مع عام الحرف اليدوية 2025م، أستذكر بعض من التفاصيل التي أوردها الرحالة والمستشرقون عن المصنوعات اليدوية بالجزيرة العربية، تلك التي شاهدوها في منازل البادية، أو التي استخدموها خلال رحلاتهم، تفاصيل يمكن أن تكوّن مادة علمية لدراس، وهم يستعرضون أدق التفاصيل في توثيق حياة أهل الجزيرة العربية.
الحرف اليدوية، الصناعة التي كانت ركيزة أساسية في حياة العرب، مسكناً وملبساً ومطعماً وحماية، وقد تحدث بوركهارت في تفاصيل عديدة خلال تواجده في شمال المملكة العربية السعودية، وتوثيقه لتفاصيل بيت الشعر، صناعته من الغزل، وهذه المرحلة الأولية من جمع الغزل، والعملية الدقيقة التي تلي ذلك حتى تصنع خيوط النطي لتبدأ مرحلة السدو وفقاً لما هو معروف، وكان حديثه عن محتوى الصناعة لا تفاصيل البداية، إلا أن حديثه عن بيت الشعر وطريقة بنائه ومسميات أدواته توثق الحرف المستخدمة في إتمام البناء من عمود الواسط حتى وتد الطنب، ومن ثم يصف أنواع الفرش المصنوع يدوياً، وإن كان بعضها مستورداً.
تطرق بوركهارت إلى وصف أدوات ركوب الخيل والهجن، وعتادها من الأشدة والسروج، وهوادج النساء وأنواعها، وما يميّز هوادج زوجات وبنات الشيوخ عن الأخريات، من لون الجاعد وتزيين الهودج (القتب)، والأخير هو المخصص لبنات الشيوخ، ولا ينتهي وصفه عند ذلك، بل حتى صناعة العصا المستخدمة وأنواعها، وكيف يتم تزيين هذه الأدوات، التي تحدث عنها أيضاً بلجريف عندما حصل على شداد مطلي باللون الذهبي والقرمزي من إحدى البوادي مع مطايا اقتناها، وهي علاوة على صناعة الأشدة اليدوية، تعكس مدى الاهتمام بزينة الرحل لتجميله بالإضافة إلى أدوات الركوب الأخرى التي تصنع يدوياً مثل الخرج والسفائف والرسن…إلخ.
وصولاً إلى أدوات الري، وجلب المياه من الآبار، وسقيا الإبل والأغنام، وكيف تصنع هذه المواد من جلود الإبل والأغنام.
كذلك، فصّل في المصنوعات اليدوية المخصصة لحفظ الماء، واللبن ومشتاقته التي تصنع من جلد الأغنام، وفصّل في أنواعها واستخداماتها، كما فصّل في صناعة أدوات حفظ الطعام ونقله التي كانت تصنع من الصوف، فلم يترك في رحلته ومعايشته للبادية أمراً إلا ذكره، وبعض الأدوات يقوم برسمها بخط يده لتوضيح الأداة مع اسمها والغرض من استخدامها. لذلك، تطرق لذكر الرحى وهي أداة طحن الحبوب، وطريقة عملها وجميع عناصرها ومفرش جمع الحبوب تحت صخور الرحى ومسميّاته، والأدوات المصنوعة لحلب الإبل وتسمياتها، وأدوات القهوة والأحجار التي يتم وضع القدر عليها حول النار، وأدوات إطعام الخيول، وربطها وحمايتها بالأقفال، وهذه الأدوات منها ما تصنعه نساؤهم، ومنها ما يتم جلبه من مهرة في صناعة هذه الأدوات.
أخبار ذات صلة
ولأن الرحالة يركّزون بشكل كبير على التفاصيل اليومية ولا يجتنبون ذكر ما يمكن الحصول عليه، فقد فصل بوركهارت في لبس الرجال بشكلٍ دقيق، والبشوت يرتديها شيوخ العرب، وكيف يتم تزيينها وتطريزها بالذهب، وقد فصّل فيما يضعه الرجال على رؤوسهم من غطاء، وما يربط فوق هذا الرداء وهو حبل مصنوع من الوبر يسمى عقالاً، ونوع آخر يسمى الشطفي، إلا أن العقال تطور حتى أصبح ما هو عليه الآن، كذلك في ملابس النساء، وأنواعها وألوانها وصناعتها.
ولأن الصناعات اليدوية تعتبر عصب حياة فيما مضى، فقد شرح العديد من الرحالة أدوات الأسلحة المستخدمة آنذاك، وتبرز الرماح والحراب، وكيف يتم تزيينها، وحتى أن بعض هذه الأسلحة تجلب من خارج الجزيرة العربية إلا أنها صناعات حرفية توحي بوجود حرفيين أشبه ما يمكن أن يقال عنها اليوم مصانع أسلحة، وغيرها من الأسلحة مثل السيوف والقديمي، والقطعة التي يحملها غالباً من يسير على رجليه ويرمي بها من مسافة بعيدة، وأدوات الحماية المصنوعة يدوياً تلك التي يحمي بها الرجل جسده من الرماح وغيرها من الأسلحة.
الحرف اليدوية، لم تكن يوماً مجرد أداة تستخدم لحاجة أو غرض معيّن، بل كانت واحدة من التعاملات الاقتصادية التي تباع وتشرى بالمقايضة قبل النقود أو في حال انعدامها، ولعبت دوراً رئيساً في عصب حياة الإنسان بمختلف الأقطار، وقد أصبحت اليوم في ظل رعاية التراث الوطني وتطويره واحدة من المنتجات الثقافية الاقتصادية، وخلق منها الحرفي فرصة عمل ومصدر كسب، يجمع فيها بين المهارة والتجارة، وتسمية عام 2025 عاماً للحرف اليدوية، دليل على أهميتها بصفتها عنصراً ثقافيّاً وطنيّاً، ودعماً لتطويرها وتسويقها.