عاشق لأرض بلاده الطيبة، يراها بعيون مختلفة، ويستكشف – بشغف – كنوزها الخفية التي لا يعرفها كثيرون، سواء كانت فوق قمم الجبال أو بين الأودية البعيدة، ولا يكتفي بذلك، إذ يسعى لفتح أنظار الجميع على هذه النباتات الجميلة، والبيئة المتنوعة الثرية.. إنه الباحث سلطان عبدالله البلوشي، الذي يعد من الوجوه الإماراتية البارزة في ميدان الاهتمام بالبيئة في دولة الإمارات، إذ استطاع من خلال تجربته الرائدة في مجاله، أن يجمع بين شغف الطفولة بالطبيعة ودقّة التخصص العلمي في الجغرافيا ونظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بُعد، إلى جانب علم الأحياء البيئية والتنوع البيولوجي، في الوقت الذي تحفل مسيرته العلمية بمشاريع عدة، وضع من خلالها اسمه في سجل الابتكار بحصوله على براءة اختراع لنظام ري مبتكر بالتنقيط، يعتمد على ثاني أكسيد الكربون، في خطوة تعكس التزامه بالحلول المستدامة لمواجهة تحديات التغير المناخي وشح المياه.

لم تتوقف جهود البلوشي عند حدود المختبر والمشاريع البحثية، بل امتدت إلى وسائل الإعلام والتواصل المجتمعي، لتسهم في نقل صورة الحياة الطبيعية الغنية في الإمارات إلى جمهور أوسع، كما اختير مؤثراً بيئياً في «إكسبو 2020 دبي»، ليقدم نموذجاً مشرفاً لشباب الوطن الذي جعل من البيئة رسالة علمية وإنسانية لا تنفصل عن هويته، وأسلوب حياة، والتزاماً مجتمعياً.

تخصص وشغف

وفي مستهل حواره مع «الإمارات اليوم»، توقف سلطان البلوشي عند تخصصه في علوم الجغرافيا، وتركيزه على مسار نظم المعلومات الجغرافية (GIS) والاستشعار عن بُعد، إضافة إلى علم الأحياء البيئية والتنوع البيولوجي، مضيفاً: «تبلور شغفي بالبيئة والطبيعة من خلال دراساتي وأبحاثي التي تميزت بمزيج فريد من المهارات الأكاديمية والعملية، إلى جانب اهتمامي بالحياة الفطرية في دولة الإمارات، والنباتات المحلية واستخداماتها قديماً، وتركيز نشاطي على دراسة البيئة وتأثيرات التغير المناخي، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الأبحاث البيئية».

وأكمل: «على مدار مسيرتي العلمية، شاركت في العديد من المشاريع البحثية المميزة، بما في ذلك إنتاج خريطة عالية الدقة لتصنيف الغطاء الأرضي واستخدامات الأراضي لدولة الإمارات عن طريق صور الأقمار الاصطناعية، ودراسة تخزين الكربون في التربة والنباتات المحلية في البيئات الصحراوية لدولة الإمارات، فضلاً عن تقدير المادة العضوية في التربة باستخدام صور الأقمار الاصطناعية، إلى جانب حصولي على براءة اختراع لنظام ري مبتكر بالتنقيط، ما يبرز التزامي بابتكار حلول مستدامة، وتوظيف التكنولوجيا والبحث العلمي لمعالجة التحديات البيئية».

من البدايات

واسترجع الباحث الإماراتي ذكريات طفولته الجميلة بين أحضان الطبيعة، وولادته في المنطقة الشرقية، في قرية تحيط بها المزارع والجبال، قبل انتقاله إلى المدينة مع والديه. واستطرد: «كنت أعود للمكان لأظل مع جدتي وجدي في الإجازات الصيفية، وقتها كنت حريصاً على الذهاب يومياً إلى مزرعة مشياً على الأقدام لحبي للاستكشاف، ومراقبة النباتات من حولي والأشجار والكائنات الصغيرة والطيور، لمحاولة التعرف إلى أنواعها، ومراقبة سلوكها وكيفية تأقلمها مع البيئة المحيطة بها».

وأكد أن الطبيعة علّمته الصبر والقدرة على التكيف، فقد كانت رحلاته في الطبيعة ليس مجرد استكشافات، بل مغامرات مليئة بالتعلم والتحديات: «أزور عادة المناطق الجبلية والأودية، لأنها دائماً ما تتميز بالنباتات العطرية الطبية والمزهرة النادرة التي تختبئ في زوايا الجبال، ولها قيمة ثقافية واجتماعية في الإمارات».

وتابع: «من النباتات النادرة والجميلة التي وجدتها زهرة الأوركيد الجبلية، التي تعتبر الوحيدة من نوعها في منطقتنا، وقد كانت رؤيتها تنمو في بيئتنا القاسية تجربة استثنائية، زادت من احترامي للطبيعة وقدرتها على التكيف، كما كنت أبحث عن نوع آخر نادر من النخيل القزم يسمى (الغضف)، لا ينمو إلا في عمق المناطق الجبلية الجافة والأودية، وقد كانت سعادتي لا توصف بالعثور عليه ورؤيته في الواقع لأول مرة، بعد أن رصدت مجموعات عدة في مناطق متقاربة ومختلفة».

مراقبة من الفضاء

لم يكتف البلوشي بالجبال والأودية، فقد أراد أن يرى الأرض بعيون مختلفة، ووجد في صور الأقمار الاصطناعية وسيلة جديدة للإبحار في تفاصيلها، فمن الفضاء يراقب التغيرات في الغطاء النباتي، وتجمعات المياه، وحتى آثار التغير المناخي.

وقال: «مراقبة الأرض من الفضاء واحدة من أكثر التجارب إلهاماً في حياتي، فمن خلال استخدام صور الأقمار الاصطناعية، أستطيع رؤية كيفية تغير الأراضي مع الزمن، سواء بسبب النشاط البشري، مثل التمدد العمراني والتطور، أو العوامل الطبيعية، مثل الجفاف والتصحر والفيضانات، ولدي مجموعة من الصور التي التقطتها من الفضاء، مثل مزارع القمح في منطقة مليحة أثناء وبعد حرث واخضرار محصول القمح، تظهر فيها أقراص دائرية خضراء على بعد مئات الكيلومترات من سطح الأرض. وفي صور أخرى، نرى تجمعات المياه في السدود بعد الأمطار، وأخرى الغطاء النباتي في الجبال أثناء فترة الربيع».

خطوة الـ«سوشيال ميديا»

وحول جهوده في التوعية البيئية، أكد البلوشي اهتمامه بذلك على منصات الـ«سوشيال ميديا» لتوسيع نطاق الوعي على مختلف فئات جمهورها.

وأوضح: «أسعى دائماً لإبراز الحياة الفطرية الغنية لدولة الإمارات للمشاهدين، كما تم اختياري مؤثراً بيئياً في إكسبو 2020 دبي، لتمثيل الجانب البيئي والمستدام للحدث، فمن خلال مقاطع فيديو تثقيفية وزيارات ميدانية في مدينة إكسبو والأجنحة المستدامة، نجحت في إيصال رسائل توعية حول أهمية الاستدامة وحماية البيئة».


ذاكرة النباتات

بحب يروي الناشط البيئي سلطان البلوشي قصص بعض النباتات وذكرياته معها، قائلاً: «أثناء رحلات بحثي، اكتشفت قصصاً مذهلة لنباتات فوق سفوح الجبال، وواحدة من النباتات التي تحمل معنى خاصاً لي (نبتة الجعدة) أو كما تُعرف بـ(الياعدة)، وهي نبات عطري طبي كانت جدتي تستخدمه كثيراً في علاج بعض الأعراض المرضية. اليوم، كلما أذهب إلى الجبال خلال مواسم الإزهار، أقطف منها لجدتي، وأيضاً لأمهات أصدقائي، إذ إن ارتباطي بهذه النبتة يذكرني بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة التي لطالما كانت مصدراً للغذاء والشفاء».

حصل على براءة اختراع لنظام ري مبتكر بالتنقيط، يعتمد على ثاني أكسيد الكربون، في خطوة تعكس التزامه بالحلول المستدامة لمواجهة تحديات التغير المناخي وشح المياه.

مراقبة الأرض من الفضاء واحدة من أكثر التجارب إلهاماً في حياة البلوشي، فمن خلال استخدام صور الأقمار الاصطناعية، يستطيع رؤية كيفية تغير الأراضي مع الزمن.

سلطان البلوشي:

. شاركت في مشاريع علمية مميزة، بما في ذلك خريطة عالية الدقة لتصنيف الغطاء الأرضي واستخدامات الأراضي للدولة عن طريق صور الأقمار الاصطناعية.

. من النباتات النادرة التي وجدتها زهرة الأوركيد الجبلية، وكانت رؤيتها تنمو في بيئتنا القاسية تجربة استثنائية زادت من احترامي للطبيعة.

شاركها.
Exit mobile version