احتفالاً بيوم تقدير الفنون الجميلة الذي يصادف 25 أكتوبر، ويتزامن أيضاً مع ذكرى عيد ميلاد بابلو بيكاسو، يدعو متحف اللوفر أبوظبي الزوار للتأمل في الإرث الفني الخالد للفنان من خلال عملين أصليين معروضين حالياً في قاعات المتحف الدائمة، وتعكس هاتان التحفتان التحولات الدراماتيكية في مسار بيكاسو الفني وسعيه الدائم لإعادة تصوّر الشكل والأسلوب.
وفي لوحة امرأة مع آلة المندولين (الآنسة ليوني جالسة) (1911)، يدفع بيكاسو بحدود المدرسة التكعيبية التحليلية إلى أقصاها. وأبدع بيكاسو تلك اللوحة في ذروة تعاونه مع جورج براك، إذ فكك بيكاسو الشكل والآلة الموسيقية إلى مستويات متداخلة من اللونين البيج والأصفر البني (الأوكر)، حيث نرى في اللوحة المرأة الجالسة وآلة الماندولين تكادان لا تظهران وسط شبكة من الخطوط والوجوه الهندسية، في تعبير عن طموح بيكاسو لتحويل الشكل المنحوت إلى منظور بعدين اثنين، واستلهم هذا التجريد جزئياً من الفن الإفريقي، وهو ما شكل قطيعة حاسمة مع فن البورتريه الأكاديمي، وأعلن عن رؤية جديدة وجذرية للعالم.
وبعد أكثر من عقد من الزمن، تبنّى بيكاسو لغة بصرية مختلفة تماماً، وفي صورة لامرأة جالسة (أولغا) (1923)، عاد بيكاسو إلى الواقعية واعتنق أسلوباً كلاسيكياً جديداً تأثر فيه برحلاته إلى إيطاليا، إذ تركت المنحوتات القديمة والفسيفساء الرومانية أثراً عميقاً في أعماله، وتظهر تلك اللوحة المرأة الجالسة، زوجته الراقصة الأوكرانية أولغا خوخولوفا، في وضع هادئ تغمره مسحة من الحزن، تستحضر من خلالها تماثيل الإغريق والرومان. وهذا العمل مرسوم بدرجات من اللون البني الدافئ وبلمسات فرشاة ناعمة تستحضر التصوير الفوتوغرافي المبكر، وهو ما يجعله على النقيض تماماً من الهندسة المتكسرة في لوحة المرأة مع آلة المندولين (الآنسة ليوني جالسة).
فمن خلال عرض هذين العملين في متحف اللوفر أبوظبي، تتضح سعة الرؤية الفنية لبيكاسو، بداية من الصرامة الفكرية وانتقالاً إلى التكعيبية، ومن ثم الانتقال إلى الأناقة الخالدة للكلاسيكية الجديدة، فهما يجسدان الانقطاعات والتجديدات التي ميّزت مسيرته، والطريقة التي أعاد بها باستمرار تخيّل الشكل الإنساني وغرض الفن ذاته.
يشار إلى أن اللوفر أبوظبي يعدّ واحداً من المؤسسات القليلة في المنطقة التي تعرض أعمالاً أصلية لبيكاسو، إذ يتيح للزوار فرصة نادرة لتجربة هذه اللحظات المحورية في المسيرة الفنية للفنان من قرب.
وفي يوم تقدير الفنون الجميلة، تتيح هذه الأعمال لبيكاسو، إضافة إلى المجموعة الفنية واسعة النطاق في المتحف، للزوار فرصة فريدة للتأمل في اللغة العالمية للفن في متحف اللوفر أبوظبي.
معرض
سيقدّم متحف اللوفر أبوظبي معرض «بيكاسو: تصوّر الشكل» (من 21 يناير إلى 31 مايو 2026)، بالتعاون مع متحف بيكاسو الوطني في باريس، ومؤسسة متاحف فرنسا، ومن المقرر أن يتناول المعرض مقاربة بيكاسو الثورية لتصوّر الجسد الإنساني، متتبعاً تفاعله مع الموضوعات الأسطورية، والكلاسيكية، والسريالية على امتداد مسيرته الفنية.