في مجتمع دولة الإمارات، الذي يراهن على نجاحات المرأة، برز العديد من الأسماء المحلية الواعدة التي استطاعت خوض غمار مجالات رياضية فريدة، وتحقيق نجاحات مشرفة، ومن بين أبرز هذه النماذج، لمعت تجربة الإماراتية نورة السراح، المهندسة في مجال الذكاء الاصطناعي بهيئة كهرباء ومياه دبي، التي اختارت أن تسلك طريقاً مختلفاً وصولاً إلى عالم «الكروس فيت»، الرياضة التي تتطلب قوة بدنية عالية، وانضباطاً صارماً، وإرادة لا تعرف الانكسار، ولم تبدأ رحلة نورة من بوابة البطولات، بل من الصفوف الرياضية العادية التي مارستها بدافع الحفاظ على اللياقة، قبل أن تكتشف ذاتها في التصميم والتحدي، ويتحول شغفها بالرياضة إلى مشروع حياة متكامل، يجمع بين مهنتها التقنية وطموحها الرياضي، وحلمها الكبير بقدراتها وإصرارها على تحقيق المزيد من الانتصارات، ورفع علم بلادها في بطولة عالمية قريباً.

بعيداً عن الروتين

في لقائها مع «الإمارات اليوم»، توقفت نورة عند بداية رحلتها مع عالم الرياضة قبل نحو سبعة أعوام، قائلة: «كنت أحرص على المشاركة في الصفوف الرياضية العادية في النادي، لكنني مع مرور الوقت شعرت بنوع من الملل والروتين، فقررت اختبار رياضة مختلفة، فوجدت أن (الكروس فيت) لا تعتمد على التكرار، وتمثل تحدياً جديداً في كل يوم»، وأضافت «في عام 2018، التحقت بأول صف في رياضة (الكروس فيت)، الأمر الذي أتاح لي بعد عام فرصة المشاركة في أول تجربة بطولة نسائية، والحصول على المركز السابع حينها»، مؤكدة أن رياضة «الكروس فيت» قائمة على التحدي والمثابرة، وتمزج القوة البدنية والذهنية معاً، ولها شعبية متزايدة في العالم والإمارات.

مشاركات وتحدٍّ

مع انتشار جائحة «كورونا» في عام 2020، شاركت نورة في بطولة الشيخة هند للألعاب الرياضية للسيدات، الخاصة بالدوائر الحكومية في حكومة دبي، في فئة «الكروس فيت»، وذلك من خلال عملها في هيئة كهرباء ومياه دبي «ديوا»، واصفة هذه التجربة بالقول: «كان توقيت هذه البطولة في ظرف عالمي صعب، لكنها منحتني دفعة معنوية قوية للاستمرار، لتثبت لي من جهة أخرى أن التحدي الحقيقي يكمن في الاستمرارية، وليس في الفوز فحسب»، وأضافت: «أتاحت لي هذه المشاركة فرصة الانضمام في عام 2021 إلى فريق الشيخ فزاع، الأمر الذي أوصلني في عام 2023 إلى دائرة النجاح، واقتناص المركز الأول في ألعاب دبي (الألعاب الحكومية) ضمن فريق F3، كما حصلنا مع فريق هيئة كهرباء ومياه دبي العام الماضي على المركز الثاني».

كلمات ملهمة

في خضم حديثها عن تجربتها، توقف نورة السراح عند فترة استعدادها للانضمام إلى فريق الشيخ فزاع، قائلة: «خلال اختبارات الفريق، كنت خائفة من القفز من ارتفاع 10 أمتار، لكن سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وبكلمة محفزة واحدة، شجعني على المضي قدماً في التجربة، فقفزت، وكانت لحظة لا تنسى بالنسبة لي، تجاوزت فيها خوفي بنجاح»، وأضافت نورة السراح «لابد كذلك من التوقف عند أكثر الشخصيات التي ألهمتني في هذا المجال، وهي اللاعبة الإماراتية شهد بودبس، التي اعتادت تحقيق المراكز الأولى في البطولات، وكانت مثالاً يحتذى وقدوة حقيقية بالنسبة لي، وقد شاءت الأقدار أن أشارك معها لاحقاً في فريق الشيخ فزاع، وتحقيق المركز الأول في العام نفسه».

بيئة مشجعة

وعن عملها الحالي مهندسة كمبيوتر في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد تخرجها في كليات التقنية في دبي بدرجة البكالوريوس، وحصولها على منحة في تخصص الهندسة والتكنولوجيا، قالت نورة السراح: «سعيدة بما أجده من دعم وتشجيع لا ينتهيان لتجربتي الرياضية في بيئة عملي، فقد تم منحي تفرغاً رياضياً لمدة ستة أسابيع خلال فترة الألعاب الحكومية، الأمر الذي ساعدني على التركيز في التدريبات، والمشاركة دون ضغوط»، وفي وصف قدرتها على التوفيق بين مسؤولياتها المهنية ومتطلبات تجربتها الرياضية، قالت «أعمل ثماني ساعات يومياً، فيما أتوجه بعدها إلى النادي للتدريب، وهذا أمر يحتاج إلى انضباط وتنظيم ودقة، لكنه ليس بالأمر الصعب لمن يملك الرغبة والإصرار».

دعم دائم

وحول طبيعة الدعم المجتمعي والمصاعب التي واجهتها، أكدت نورة السراح أنه لم يكن من السهل تقبل فكرة ممارسة فتاة إماراتية لهذا النوع من الرياضة المعتمدة على هذا الكم من التحديات والتمارين عالية الكثافة، مثل رفع الأوزان أو القفز، قائلة: «سمعت تعليقات كثيرة، لكنني لم أهتم، وواصلت طريقي متسلحة بشغفي، وبتشجيع والدي، رحمه الله، الأمر الذي دفعني بعد وفاته إلى قرار مواصلة الطريق ورفع اسمه عالياً، وبالاعتماد على الانضباط والتدريب المتواصل الذي يستغرق ساعات من الجهد والتركيز، استطعت بناء تجربتي خطوة بخطوة، مستندة إلى دعم أسري ومؤسسي غير محدودين، منحاني القدرة على التوفيق بين العمل والطموح».

طموحات مستقبلية

في معرض حديثها عن الطموحات والآمال، أكدت نورة السراح أنه لم تُتَح لها بعد المشاركة في فعاليات وبطولات رياضية خارج الإمارات، قائلة: «أعمل حالياً على تطوير لياقتي البدنية استعداداً للمشاركة في (ماراثون زايد الخيري)، خصوصاً أن رياضة (الكروس فيت) فتحت أمامي مجالات جديدة في مجال الرياضة»، مؤكدة إيمانها بقدراتها، وإصرارها على تحقيق المزيد من الانتصارات، ورفع علم بلادها في بطولة عالمية قريباً.

نورة السراح:

• كنت خائفة قبل القفز من ارتفاع 10 أمتار، لكن كلمة محفزة واحدة من الشيخ حمدان بن محمد، شجعتني على التجربة، فقفزت، وكانت لحظة لا تنسى.

• أعمل 8 ساعات يومياً، وأتوجه بعدها إلى النادي للتدريب، وهذا أمر يحتاج إلى انضباط وتنظيم، لكنه ليس صعباً على من يملك الرغبة والإصرار.

شاركها.