كل التطورات والتبدلات التي مرت بها البشرية عبر تاريخها لم تحدث مرة واحدة، بل عبر مراحل متدرجة، وموجات يمكنها أن تكون من الضخامة والتأثير بحيث تشكل مفصلاً تاريخياً يرتبط بحقبة أو بزمن أو رموز معينة، إذن فكل مرحلة تغييرية تقود إلى ما يليها، وما يليها يعني أن العالم لم يعد كما كان، ويعني أننا أمام تغير واضح في الحياة أو الأفكار والقناعات أو الماديات، كأن نقول الموجة الأولى من الأفكار النسوية أو التحررية، أو الموجة الأخيرة من برمجيات ثورة الاتصال، أو الجيل الخامس من أجهزة الهواتف الذكية… وهكذا، وطبعاً لا شيء سيتوقف عند حد معين!

الإشكالية ليست في تطور وتغير الأحوال والأفكار، فهذا من القوانين الثابتة التي لا يمكن تعطيلها أو إيقاف حركتها، أنت تعرف أن لا شيء سيبقى على حاله وأن دوام الحال من المحال مهما كان السابق جميلاً وعظيماً وأصيلاً وبريئاً، فإن المطلوب غير ذلك، العالم يتغير كما نرى ونسمع ونتابع نحو كل ما غير أصيل وغير طبيعي وغير بريء، وفي كل شيء!

هناك عوامل مؤثرة فيما يحصل: تقنيات الذكاء الاصطناعي، مواقع التواصل، الموجة الأخيرة من الحريات الشخصية، الموجة الرابعة من النسوية المتطرفة، والتي يعبر عنها فيلم (باربي الأخير)، الدعوة المنحرفة لحرية تحويل الجنس، والقوانين الدولية المشجعة تدفع في هذا الاتجاه تحت ذريعة مواثيق وحقوق الإنسان العالمية، إضافة لمحاولات كسب ود الأقليات الثقافية والعرقية والأخلاقية ذات المطالب المريبة!

هل الفوضى الحاصلة حولنا هي من باب الحتمية التاريخية وحتمية التطور، أم لأنها تخدم مصالح وأجندات؟ أم أنها تخص عوالم بعينها بينما هناك ملايين من البشر لا تزال لقمة العيش هي همهم ومعاناتهم الأولى؟

وهل كل ما يحدث، ويتجه بنا قدماً إلى الأمام يعتبر أفضل (الأمام لا يعني الأفضل أبداً، ولكن يعني الانتقال الفيزيائي من نقطة لنقطة أخرى)، وبالمقابل هل كل ما يبقى على بساطته ومحافظته يعتبر رجعياً ومتخلفاً؟ إذا كان كذلك فكلنا رجعيون يا عزيزي!

شاركها.