مع انخفاض درجات الحرارة، ونسيم الشتاء العليل، يتحوّل «الحوي» والفناء أمام المنازل في الإمارات إلى مساحات دافئة للجلسات الشتوية الخارجية، حيث تجتمع العائلات والجيران لتبادل السوالف، والاستمتاع بأجواء الشتاء الأصيلة، وتُعد هذه الجلسات طقساً سنوياً ينتظره الكثيرون، يجمع بين حرارة المدفأة أو النار، وشاي الكرك، وأحاديث تمتد حتى ساعات الليل المتأخرة، لتُعيد روح التواصل الاجتماعي التي لطالما ميّزت الحياة الإماراتية.

ولعشاق الهدوء والوتيرة الأبطأ، تمنح هذه الجلسات مساحة للتأمل تحت السماء المرصعة بالنجوم، وتجربة تنبض بالدفء الاجتماعي والطبيعة الساحرة، لتعيد لـ«الحوي» حياة مليئة باللمة والحنين.. إنها ذاكرة دافئة بنار الحطب، ترويها فناجين القهوة، وتحفظها القلوب قبل الصور.

لم تعد جلسات «الحوي» اليوم مجرد طقس موسمي، بل أصبحت امتداداً حيّاً لموروث اجتماعي بدأ منذ عقود، ويؤكد مقدم برنامج «البرزة» في إذاعة رأس الخيمة، الإعلامي عبدالله خلفان، أن شكل الجلسات تغيّر، لكن روحها بقيت كما هي، ويقول لـ«الإمارات اليوم»: «سابقاً كانت الجلسة بسيطة، فرشة على الرمل ونار وقهوة على الحطب، أما اليوم فالتجهيزات مرتبة ومهيأة، لكن السوالف والدفء واللمة نفسها، فقط بأسلوب حديث».

ويصف خلفان: «البرزة جزء أصيل من الهوية الإماراتية، كانت تُقام يومياً تقريباً أمام البيوت، وتجمع أهل الفريج لمعرفة العلوم وتبادل الأخبار، ومع أن الشكل تغير، وانتقلت الجلسات إلى مساحات مجهزة داخل البيوت، فإن الهدف بقي كما هو: التواصل ولمّة الربع».

وتابع خلفان: «فوالة العصر تتجمع فيها النساء أو الرجال من بعد وقت العصر، وتتكون من التمر والبلاليط الحارة وقهوة خفيفة، يتجمع فيها الأهل والجيران لشرب أو أكل أشياء خفيفة، وهذه تسمى فوالة العصر، ويأخذون علوم بعض، ومدتها 10 دقائق للرجال، وللنساء يمكن أن تمتد إلى المغرب، وهي نقطة تجمع العائلة»، ويؤكد أن الجلسات الشتوية مازالت متنفساً للأسرة: «تعطي راحة وطمأنينة، وتبعد الناس عن الضغوط، وتقرّب بعضهم إلى بعض»، وهي في رأيه مساحة مثالية لنقل خبرات كبار السن للشباب، حيث «كلام الكبار ذهب»، وفيها تُروى القصص القديمة، ويتعلم الشباب معنى الضيافة والاحترام وفن السوالف.

وتستعيد المواطنة فاطمة صالح لـ«الإمارات اليوم» ذكريات فوالة العصر في «الحوي»، حين كانت العائلات تجتمع منذ القدم، وتُفرش التمور، وتُجفف وتُخزّن خلال موسم الشتاء، قائلة: «الحوي كان قلب البيت، نتغدى ونتعشى ونتريق فيه، اليوم نفس الجلسة موجودة، لكن مرتبة ومزيّنة، وكنّا من قبل نجلس ببساطة، من دون ديكورات».

وأضافت: «في فوالة العصر نتجمع في (الحوي)، وكل واحدة منا أو من من الجيران والأهل تحضر القهوة أو الشاي أو شيئاً بسيطاً، ونجلس ونتحدث».

وقالت: «المناطق الجبلية، مثل شعم وجير، لاتزال تحافظ على هذا الطابع الأصيل، حيث تُفرش التمور، ويربى الدجاج في الحوي، وتبدأ الجلسة بالسلام والسوالف والقهوة والشاي، وتستمر حتى الليل».

وتروي سمية عبدالمجيد كيفية تحوّل «الحوي» إلى نقطة التقاء كبيرة للعائلة: «فالجدة تجمع أولادها وأحفادها كل جمعة وسبت، وفي الصيف نجلس داخل البيت، لكن في الشتاء نخرج إلى الحوي، وتجتمع العائلة تحت سقف واحد، ويتبادلون الأحاديث والأخبار وشرب القهوة والشاي، والأطفال يلعبون بين أحضان العائلة».

وتقول عائشة المسن إن أجمل ما في الجلسة الشتوية هو التواصل الذي يقرّب الناس من بعضهم بعضاً، ويجعلهم يتعرّفون إلى جيرانهم ومعارفهم وأنساب العائلة، معتبرة أنها «جلسات توارثناها من أهلينا، ومازالت موجودة في كل بيت».

ويقدّم العميد المتقاعد سليمان الكيزي الشميلي  مقارنة دقيقة بين جلسات الأمس واليوم، قائلاً: «قديماً كانت الجلسات تعتمد على (الفنر) و(السرايا) في غياب الكهرباء، وكانت الأحاديث هي الفن والترفيه، واليوم دخلت التكنولوجيا والإضاءات والهواتف التي ينشغلون بها»، وحذّر الشميلي من تأثير الانشغال بالموبايلات على لمّة العائلة.

ويؤكد الإعلامي محمد إبراهيم أن شتاء الإمارات بات موسم لقاءاته السنوية مع الأصدقاء: «نجلس 10 أيام في الشهر تقريباً نتلاقى ونقوي علاقتنا والترابط بيننا في الشتاء الذي يجمعنا بطريقة مختلفة».

عبدالله خلفان:

. سابقاً كانت الجلسة بسيطة، فرشة على الرمل ونار، واليوم التجهيزات مرتبة ومهيأة، لكن السوالف والدفء واللمة نفسها، فقط بأسلوب حديث.

سليمان الشميلي:

. قديماً كانت الجلسات تعتمد على «الفنر» في غياب الكهرباء، واليوم دخلت التكنولوجيا والإضاءات والهواتف التي ينشغلون بها.

فاطمة صالح:

. «الحوي» كان قلب البيت، نتغدى ونتعشى ونتريق فيه، واليوم بات مرتباً ومزيّناً، أما سابقاً فكنا نجلس ببساطة من دون ديكورات.

شاركها.
Exit mobile version