في زحام الحديث عن التحول الرقمي؛ تتكرر عبارات مثل: «الذكاء الاصطناعي»، و«التقنيات المتقدمة»، وكأنها هي من تقود المستقبل، لكنها ليست إلا مخرجات لشيء أعمق (البيانات)، فهي (البيانات) ليست مجرد مدخلات تغذي «الخوارزميات»، إنما هي من يقرر ما إذا كانت «الخوارزميات» ستنتج معرفة أم ارتباكاً؟.
نحن لا نعيش ثورة تقنية، بل نعيش ما يمكن تسميته بـ«ثورة الاعتماد المطلق على البيانات»، فلم يعد بالإمكان تصميم سياسة عامة، أو إطلاق برنامج وطني أو بناء تصور اقتصادي دون بُنية بياناتية قوية متسقة وموثوقة. لكن ما يحدث في كثير من الحالات أن هذه البيانات تُعامل كأداة تشغيل لا كأصل إستراتيجي. فالبيانات التي تعاني من فجوات مفاهيمية أو تناقضات منهجية، أو غياب في الاتساق، لا تضعف نتائج النماذج فقط، بل تعيق اتخاذ القرار، وتربك تخصيص الموارد، وتؤدي في النهاية إلى سياسات تتكئ على رمال متحركة.
لذلك؛ لا يكفي أن نمتلك أدوات ذكاء اصطناعي أو منصات رقمية، ما لم نُخضِع البُنية البياناتية الوطنية لنهج مؤسسي صارم في الإنتاج والتحقق والحوكمة، وما لم يتم ذلك فإن أي «رؤية ذكية» ستظل أسيرة «بيانات مشوشة».
بعض الدول لم تُصب بالتخمة التقنية، لكنها سبقت غيرها لأنها وضعت البيانات في عمق سيادتها، وخصصت لها أطراً تشريعية، ومؤسسات مستقلة، وموازنات تُقارب ميزانيات الدفاع. فليست مبالغة: من لا يملك قراءته الخاصة للعالم من خلال بياناته، سيضطر لاحقًا إلى استيراد فهمه كما يستورد السلع.
لقد آن أوان الانتقال من الحديث عن البيانات كأداة، إلى إدراكها كركيزة للاستقلال المعرفي، والتفوق التنافسي. لا نحتاج فقط إلى جودة البيانات، بل إلى ثقافة وطنية تضعها في قلب كل قرار وكل سياسة وكل تحول. فالدولة التي تبني مستقبلها على بيانات متسقة، هي الدولة التي لا تُفاجَأ بل تُخطّط، وتُنافس، وتُقود.
ولقد بدأت المملكة بالفعل في اتخاذ خطوات نوعية، نحو ترسيخ البنية البياناتية، من خلال تعزيز الربط بين السجلات، وتطوير المسوح الإحصائية، وإطلاق مبادرات وطنية للذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
هذه الجهود، تعكس وعياً متقدماً بدور البيانات في دعم الحوكمة وتحفيز الاقتصاد. ومع ذلك، فإن حجم الطموح الوطني يتطلب أن تنتقل هذه المبادرات من كونها مشاريع تقنية، إلى أن تصبح جزءًا من رؤية سيادية للبيانات، توازي في أهميتها أمن الطاقة والاقتصاد.
السعودية والبيانات
خطوات نوعية نحو ترسيخ البنية البياناتية
البيانات المشوشة
تظل أسيرة أي تخطيط ذكي ما لم يتغير
التخمة التقنية
ليست تقدماً للدول لم تشعر بقيمة البيانات
الفجوات المفاهيمية التي تعاني منها البيانات تعيق اتخاذ القرار
«البيانات» بين الجودة وقوة الإنتاج:
أخبار ذات صلة