بين أجنحة معرض الصيد والفروسية في أبوظبي، احتشد الزوّار حول لوحات فنية مبتكرة صُنعت من قطع «الليغو» الصغيرة، أبدعتها أنامل الطفلة الإماراتية، شيخة علي الكعبي (12 سنة)، التي تقف بثقة إلى جوار أعمالها، تبتسم للزوّار تاركة لهم فرصة المشاركة في تجربة إضافة بعض القطع الملونة إلى لوحاتها، واثقة بموهبتها الفريدة التي حوّلت الألعاب إلى فن ورسالة وفاء وفخر بوطنها وقادته، وشهادة حية على أن دعم واحتضان المواهب قادر على تحويلها إلى مصادر إلهام ومكاسب إنسانية مستقبلية مبدعة ومبتكرة.

وبسبب موهبتها الفريدة صنّفت وزارة التربية والتعليم شيخة ضمن الطلبة الموهوبين، كما حصلت، أخيراً، على جائزة الأطفال العالمية للموهوبين في «الليغو»، إلى جانب حصولها على الجائزة العائلية الخاصة بجائزة خليفة التربوية، بصفتها نموذجاً متميّزاً، كما نالت لقب سفيرة شركة «الليغو» في الشرق الأوسط وإفريقيا وأستراليا، بفضل مهاراتها العالية في تركيب القطع، وابتكارها تصميمات إبداعية فريدة، وتعمل اليوم ضمن شبكة سفراء «Lego Ambassador Network».

إعجاب وتفاعل

10 لوحات متنوعة، قامت شيخة الكعبي بعرضها على جمهور المعرض، الذي أبدى إعجابه الكبير بالتقنيات التي اعتمدتها، لتبقى اللوحة الأقرب إلى قلبها، تلك التي قدمت فيها صورة المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قائلة: «صحيح أنني لم أره، ولم تتح لي الفرصة لأقابل هذه الشخصية الإنسانية الفريدة، لكنني لمست محبة الجميع له من خلال التعليقات وردود الأفعال الإيجابية التي تلقيتها حول هذه اللوحة»، وتابعت: «صحيح أنني واجهت بعض الصعوبات التقنية الخاصة بتوفير قطع كثيرة للوحة الأكبر التي قدمتها في المعرض وكانت لآل نهيان الكرام، إلا أنني شعرت بالسعادة والفخر وأنا أرى إعجاب الجمهور بها».

بدايات

وعن بداياتها في هذا المجال الفني، قالت شيخة الكعبي لـ«الإمارات اليوم»: «بدأت مع ألعاب (الليغو) منذ كان عمري خمس سنوات، مكتشفة مبكراً تعلقي بهواية ترتيب القطع الصغيرة التي كنت أقضي فيها ساعات طويلة، قبل أن أنتقل منذ نحو عامين إلى تجربة تشكيل لوحات وصور فنية بقطع الليغو نفسها»، مؤكدة اهتمامها بتقديم ولو شيئاً بسيطاً لبلدها الإمارات من خلال هذه الهواية التي شجعتها على الاستمرار فيها كلّ من الفنانة الإماراتية عزة القبيسي، والفنان الإماراتي موسى الحليان.

وحول التقنيات التي تستخدمها لتصميم وتنفيذ لوحاتها وألوانها، أكّدت شيخة استعانتها في كثير من الأحيان بالتقنيات الحديثة والنصائح الفنية التي يقترحها الذكاء الاصطناعي، قائلة: «أعمد في البداية إلى تصميم اللوحة الفنية أو الصورة عبر جهاز الحاسوب، ثم أقوم بتصوير القطع الصغيرة التي سأعتمدها في اللوحة، فيما تساعدني تقنيات الذكاء الاصطناعي على توزيع الألوان، واقتراح بعض التفاصيل الفنية الصغيرة، أما التنفيذ، فيبقى بشكل يدوي، حيث أعتمد على جهدي الشخصي وشروط الدقة والكثير من الصبر».

مشاركات وجوائز

لم يتوقف شغف شيخة عند تقديم لوحات الليغو فحسب، بل تعدتها إلى آفاق علمية أرحب، فضلاً عن موهبتها في إلهام الفتيات الصغيرات على الانخراط في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة، إذ أطلقت شيخة حصصاً تفاعلية وورش عمل لتعليم فن تركيب الليغو، إلى جانب مشاركة شغفها الإبداعي مع أكثر من 3000 طالب، قائلة: «حصلت مع فريقي على المركز الثاني على مستوى الدولة في مسابقة الروبوت 2020، كما شاركت في مسابقات عدة على مستوى الدولة تختص بالابتكار، من بينها مسابقة الليغو، فيما تأهلت ضمن الفريق الوحيد في مدينة العين إلى نهائيات على مستوى الدولة والتي أُقيمت في دبي، وحصلنا على جائزة أفضل فريق مبتكر لمرتين متتاليتين في العامين 2024 و2025».

وقالت شيخة: «أشعر بالفخر لإسهامي في تقديم العديد من الورش في المدارس والدوائر الحكومية على مستوى الدولة، إضافة إلى تقديم عدد من المشروعات المتميّزة، مثل الساعة الذكية لمرضى الحساسية، وقفاز النظافة، وجهاز التعقيم الذاتي إلى جانب (روبوت الليغو) وغيرها من المشروعات»، مؤكدة أنها تحلم في المستقبل بإبداع «جدارية ضخمة تصبح معلَماً من معالم الإمارات، يأتي إليها الناس من كل أنحاء العالم، وتمثيل بلادها في المحافل العالمية»


شراكة وإبداع

تحمست شيخة في الحديث عن شراكتها مع شقيقتها (فاطمة)، التي وصفتها بالمخترعة الموهوبة قائلة: «صممنا معاً مركبة فضائية فيها مستشعرات ومحركات ذكية، وأضفتُ إليها شخصياتي المفضلة، كما صنعت نموذجاً مصغراً لقمر اصطناعي ومحطة فضاء»، فيما توّجت موهبتها بعرض بعض أعمالها في مركز محمد بن راشد للفضاء، قائلة: «أحب العلوم والفضاء، لهذا السبب صممت أقماراً اصطناعية ومركبات فضائية، شاركت بها في شهر الابتكار، كما نجحت في تقديم ورش للأطفال في المدارس لأعرّفهم إلى إمكانات (الليغو)».


اجتهاد وجوائز

أكّدت والدة شيخة الكعبي أن بدايات موهبة ابنتها كانت في مرحلة مبكرة من عمرها، واصفة هذه المرحلة بالقول: «كنت أرى شيخة تتعامل مع قطع (الليغو) بجدية منذ صغرها، وكأنها لم ترها كلعبة مسلية، بل كوسيلة للتعبير عمّا في داخلها، ومع كل إنجاز كانت شيخة تثبت أن وراء شغفها رؤية فنية أوسع».

وأضافت: «أشعر أن سنوات الصبر والإيمان بموهبتها أثمرت، فمنذ كانت في الخامسة من العمر، لم تكن شيخة كالأطفال الآخرين، بل كانت تغرق في عالمها الخاص بين القطع».

شاركها.
Exit mobile version