ابتكر باحثون قماشًا داكنًا لدرجة أنه يجعل أي رداء أسود يبدو بلون النيون، وبقدرة امتصاص للضوء عالية للغاية تجعله من أكثر الصبغات السوداء عمقا حتى اللحظة.
وحاكى الباحثون في عملهم ألوان طير البندقية الذي يستخدم ريشه المخملي الفائق في رقصات المغازلة. ومعروف عن هذه الطيور أن ريشها أسود للغاية لدرجة أنه يمتص الضوء، مما يمنحها مظهرًا غريبًا لفراغ أسود طائر، كما لو أن شيئًا على شكل طائر قد تم تعديله باستخدام برنامج فوتوشوب، ولم يتبقَّ سوى صدره الأخضر/الأزرق الرائع المتلألئ.
ولذلك أجرى فريق من جامعة كورنيل هندسة عكسية لتقنية التخفي الطبيعية لطائر البندقية، وتوصلوا إلى أحلك قماش تم تسجيله على الإطلاق: انعكاس بنسبة 0.13% فقط، مما يُصنفه بالتأكيد على أنه شديد السواد، وفقًا للنتائج المنشورة في مجلة Nature Communications.
وللتوضيح، يُعرّف “شديد السواد” بأنه أي شيء يعكس أقل من 0.5% من الضوء الوارد. وسبق للعلماء صنع مواد أغمق، ولكن عادةً عن طريق تسخين حزم صغيرة من أنابيب الكربون النانوية. إلا أن هذه الأنابيب تُستخدم عادةً في التلسكوبات. أما فريق كورنويل فأنتج شيئًا قابلًا للارتداء، يسمح بمرور الهواء، وقابلًا للتمدد. إنه أول قطعة شديدة السواد يُمكنك غسلها دون القلق من تفككها أو تلفها لدرجة أنها تبدو كما لو أنك جففت غرابًا عن طريق الخطأ.
وتبدأ العملية بصوف ميرينو، مصبوغ بالبولي دوبامين، وهو ميلانين صناعي. يُعرَّض القماش بعد ذلك للنفخ في حجرة بلازما حتى تنبت خيوط دقيقة حابسة للضوء تُسمى أليافًا نانوية عبر الألياف. تُحاكي هذه الخيوط أسياخ طائر البندقية، وهي خطافات مجهرية تساعد الريش على الالتصاق والتهام الضوء الوارد.
والنتيجة هي قماش يبقى شديد السواد حتى عند رؤيته من زوايا واسعة، على عكس المواد شديدة السواد الأخرى التي لا تعمل إلا بشكل مباشر. ومن ثم قررت جامعة كورنيل تطبيق هذا اللون عمليًا في سياق يفهمه الشخص العادي، فصنعوا منه فستانًا مستوحى من طائر البندقية الرائع، بما في ذلك قطعة صدر زرقاء/خضراء مشعة.
ولكن مقال المجلة يؤكد أن الموضة ليست هي الاستخدام الأمثل لهذا اللون شديد السواد، فقد يُعزز هذا القماش في نهاية المطاف أداء الكاميرات والتلسكوبات والألواح الشمسية، في أي مكان يُراد فيه منع ارتداد الضوء. وقد تقدم الفريق بالفعل بطلب للحصول على حماية مؤقتة لبراءة اختراع، مما يعني أن اللون شديد السواد قد يظهر قريبًا في منتجات أخرى.
