تسهم مزارع المواطنين المنتشرة على مساحات واسعة من أرض دولة الإمارات في تعزيز السياحة الداخلية المستدامة، واستقطاب عشاق الطبيعة من الزوار الذين يجدون فيها ملاذاً طبيعياً ساحراً، ونجاحهم في زراعة أنواع كثيرة من الخضراوات والفواكه والمحاصيل التي كانت محصورة في البيئات المعتدلة.
وقد أسهمت هذه المزارع، بتنوع منتجاتها، في العمل على تأسيس قطاع زراعي مستدام، وتسخير كل الإمكانات اللازمة لذلك، ورفع مساهمة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
ووصل إجمالي عدد المزارع في دولة الإمارات إلى أكثر من 38 ألف مزرعة، تتبع أساليب زراعة متنوعة، ونظم إنتاج عدة.
وأولت الإمارات اهتماماً كبيراً بتوجيه السياحة الداخلية نحو مزارع المواطنين للاطلاع على التجارب الناجحة لرواد الأعمال في هذا القطاع، ودور هذه المشروعات في تعزيز ثقافة التعامل المستدام مع البيئة.
وتقف حملة أجمل شتاء في العالم، التي تأتي هذا العام تحت شعار «شتاؤنا ريادة»، على بعض التجارب الزراعية الناجحة لأبناء الإمارات، والتي تركت بصمات مشرقة في مسيرة الاستدامة الزراعية والسياحة الداخلية.
وتولي الإمارات السياحة الزراعية أهمية كبيرة، نظراً لدورها في إبراز كنوز المزارع المحلية، وما تتمتع به دولة الإمارات من مساحة زراعية مزدهرة ومتطورة، كما تلقي الضوء على مشروعات زراعية رائدة تَولَّى إنشاءها وتطويرها أبناء الإمارات بدعم من الجهات الحكومية، إذ أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة في عام 2019 مشروعاً وطنياً تحت شعار «كنوز الطبيعة في الإمارات»، يسلط الضوء على إبداعات أصحاب المزارع المحلية للاستفادة منها والوقوف على الممارسات والخبرات التي يتبعونها، والاطلاع على أنماط الزراعة التقليدية والحديثة، والتعرف إلى التقنيات المستخدمة فيها، بالإضافة إلى الاستمتاع بالأنشطة الترفيهية المتوافرة في العديد من المزارع النباتية والحيوانية في الدولة، مع إتاحة الفرصة أمام الزائرين لشراء ما يحتاجون إليه من منتجات نباتية وحيوانية من المصدر مباشرة بتكلفة معقولة وجودة عالية، ما يشجع المزارعين على تطوير وتوسعة نشاطهم، عبر خلق دخل مالي إضافي، بالإضافة إلى تحفيز الجمهور على تبنّي سلوكيات الزراعة المجتمعية.
تجارب رائدة
ومن التجارب الزراعية الرائدة في دولة الإمارات مزرعة الفراولة بمدينة الذيد في الشارقة، التي يشرف عليها حالياً المدير العام لشركة «ميراك»، عيسى خوري، والتي تم تأسيسها في عام 1985، وهي أول شركة تزرع الفراولة، وتعد من أولى الشركات التي تأسست في القطاع الزراعي.
ولم تتوقف الشركة عند إنتاج ثمار الفراولة، التي لاتزال تصدر منها آلاف الأطنان سنوياً إلى دول الخليج وشتى أنحاء العالم، بل طرقت أبواب إنتاج العديد من المحاصيل الزراعية والخضراوات ذات القيمة العالية التي كانت في السابق تُستورد من الخارج.
ومن مزارع الفراولة الرائدة أيضاً في دولة الإمارات «مزرعة حتا النموذجية للفراولة»، للمواطن خلفان المطيوعي، التي تُعد وجهة زراعية مستدامة تستقطب المستثمرين والسياح.
وأنشئت مزرعة حتا النموذجية للفراولة في 2022، وتتضمن حقلين أحدهما مكشوف بلغ عدد الشتلات المزروعة به 6000 شتلة، والآخر زجاجي بإجمالي عدد شتلات 1870 شتلة، مع تميزها بتوفير الجهد والوقت والماء والمحافظة على البيئة، وتساعد على الزراعة المستدامة بتقنية مبتكرة، تنبع من نقاء وجمال الطبيعة.
ويمكن لزوار المزرعة أثناء تجوالهم فيها الاستمتاع بجلسات هادئة وتذوق المشروبات الساخنة والباردة بنكهة الفراولة، التي يتم إعدادها طازجة في الوقت نفسه، فضلاً عما تقدمه المزرعة من منتجات تشمل التين والعصائر الطبيعية.
وتشكل المزرعة النموذجية للفراولة فكرة استثمارية رائدة في ميدان السياحة الخضراء بين أحضان الطبيعة الخلابة قرب سد حتا، وتعد علامة فارقة على استثمار الموارد الطبيعية باحترافية وعصرية، وباستخدام أحدث التقنيات الزراعية التي تجد فيها العائلات والزوار نافذة ممتعة للهروب من زحمة الحياة اليومية، فضلاً عن دورها في تقليل البصمة الكربونية، وتقليص التأثير البيئي، وعدم الإسراف في استعمال المياه والطاقة، وتوظيف التكنولوجيا، مع تبنّي التقنيات الزراعية المتقدمة وأحدث وسائل التكنولوجيا الذكية، واستخدام أساليب الزراعة في البيوت البلاستيكية والزراعة المائية، لضمان بقاء المحصول على مدار العام.
ابتكار وتجديد
وتُبرز مزرعة الكاكاو التي أنشأها المواطن أحمد الحفيتي، أحد أبناء الفجيرة، واحدة من أهم التجارب الزراعية في دولة الإمارات، إذ تعكس قدرة المُزارع المواطن على الابتكار والتجديد في مجال الزراعة، بما يسهم في تعزيز جهود تحقيق الاكتفاء الذاتي من معظم المنتجات الزراعية.
وتقع مزرعة الكاكاو في مشتل وادي دفتا في الفجيرة، حيث نجح الحفيتي في زراعة أكثر من 1000 شتلة كاكاو بيعت بالكامل، كما تم استيراد ثلاثة أنواع من أجود أنواع ثمار الكاكاو في العالم من أوغندا، بحيث ستتم زراعة ما يقرب من 5000 شتلة الموسم القادم.
وتأتي أهمية هذه المبادرة الزراعية المستدامة بسبب عدم حاجتها إلى محميات مكلفة، أو إنفاق مبالغ مالية على العناية بها عبر أنظمة التبريد، بحيث تم الاكتفاء بوضعها في منطقة مظللة بشبك الظل الزراعي (الروكلين)، كما وفرت التربة الطينية في الفجيرة والمناخ الرطب بيئة مثالية لزراعة الكاكاو، حيث تحتاج أشجار الكاكاو الصغيرة إلى تظليل مناسب للنمو والحفاظ على الحيوية، مع العلم أن شتلة الكاكاو تنمو بسرعة وتصبح جاهزة للبيع في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر.
أفضل مؤثر محلي
في ظل دعم دولة الإمارات للكفاءات الريادية في شتى المجالات، تم الاحتفاء بإنجازات أحمد الحفيتي في زراعة الكاكاو وغيره من النباتات الاستوائية، ونال جائزة أفضل مؤثر محلي في مجال الزراعة، التي قدمتها جائزة الشيخ منصور بن زايد للتميز الزراعي في مارس 2024.
• 2022 العام الذي أُنشئت فيه مزرعة حتا النموذجية للفراولة.
• 38 ألف مزرعة في الدولة تتبع تقنيات متنوعة، وتنتج آلاف الأطنان من المحاصيل الزراعية.
