تحت عنوان «ابن البادية»، احتفت مكتبة محمد بن راشد بإرث الشاعر الراحل علي بن سلطان بن بخيت العميمي، وذلك عبر تنظيم أمسية شعرية وحوارية، أول من أمس، في إطار استراتيجية المكتبة وجهودها لدعم القطاع الثقافي وتعزيز الواقع الأدبي، والحفاظ على الموروث الثقافي وتوثيقه ونقله للأجيال الجديدة.
الجلسة التي أدارها الإعلامي وليد المرزوقي، وشارك فيها الباحث في التراث الشعبي الدكتور راشد المزروعي، ورئيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات الدكتور سلطان العميمي (نجل الشاعر الراحل)، قدمت حواراً غنياً حول حياة الشاعر وأعماله، وتأثيره في المشهد الشعري الإماراتي.
وتناول المتحدثون سيرة الشاعر علي بن سلطان بن بخيت العميمي، وتأثير بيئته المحلية في شعره، وتحليل الرموز والتفاصيل التي استخدمها في تمثيل حياة البادية، إضافة إلى مناقشة أساليب وأغراض الشعر الشعبي، وأدواته البلاغية وتقنياته الشعرية.
تقدير الشعراء
وتطرق الدكتور سلطان العميمي إلى ذكرياته مع والده، والتأثير العميق الذي تركه في حياته الأدبية والشخصية، وتحدث لـ«الإمارات اليوم» عن الاحتفاء برحلة والده، وقال: «هذه الفعالية التي تحتفي بإرث والدي، تمثل تقديراً كبيراً له ولجيل من الشعراء الإماراتيين الذين قدموا الكثير للساحة الشعرية، وذلك على امتداد مرحلتين، ما قبل الاتحاد وما بعد الاتحاد». وأضاف: «لم يكن والدي، مجرد شاعر نبطي، بل كان راوياً يمتلك ذاكرة ثرية، سواء المرتبطة بالشعر النبطي لغيره من الشعراء، أو حتى المرتبطة بتاريخ دولة الإمارات والمأثورات الشعبية، وكان يُشكل لي مصدراً مهماً من مصادر المعرفة بلهجات الإمارات وتاريخها».
ولفت إلى أنه جمع قصائد والده في أكثر من ديوان، ودوّن قصائد أول ديوان تحت عنوان «ابن البادية»، ثم جمع قصائد الديوان الثاني وكان والده لايزال مستمراً في نظم الشعر، وارتأى بعدها العمل على تقديم مسيرته في ديوان تحت إشرافه، وقد راجعه قبل وفاته، وفرح بصدوره. ورأى أن تجربة إصدار الديوان، كانت تجربة مهمة في توثيق السيرة الغيرية لشاعر من شعراء النبط في الإمارات، ولتتبع الظروف المحيطة لكتابة والده للقصائد، مشيراً إلى أنه يعمل على إصدار جديد يرتبط بمروياته الشعرية والسردية وسيصدر في وقت قريب.
ووصف العميمي تجربة والده الشعرية، بأنها تمثل أنموذجاً للتحولات التي طرأت على القصيدة النبطية في دولة الإمارات، خلال ما يزيد على 70 سنة، فقد بدأ بنظم الشعر في وقت مبكر من حياته، وقصائده المبكرة تبرز اللغة المختلفة والمفردات والصور الشعرية المرتبطة بالبيئة والثقافة، ثم تتبدل القصيدة في فترة ما بعد الاتحاد وتتجه أكثر إلى تمثيل أوجه الحياة.
التجربة الكلاسيكية
وأضاف العميمي أنه تعلّم من قصائد والده معنى أن يكون الشعر وسيلة تعبير عن الذات، وأكد أنه تعرف إلى تجارب شعراء النبط القدامى من خلاله، موضحاً أن والده كان بمثابة بوابة على القصيدة النبطية القديمة، وأشكال القصيدة النبطية في أغراضها وأصول المساجلات الشعرية. وأشار إلى أنه في بداية حياته تأثر بتجربته الشعرية على نحو كبير، موضحاً أن والده يمثل التجربة الكلاسيكية في القصيدة النبطية، التي باتت هويتها مرتبطة بالماضي، وتحمل الجانب التجديدي في المفردة، ولكنه بعد كتابة النبطي اتجه إلى الفصيح وأشكال أدبية أخرى. وأثنى على المسابقات الشعرية في الإمارات التي تعزّز حضور القصيدة النبطية، مشيراً إلى توجه عدد كبير من الجيل الشاب في الإمارات إلى القصيدة النبطية.
الزمن الجميل
من جهته، سلط الدكتور راشد المزروعي الضوء على عملية جمع وتوثيق أعمال الشاعر الراحل، والتحديات التي واجهها، وكيف أسهم هذا العمل في الحفاظ على التراث الثقافي. وأشار في حديثه لـ«الإمارات اليوم»، إلى أن الشاعر ينتمي إلى الزمن الجميل، وهو شاعر بدوي، فمفرداته عربية، وقد عاصر شعراء الزمن الجميل في الماضي. ووصف المزروعي العميمي بأنه من الشعراء التقليديين المميزين، لاسيما أن قصائده أخذت الكثير من حياة البداوة، فقد تغنى بالإبل والصحراء وأشجار الغاف والصحراء والأمطار، فضلاً عن التراث المحلي.
واعتبر المزروعي أن ما ميز تجربة الشاعر العميمي، هو أنه حافظ على خطه الشعري منذ الشباب، كما حافظ على المستوى نفسه من المفردات حتى وفاته، موضحاً أن الشاعر ابن بيئته، وأن العميمي قدّم مفردات البداوة ولكنه أيضاً قدم قصائد حول التطورات التي شهدتها الإمارات، كما كانت له قصائد مديح لقادة وشيوخ الإمارات وما قدموه للدولة. وشدّد المزروعي على أن الشعر النبطي لايزال موجوداً في العصر الراهن، وأن 50% من شعراء العصر الحالي يعودون إلى مفردات الشعر النبطي والشعبي، مع الإشارة إلى وجود البرامج التي لعبت دوراً في الحفاظ على هذا النمط من الشعر.
وأشاد المزروعي بالجلسات التي تهتم بالشعراء الروّاد، معبراً عن أهمية تذكر شعراء الزمن الجميل الذين كان لهم الفضل في تعليم الأجيال نظم الشعر، للحفاظ على هذا الإرث الثقافي.
احتفاء بالعظماء
عبر الإعلامي وليد المرزوقي الذي أدار الجلسة، عن شكره لمكتبة محمد بن راشد على تنظيمها هذا النوع من الفعاليات، مؤكداً أهمية الاحتفاء بالعظماء الراحلين الذين تركوا بصمة واضحة في الثقافة الشعرية المحلية. وأشاد المرزوقي بجهود المكتبة في استكشاف تطور الأدب عبر العصور من خلال الجلسات الحوارية الثقافية والفنية التي تنظمها على نحو دوري.
سلطان العميمي:
• لم يكن والدي مجرد شاعر نبطي، بل كان راوياً يمتلك ذاكرة ثرية، وكان مصدراً مهماً من مصادر المعرفة بلهجات الإمارات وتاريخها.
راشد المزروعي:
• ميزة علي العميمي أنه حافظ على خطه الشعري منذ الشباب، كما حافظ على المستوى نفسه من المفردات حتى وفاته.