كل إنجاز باسم الوطن يصير منارة وفخراً للجميع، صغر هذا الإنجاز أو كبر، فما بالنا إذا كان الإنجاز ريادة الفضاء على يد ابن من أبناء الإمارات البارين: سلطان النيادي المولود في مدينة العين للمرة الأولى في عام 1981، والمولود ثانية في محطة الفضاء عام 2023. أول رائد فضاء إماراتي إلى جانب زميله هزاع المنصوري، كما أنه أول عربي يخدم في محطة الفضاء الدولية.
إن الإمارات منذ أن كانت مجرد صحراء قاحلة، نادرة الموارد، وإنسانها يعيش بالمدافعة والصبر والحلم، ويسعى بكل ما يستطيع ليستحق الحياة التي يطمح لها والبشارات التي ينتظرها.
فجاء زايد البشارة الأولى، ومعه جاء راشد الكبير صاحب الإنجازات والبصيرة التي لا حدود لها، ومعهما كان الآباء المؤسسون رفاق الفكرة وسند الوحدة والاتحاد، فسبقوا الواقع بالحلم وتحدوا المعطيات بالإرادة، فأسسوا دولة راهنت على إنسانها وإنسانيتها قبل أي شيء آخر.
قضى سلطان النيادي ستة أشهر كاملة في فضاء مطلق في مهمة لا تبدو بسيطة ولا عادية أو حتى متخيلة، في محطة فضائية عبارة عن مختبر معلق في الفضاء يشغله فريق دولي من العلماء في مدار يبعد 390 كيلومتراً عن سطح الأرض.
هذه المحطة هي المشروع العلمي والتكنولوجي الأكثر تعقيداً على الإطلاق في تاريخ استكشاف الفضاء، وإن انضمام سلطان النيادي إلى فريقها إنجاز لا يتفوق عليه إلا مولد دولة الإمارات، وانطلاقتها عام 1971 من نقطة غير معلومة في الصحراء إلى نقطة فارقة في الفضاء تبعد عنا بمسافة 390 كيلو متراً.
أما ماذا قدم سلطان للبلد والبشرية كما يتساءل أحدهم؟ فإنه قدم دليلاً ساطعاً على ما تفعله الإرادة وكيف تغير المصائر، وإن الريادة والعلم والتفوق ليست حكراً لأمة أو شعب بعينه، كما قدم القدوة لأجيال تنظر إليه اليوم كنموذج للسعي، لأن يكون شبابنا رجالاً، علماء ورواد معرفة وفضاء وليسوا جيوشاً من المطربين والراقصين والتافهين كما يراد لهم، أقدم على كسر الإطار وكبّر الصورة وأعلى من سقف التوقعات وأجرى مع زملائه أكثر من 200 تجربة علمية.