الدخول إلى سراديب الرواية أثناء الكتابة هي حالة لا يمكن الحديث عنها كتفاصيل؛ سواء أكانت مشاهد أو كلمات، ربما الثابت في مخيلة الروائي هو الأفكار من حيث البناء والنقض، فالشخصيات الروائية المتعددة تمكّن الروائي من خلط الافكار، وانحياز كل شخصية لأفكارها بحيث لا يكون العمل مؤدلجاً، فالأفكار المؤدلجة تكون صلدة ولا تقبل ما ينقضها، وفي هذه الحالة يتم إيجاد الحجج من قبل شخصيات مقابلة لتعرية ما لم لا يسقط بالحوار.
والذي يدخلك في سجال مع ذاتك ومع القارئ، ما يحدث بعد النشر، فأنت ككاتب تقف على مشاهد كُتبت بصورة مذهلة تدهشك، حتى يمكن أن تقول: كيف استطعت كتابة هذا المشهد، وفي نفس الوقت يقف القارئ على نفس المشهد مسفهاً تلك المشهدية، وعلى الطرفين يجد الكاتب مساندين لرأيه، وكذلك القارئ يجد مساندين لرأيه.
كنت قد وضعت تغريدة من رواية أنفس، هذا نصها:
….. وعندما تضع كائناً في جوفك يكون هو كمال نقصك، ويصبح النداء عليه كلما ابتعد هو الشعور بفراغ روحك منه.
واضعاً هذا السؤال:
«فهل ثنوى رابط كل هذه النفوس المتقافزة في الصدر وكأنها حبات فشار لا تستقر إلا بعد أن تفسق».
وبين السؤال والمحتوى، تنافرت المداخلات بحيث لم يستقر أي من المتداخلين على طرفي معادلة القارئ والكاتب.
فوجدت أن المنطقة الوسطى هي التي استقطبت الأعداد الكبيرة.
وهذا يجعل الأمر مختلطاً بين ثقة الكاتب وتعالي القارئ في عدم الانسياق لما استشعر به الكاتب أثناء الكتابة وبعدها؛ بمعنى آخر أن ما حدث هو نقض الاتفاق، فبين الكاتب والقارئ اتفاق ضمني، بأن الكاتب هو المسير للعمل، وعندما يتدخل القارئ في النقض يكون موقفه إخلالاً ببنود العقد.
وهذا يعلل موقف القارئ من أي عمل روائي مهما كانت روعته، وهذا النقض نلحظه جميعاً، من خلال انفلات كلمة (لكن)، فمهما كان الروائي مجوداً لعمله، إلا أننا نجد المدح مقترناً بالاستدراك، فيقال لك: العمل جميل لكن…
و(لكن) هذه هي التي تقف في حنجرة كل منا!
وهو دليل على عدم الاستسلام لأي جمال، وتأكيد على أن تلك النفس لا تريد أن تمنحك ذاتها لمجرد أنك أبدعت ما يفوق مقدرتها الذاتية.