسطيني مع تنفيذ حل الدولتين، لكن القلق الأكبر أن تتأثر أمريكا بالرؤية الإسرائيلية، وهي رؤية قاتلة للسلام في الشرق الأوسط خصوصاً فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين، وهي استراتيجية وضعها نتنياهو منذ 2010، ويحاول إنهاء حياته السياسية بتطبيق هذه الاستراتيجية، لكن أمريكا لديها علاقات وطيدة جداً مع المملكة العربية السعودية، خصوصاً أن ولي العهد السعودي سيزور واشنطن في نوفمبر القادم، وبكل تأكيد ستكون القضية الفلسطينية حاضرة في النقاشات السعوديةـ الأمريكية. مرة أخرى على الولايات المتحدة الأمريكية أن تدرك أن الذهاب وراء أوهام نتنياهو يمكن أن يدمر السلام في الشرق الأوسط، وهذه لحظة مهمة في صناعة سلام قادر على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
Exit mobile version