رفض الكاتب الكولومبي، غابرييل غارسيا ماركيز، الحائز جائزة نوبل في الآداب، تحويل روايته «مائة عام من العزلة» إلى عمل سينمائي بسبب تعقيدها وأنه لا يمكن تعديلها بما يتناسب مع السينما، وتعد هذه الرواية واحدة من أعظم الروايات الأدبية على مر العصور، وقد بيع منها أكثر من 50 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم، ولكن بعد وفاته تمكنت منصة البث «نتفليكس» من إقناع أبناء الروائي العالمي والحصول على حقوق تحويل الرواية إلى مسلسل تلفزيوني.
تحكي الرواية، التي صدرت في عام 1967، مصير عائلة بوينديا، والقرية التي أسسوها «ماكوندو» عبر مائة عام، وتعد هذه الرواية عملاً أدبياً معقداً يروي قصة أجيال متعاقبة ويمزج بين الأحداث الحقيقية من التاريخ الكولومبي وبين الوقائع السريالية والفانتازية، وتعد هذه الرواية اليوم نموذجاً فريداً للأسلوب الأدبي المعروف باسم «الواقعية السحرية».
ويعتقد الفنان ميلكين ميرشان، البالغ من العمر 27 عاماً وينحدر من مدينة أراكاتاكا، أن من يريد فهم هذا العمل الأدبي بجميع أبعاده فعليه أن يتعرف إلى الناس في منطقة غابرييل غارسيا ماركيز الواقعة في منطقة البحر الكاريبي، ويعرف مشاعرهم تجاه الحياة وعاداتهم وتقاليدهم ورموزهم الثقافية، خصوصاً في مدينة أراكاتاكا، حيث ولد الكاتب العالمي في السادس من مارس 1927 وقضى طفولته بها.
ويعرض الفنان ميرشان لوحاته الفنية في متحف التلغراف السابق، حيث كان يعمل والد غابرييل غارسيا ماركيز، وتستلهم بعض هذه اللوحات الفنية مشاهد وشخصيات من رواية «مائة عام من العزلة»، وأضاف ميرشان: «أحاول الرسم كما كان غابرييل غارسيا ماركيز يكتب، وأتبع أسلوبه السردي الذي يمزج باستمرار بين الأحداث الواقعية والسريالية، كما أن أسلوبه السردي يشبه كثيراً القصص التي كان يحكيها أجدادنا لنا».
وتقع مدينة أراكاتاكا على أطراف مزارع الموز وسلاسل جبال «سييرا نيفادا دي سانتا مارتا» في المناطق الداخلية الرطبة لساحل البحر الكاريبي، وعلى الرغم من أنها ليست جوهرة استعمارية فإنها موطن الكاتب العالمي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، ويعتقد الكثير من الخبراء أنها نموذج لقرية «ماكوندو» السحرية.
منزل ماركيز
يمكن للسياح في مدينة أراكاتاكا زيارة المنزل، الذي ولد فيه غابرييل غارسيا ماركيز، والكنيسة التي تم تعميده فيها، والمدرسة القديمة التي تعلم فيها القراءة والكتابة، وقد قال الأديب العالمي ذات مرة: «لقد تأثرت في روايتي كلها تقريباً بالسنوات الأولى من طفولتي، حتى إن اسم (ماكوندو) مستوحى من إحدى مزارع الموز القريبة».
ولكن غابرييل غارسيا ماركيز دائماً ما كان يوضح أن قرية «ماكوندو» هي مكان خيالي، حيث يمكن العثور عليها في العديد من الأماكن بمنطقة البحر الكاريبي في كولومبيا، وقد اعتمد الأديب العالمي على هذه القرية لتصوير مشاهد وأحداث رواية «مائة عام من العزلة»، وعندما يشاهد السياح مدينة «سانتا كروز دي مومبوس» فإنهم يشعرون على الفور بأنهم في «ماكوندو»، وتقع هذه البلدة الصغيرة الساحرة على نهر ماجدالينا، ويبدو أن الوقت قد توقف بها.
جوهرة العمارة
وعلى غرار قرية «ماكوندو» الخيالية فإن مدينة «سانتا كروز دي مومبوس» محاطة بالمستنقعات وكانت معزولة على مدار عقود، ولاتزال حتى اليوم بمثابة جوهرة العمارة الاستعمارية الإسبانية، وقد تم إدراجها على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو في عام 1995، ولايزال هناك جزء كبير من المدينة القديمة، التي تأسست في عام 1540، يتم استعماله بوظيفته الأصلية نفسها.
وخلال الحقبة الاستعمارية كانت مدينة «سانتا كروز دي مومبوس» مركزاً مهماً لتجارة الذهب في أميركا الجنوبية، وهناك العديد من ورش الذهب والفضة لاتزال تمارس فن الفيلوغرافيا التقليدي، كما أن تمائم السمكة الذهبية التي تتمتع بشهرة عالمية بسبب رواية «مائة عام من العزلة» تعود أيضاً إلى مدينة «سانتا كروز دي مومبوس».
وقد قامت شخصية الرواية، العقيد أوريليانو، بصنع هذه الأسماك الذهبية وتدميرها على الفور، ليبدأ صنعها من جديد حتى لا يشعر بالوحدة والعزلة، وقد استخدم ماركيز الأسماك الذهبية كناية عن صرخة من الوحدة، وقد تعرف الأديب العالمي إلى الأسماك الذهبية ومومبوس من خلال زوجته «مرسيدس بارشا» التي تعلمت هنا في مدرسة الدير.
وتم تصنيع تمائم الأسماك الذهبية بواسطة صائغ الذهب «لويس جييرمو تريس بلاسيوس» خلال حقبة الخمسينات من القرن المنصرم، وتعرض ابنته «فلور» بكل فخر النسخ الأولى من الأسماك الذهبية وأدوات العمل الخاصة بوالدها للزوار في المتحف الصغير، وقد ألهمت عادات وتقاليد القرية وسحرها التاريخي غابرييل غارسيا ماركيز لكي تصبح كواليس المجموعة القصصية «وقائع موت مُعلن».
عاصمة الموسيقى
تقع مدينة «بارانكيا» الساحلية على الجانب الآخر من البحيرة، وفي هذه المدينة قضى الأديب العالمي فترة شبابه وسنوات دراسته كصحافي في صحيفة «إل هيرالدو»، وقد كانت المدينة آنذاك قلعة صناعية مزدهرة، ولاتزال مدينة «بارانكيا» إلى اليوم عاصمة الموسيقى والكرنفالات في كولومبيا، وقد انضم ماركيز وهو في عمر 22 عاماً إلى مجموعة من المثقفين الشبان الذين كان لهم تأثير كبير فيه من الناحيتين الأدبية والإبداعية.