أدى ازدهار التجارة الإلكترونية إلى انتشار مواقع غير خاضعة للرقابة، ما سهّل نشوء سوق عالمية للأدوية المخالفة للمواصفات القانونية، في آفة تُشكّل تهديداً للصحة العامة وتحدياً اقتصادياً كبيراً.

والأدوية المزيَّفة هي المنتجات الطبية التي تُزيّف عمداً أو بشكل احتيالي هويتها أو تركيبها أو مصدرها، وفق منظمة الصحة العالمية.

وقد تحتوي هذه الأدوية على المكونات الصحيحة ولكن بجرعة غير صحيحة، أو مكون فعال آخر، أو حتى لا تحتوي على أي مادة فعالة على الإطلاق. كما قد تحتوي على سواغات (مواد مضافة) غير صحيحة.

وقد تكون هذه الأدوية أدوية أصلية تُحوّل لإعادة بيعها بشكل غير قانوني، وغالباً من دون علم المرضى. وفي حالات أخرى، يُسعى عمداً لاستخدامها كأدوية منشّطة أو مؤثرة على العقل.

حتى لو كان أصلياً في الأساس، فإن أي دواء يُسحب من قناة التوزيع الرسمية، على سبيل المثال عند طلبه من موقع إلكتروني غير قانوني لصيدلية، يصبح بحكم الواقع منتجاً غير قانوني. ويؤكد اتحاد شركات الأدوية الفرنسية (ليم): «من هنا فصاعداً، يمكن الحديث عن دواء مزور ومُحوّل».

وينطبق الأمر نفسه على الأدوية منتهية الصلاحية التي تُعاد تعبئتها لإعادة بيعها أو التي تخرج من سلسلة التوزيع القانونية عبر وصفات طبية مزيفة.

وتُشير شركة الأدوية الفرنسية «سيرفييه» إلى أن السياق المجتمعي يُشجع على انتشار الأدوية المزورة، مثل «ظهور ثقافة التطبيب الذاتي والتشخيص الذاتي في البلدان التي أصبح فيها الوصول إلى الاستشارات الطبية معقداً أو مُقيّداً للغاية».

وتوضح «سيرفييه» أنه «بينما كان المرضى يترددون سابقاً في تناول الأدوية من دون استشارة طبية، ينجذب البعض الآن إلى فكرة شراء الأدوية دون وصفة طبية، خصوصاً عبر الإنترنت».

وتُشكل الأدوية المزيفة تهديداً كبيراً للصحة العامة في جميع أنحاء العالم، وفق منظمة الصحة العالمية. وقد تكون هذه الأدوية ضارة إذا كانت تحتوي على ملوثات أو مواد سامة. أحياناً يكون خطرها غير مباشر، كما الحال في مضادات الميكروبات، إذ تزيد من خطر مقاومة الأدوية. وفي أحسن الأحوال، تكون غير فعالة.

ويؤكد اتحاد «ليم» الفرنسي أن الأدوية المزورة «مشكلة صحية عامة رئيسية ذات مخاطر متفاوتة»، لكن «الناس لا يدركون ذلك».

وفي 2022 و2023، أثارت وفاة 300 طفل في غامبيا وأوزبكستان وإندونيسيا نتيجة تناولهم شراب سعال للأطفال مغشوشاً بمضاد تجمد يُصرف من دون وصفة طبية، رد فعل قوياً من منظمة الصحة العالمية.

وقالت رئيسة مجموعة مكافحة التزييف في الاتحاد الأوروبي للصناعات الدوائية، مريم بورحلة لودييي، إن «لا منطقة في العالم ولا مجال علاجياً بمنأى» عن تزوير الأدوية.

ويُعتبر هذا الاتجار الذي يُسهّله ازدهار التجارة الإلكترونية وانتشار المواقع غير الخاضعة للرقابة، أكثر ربحية بكثير من الاتجار بالمخدرات.

وأسفرت عملية «بانجيا 17» التي قادها الإنتربول ونُفذت بين ديسمبر ومايو الماضيين، عن ضبط 50,4 مليون جرعة من المنتجات الصيدلانية المخالفة للمواصفات القانونية بقيمة 56 مليون يورو.

وأفاد الإنتربول في يونيو بأن العملية التي نُفذت في 90 دولة أسفرت عن توقيف ما يقرب من 800 شخص، مشيراً إلى «تزايد الطلب» على أدوية السكري.

ووفقاً للخبراء، تظل العقوبات أقل شدة بشكل عام من تلك المرتبطة بالاتجار بالمخدرات.

ولسنوات عدة، كانت علاجات مثل الفياغرا، مستهدفة بشكل خاص من جانب الجهات الضالعة بعمليات الاتجار غير المشروع بالأدوية.

وتشير بورحلة لودييي إلى أن «مجرمي الأدوية» يتكيفون دائماً مع الطلب، مستهدفين منتجات عالية القيمة، تتراوح من علاجات السرطان إلى علاجات الأمراض المزمنة ومضادات القلق.

ومنذ عام 2023، انضمت الأدوية التي تعالج اضطرابات التمثيل الغذائي، مثل أدوية السكري والسمنة، إلى المجالات العلاجية الأكثر تأثراً بالتزوير، إلى جانب أدوية الجهاز البولي التناسلي والجهاز العصبي المركزي.

وفي صيف عام 2024، حذرت منظمة الصحة العالمية من دفعات مزيفة من الأدوية القائمة على مادة سيماغلوتيد، والمستخدمة لعلاج داء السكري من النوع الثاني والسمنة، بما في ذلك أوزمبيك وويغوفي.

 

 

شاركها.
Exit mobile version