رغم تخصصها في العلاقات الدولية فإن حب الشابة عائشة المنصوري للتاريخ وشغفها بالوثائقيات والآثار قادها للعمل في متحف زايد الوطني، أحد أهم الصروح الثقافية والتاريخية في المنطقة والعالم والمقرر افتتاحه في ديسمبر المقبل، وهو ما أتاح لها أن تصبح جزءاً من تجربة نادرة تتمثل في المشاركة في إحياء قارب ماجان التاريخي، واختيارها ضمن خمس نساء حصلن على فرصة الإبحار على متن السفينة عقب الانتهاء من بنائها؛ وهي التجربة التي تصفها الشابة الإماراتية بالحلم الذي تحقق.

ووصفت عائشة المنصوري، التي تعمل أمين متحف معاون ضمن الفريق البحثي لمتحف زايد الوطني، نفسها بالمحظوظة، كونها جزءاً من متحف وطني يجسد رؤية وقيم الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مضيفة في حوارها مع «الإمارات اليوم»: «لا يمثل المتحف صرحاً ثقافياً فقط، بل منصة حية توثق تاريخ دولة الإمارات وتحتفي به عبر 300 ألف عام من التاريخ الإنساني، ولذلك أشعر بالفخر للمساهمة في تقديم قصة وطننا بطريقة ملهمة وتفاعلية، خاصة ونحن على مشارف الافتتاح في ديسمبر المقبل. وإلى جانب فخري واعتزازي، أجد أن العمل في المتحف يمثل لي مسؤولية كبيرة، فهو يربطني أكثر بجذوري، ويعزز إحساسي بهويتنا الوطنية».

وعن طبيعة عملها، أوضحت عائشة: «أعمل كأمين متحف معاون ضمن الفريق البحثي للمتحف، إذ أساهم في تنظيم وتطوير السرد المتحفي داخل المعارض، خاصة المتعلق بالهوية الإماراتية والتراث غير المادي. كما يتضمن عملي التنسيق مع خبراء ومجتمعات محلية لجمع الروايات الشفهية وضمان تمثيل أصوات المجتمع في المتحف. وأركز أيضاً على دعم البرامج البحثية والتعليمية، مثل مشروع (قارب ماجان) باعتباره أحد أبرز المشاريع البحثية التي شاركت فيها».

شغف بالوثائقيات

وأكدت عائشة شغفها منذ الصغر بالوثائقيات الخاصة بالتاريخ وعلم الآثار، ولكن شاءت الظروف أن تلتحق بالدراسة في مجال العلاقات الدولية، وبعد التخرج أتيحت لها الفرصة في عام 2023 للمشاركة في مشروع قارب ماجان (قارب من العصر البرونزي)، وهو مشروع هدف لإحياء هذا القارب التاريخي الذي كان يستخدم في المنطقة، وبُني من مواد خام وضعت على لوح صلصال قديم باستخدام تقنيات قديمة يعود تاريخها إلى 2100 سنة قبل الميلاد، بمشاركة فريق دولي يضم أكثر من 20 خبيراً من خمس دول، منهم أمناء متاحف، وأساتذة، وعلماء آثار، وطلبة من الإمارات، وصنّاع قوارب من ولاية كيرالا، إضافة إلى خبراء من إيطاليا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.

ولفتت إلى أن المشروع يهدف إلى تعميق الفهم حول أنماط الحياة التي عاشها الناس في المنطقة قبل أكثر من 4000 عام، إلى جانب الحفاظ على التراث البحري لدولة الإمارات والحِرف التقليدية المرتبطة به.

استحضار الماضي للحاضر

وأضافت عائشة المنصوري: «هذا المشروع له أهمية كبيرة، فمن خلاله قمنا باستحضار الماضي للحاضر والعمل على نقله للمستقبل. حقيقة وجود سفينة من العصر البرونزي كانت تستخدم في المنطقة لها دلالات عدة، منها: محورية الموقع الجغرافي للمنطقة منذ القدم، ومستوى التطور التكنولوجي في المنطقة، والتطور التجاري، الذي أدى بدوره إلى تعزيز التواصل البشري بين الشعوب والتبادل الثقافي البشري أو كما نعرفه اليوم العولمة»، مشيرة إلى أنها كانت في البداية تفتقر للخبرة، ولكن مع مرور الوقت تعلمت الكثير، وأبحرت في علوم جديدة تشبع فضولها، كما قدم فريق العمل دعماً كبيراً لها، وفي مقدمتهم أستاذها إيريك ستيبلس للتعرف على هذا العالم وكسب معرفة جديدة.

وعن أبرز التحديات قالت المنصوري: «واجهت صعوبات عدة خصوصاً في بداية رحلتي مع السفينة، فقد كانت التجربة جديدة ومن أجلها تخليت عن فرصة تدريب في مؤسسة أخرى. ورغم أن الفترة الأولى كانت صعبة، فإنني تعلقت بالمشروع كثيراً خلال العمل، ولكن لم أتخيل أنني قد أشارك في تجربة الإبحار وأعيشها بكل تفاصيلها المذهلة كواحدة من خمس نساء حصلن على هذه الفرصة للإبحار على متن السفينة، وحتى الآن وبعد مرور أكثر من سنة على الإبحار أشعر بأنني كنت في حلم، ومازلت أذكر كيف سيطر عليّ في أول يوم شعور بالخوف من السقوط في الماء، ولكن سرعان ما تغلبت على مخاوفي في اليوم التالي وبدأت أتحرك بحرية على متن السفينة. ومازلت أشعر بالامتنان لهذه الفرصة النادرة التي أتاحت لي الاحتكاك بفريق خبير من كل النواحي وأستفيد من علومهم، كما استمتعت بكل لحظة في الإبحار وتعلمت الكثير».

وتابعت: «أما أصعب لحظة بالنسبة لي فكانت عندما رست السفينة بعد آخر إبحار لها، كانت لحظات مليئة بالمشاعر، وعم الهدوء على متن المركب، حيث كان الجميع يعيش لحظة إدراك أننا في اللحظات الأخيرة من هذه التجربة الفريدة من نوعها والتي تحدث مرة في العمر.. إذ كنت من المحظوظين».

بين الثقافة والعلاقات الدولية

أكدت عائشة المنصوري أن دراستها الأكاديمية للعلاقات الدولية ساعدتها على فهم أعمق للعلاقات الثقافية والتاريخية بين دولة الإمارات والعالم، ومنحتها مهارات تحليلية وتواصلية استفادت منها في البحث والتفسير المتحفي، كما ساعدتها على إدراك أهمية السرد الثقافي في بناء جسور التفاهم بين الشعوب، ما مكّنها من المساهمة في تطوير تجارب متحفية تتحدث بلغة يفهمها ويتفاعل معها الجميع، سواء من أبناء الدولة أو من زوّارها من مختلف أنحاء العالم.

• العمل في المتحف مسؤولية كبيرة، فهو يربطني أكثر بجذوري، ويعزز إحساسي بهويتنا الوطنية.

• لم أتخيل أنني قد أشارك في تجربة الإبحار في القارب التاريخي وأعيشها بكل تفاصيلها المذهلة.

• 5 نساء حظين بفرصة الإبحار في القارب، من بينهن عائشة.

• 20 خبيراً من خمس دول ساهموا في مشروع إحياء القارب.

• 300 ألف عام من التاريخ الإنساني يحتفي بها المتحف.

شاركها.