ضمن أفق الصحراء الممتد في موقع الفاية التاريخي، المُدرج حديثاً ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث العالمي، أوجد 11 فناناً حواراً بين الفن والصحراء من خلال أعمالهم التركيبية التي قدموها ضمن مهرجان «تنوير»، الذي أقيم تحت رعاية الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، مؤسِّسة المهرجان.

وحملت الدورة الثانية من «تنوير»، التي اختتمت، أول من أمس، بصحراء مليحة في الشارقة، شعار «ما تبحث عنه يبحث عنك»، ما دفع الفنانين المشاركين إلى استلهام أعمالهم من حكمة جلال الدين الرومي الخالدة، فحولوا الصحراء إلى معرض يحاكي التراث الثقافي والاتصال العميق مع الطبيعة، لاسيما أن الأعمال تأرجحت بين الهندسة والمادة والسرد، لربط الماضي والحاضر والمستقبل في أحضان الطبيعة الغامرة.

رسالة تحتفي بالأمل

وبرسالة تحتفي بالأمل والسعي نحو الارتقاء بالذات، بعثت بها الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، المؤسِّسة وصاحبة رؤية مهرجان «تنوير»، خلال ختام الحدث، للجمهور المحتشد في صحراء مليحة: «ها نحن نختتم هذه الأيام الثلاثة، لكن ما نسجناه هنا سيستمر بهدوء في داخلكم، في الخيارات والسبل التي ستتخذونها على أرض الواقع، فعند وضع برنامج المهرجان، حرصنا على أن يخدم كل عنصر في تنوير غاية واحدة تتمثل في المساعدة على إعادة التواصل مع ما يهم حقاً، وهو الوحدة الكاملة والمطلقة مع غاياتنا».

وتابعت الشيخة بدور القاسمي: «بينما نحتفي بختام نسخة هذا العام من مهرجان تنوير، أدعوكم جميعاً لحمل هذه الهدية إلى واقعنا.. إلى منطقتنا.. إلى مجتمعاتنا.. من خلال أفعالنا، ومن خلال الطريقة التي نحبّ ونعيش بها، لنقدم للعالم دعوة من أجل السلام والوحدة والأمل».

«همسات الحقيقة»

وقدم الفنان الإماراتي، جمعة الحاج، عملاً بعنوان «همسات الحقيقة»، يتأمل من خلاله علامات الاقتباس، وصممه بشكل ثماني علامات اقتباس ضخمة ومقلوبة ومصنوعة من الفولاذ، تتجمع معاً لترمز إلى الأفكار التي تتبلور عبر الزمن والتجربة لتصبح مفهوماً متكاملاً.

وقال الحاج لـ«الإمارات اليوم»: «التراث الشفهي قوي جداً في المنطقة العربية، ونحن دائماً نردد الكثير من الاقتباسات، وهذا يدل على أن الشخصيات ليست متفردة، وإنما هي عبارة عن تجميع للأفكار التي نسمعها من المجتمع المحيط، ولهذا تتشابه الكلمات التي نرددها، وقد بنيت العمل على شكل الأقواس الخاصة بالاقتباسات التي تخرج من وردة الصحراء المتكونة عبر الزمن، للدلالة على الشخصيات التي تتكون مع مرور الوقت»، مشيراً إلى أن المواد المستخدمة تتعرض للتغير بعوامل الطبيعة، ما يدل على التطور في الشخصيات.

أما المصممات في استوديو «ون ثيرد» آمنة بن بشر ودُنى ودانية عجلان، فعملن على إعادة تخيل الكهف بوصفه مرآة للذات من خلال عملهن «انعكاسات».

وقالت دُنى عجلان: «استلهمنا العمل من كهوف مليحة القديمة ومن منطقة الفاية الجيولوجية المجاورة التي أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، إذ استكشفنا من خلال زياراتنا وجود المدينة قديماً وتحديداً تحت البحر، حيث برز الكثير من الآثار، وتم استخدام المرايا داخل الكهف للدلالة على الشعار الذي يحمله مهرجان تنوير، فالمرايا تتيح لكل شخص أن يرى انعكاسه»، لافتة إلى أن العمل يصل ارتفاعه إلى خمسة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار ونصف المتر، بينما كان تثبيت الصخور على الكهف من الخارج من محطات إنتاج العمل التي استغرقت وقتاً طويلاً.

«رواسب الزمن»

فيما قدمت الفنانة روضة الكتبي عملاً بعنوان «رواسب الزمن»، مكوناً من 120 كرة تستحضر هيئة قطرات الماء، ومستلهم من مليحة التي كانت قاعاً لبحر قديم، وأكدت أنها حرصت من خلال العمل على إعادة المياه مرة جديدة إلى المكان، بهدف استرجاع الماضي، فجسدت كرات المياه بهذا الشكل، بينما استخدمت النحاس الذي يتبدل مع الوقت، للإشارة إلى تبدل المكان، ولإبراز إمكانية تغيره مستقبلاً.

ونوهت بأن العمل يمنح المشاهد لحظة للتوقف والتأمل في الطبيعة، لافتة إلى أن المكان فرض تحديات من نوع خاص، لاسيما أن فكرة العمل كانت بوضعه على الجبال، ولكن خلال المهرجان ثبت على الرمال، وبعد انتهاء المهرجان سينقل إلى بيئة جبلية تناسبه، مشددة على أنه يتحمل كل عوامل الطبيعة.

«حديقة الكلمة»

من جهته، أطل الفنان الباكستاني، شابير مير، في المهرجان بـ«حديقة الكلمة» المكونة من حروف عربية تخرج من الصحراء وتعلو كنباتات نحو السماء، موضحاً أن اهتمامه باللغة العربية أتى من كون لغته تتكون من الحروف نفسها، فضلاً عن أنه يقرأ القرآن الكريم بهذه اللغة، ما يجعل «العربية» في صلب حياته اليومية.

وبيّن أنه عمل على بناء العمل من الستانلس ستيل، وقد بنى للعمل قاعدة تحت الرمال، تم تثبيت الحروف بها، مشيراً إلى أن التقنيات خلف تنفيذ العمل كثيرة، بدءاً من التثبيت وصولاً إلى طي الحروف وكذلك الطلاء، إذ استخدم الذهبي من جهة والأحمر من أخرى.

بينما دمجت الفنانة السورية، تالين هزبر، من خلال عملها «رادي»، بين طيات المادة وطبقات الزمن ومسارات الذاكرة وأعماق المعنى، مؤكدة أنها تسعى إلى إبراز الاكتشافات الأثرية عبر عصور ما قبل التاريخ المتعاقبة، الحجري القديم، والحجري الحديث، والبرونزي، والحديدي، وصولاً إلى الفترة المتأخرة من عصر ما قبل الإسلام.

وذكرت تالين أن العمل تكون من ألواح تمثل هذا السياق الزمني، مع التدليل على التقاطعات فيه، منوهة بأن الفن في الصحراء يحمل خصوصية، لاسيما في كيفية ربط العمل بالبيئة التي يوضع فيها، والفنان يقرر إن كان يريد أن يمزج العمل بالبيئة، أم يسعى إلى خلق تجربة حسية من نوع خاص.


تنوّع

تنوعت أعمال الفنانين المشاركين في مهرجان «تنوير»، الذي نُظم في صحراء مليحة على مدار ثلاثة أيام، لاسيما لجهة الثيمات والمواد المستخدمة.

وسيكشف عن المواقع التي ستنقل إليها الأعمال في ديسمبر المقبل.

روضة الكتبي:

• عملي مكون من 120 كرة تستحضر هيئة قطرات الماء، ومُستلهَم من مليحة التي كانت قاعاً لبحر قديم.

شابير مير:

• «حديقة الكلمة» مكونة من حروف عربية تخرج من الصحراء وتعلو كنباتات نحو السماء.

• 11 فناناً أوجدوا حواراً بين الفن والصحراء من خلال أعمالهم التركيبية التي قدموها ضمن «تنوير».

شاركها.