في عمر لم يتجاوز الـ21 تضيء دانة الكثيري سماء الإبداع الإماراتي لتغدو وجهاً من أبرز الوجوه الموسيقية الواعدة التي نجحت في دمج شغفها بالموسيقى وتخصصها الأكاديمي في مجال إدارة الوثائق وعلوم الأرشيف، لتعزف بالبرقع والزي الإماراتي أمام جمهور عالمي معزوفات دمجت فيها الموسيقى بالتراث والهوية الوطنية، ولتصبح أول طالبة إماراتية توظّف الفن في رواية جوانب تاريخ وطنها الإمارات، وذلك من بوابة مقطوعات موسيقية تستلهم من ذاكرة الوطن وإرث روّاده، ما يجعلها اليوم أصغر مؤلفة موسيقية تتوّج بجائزة أبوظبي للثقافة والفنون والإبداع 2024، وأول مؤلفة موسيقية إماراتية تراهن على أن الموسيقى يمكن أن تكون أداة لتوثيق التاريخ.

مرحلة البداية

في مستهل حديثها لـ«الإمارات اليوم» توقفت دانة عند بدايات تعلقها المبكر بالموسيقى، قائلة: «بدأ شغفي منذ طفولتي ودراستي في مدارس وزارة التربية والتعليم، التي فتحت لي فيها حصص الموسيقى أبواب عالم آخر اكتشفت فيه أولاً تعلقي بآلة (الأورغ)، ومن ثم آلة (البيانو) التي لفتت انتباهي». وتابعت «مازلت أتذكر جيداً ملاحظة والدي ميلي آنذاك للعزف والموسيقى، واهتمامي وأنا صغيرة باقتناء بيانو من أحد محال الألعاب، الذي لم يكن مجرد لعبة بالنسبة لي، بل أداة للتعبير عن شغفي».

وأضافت دانة «مع مرور الوقت، بدأت عبر مقاطع الفيديو المتوافرة على (يوتيوب) بتعلم العزف لوحدي، قبل أن تتوافر لي فرصة الالتحاق ببرامج وزارة التربية والتعليم ومبادرة (روائع)».

تشجيع ودعم

ورغم أن دانة لم تكن راغبة بالبداية في الانضمام إلى البرنامج الموسيقي المتكامل، فإن والدها أصرّ على تشجيعها ودفعها لحضور الحصص النظرية وتجارب العزف الجماعي، لتغدو في ما بعد أبرز خريجات «سفراء روائع»، قائلة: «شاكرة وممتنة جداً لوالدي الذي اكتشف موهبتي وكان له الفضل الأكبر في دعمي ومساندتي في رحلتي الفنية إلى اليوم، في الوقت الذي أسهم هذا البرنامج في مساعدتي على تطوير تجربتي الفنية والموسيقية، فمن خلاله سافرت في عام 2019 إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في عرض موسيقي في مدينة سانت لويس بولاية ميسوري، والعزف بشكل منفرد لجمهور دولي كبير»

قصة وطن

رغم تحديات جائحة «كوفيد-19»، لم تتوقف دانة عن العزف، بل وسّعت آفاق تجربتها الفنية لتستوعب أبعاداً إنسانية وثقافية جديدة تنتصر للتراث والهوية الوطنية، في عروض مثل «معرض البدو» في عام 2022، الذي ظهرت فيه دانة بزيها التراثي الأصيل لعزف مقطوعات مستوحاة من أشعار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ثم عزفت دانة في النسخة الـ34 للأولمبياد الدولي للأحياء الذي نظمته وزارة التربية والتعليم بالشراكة مع جامعة الإمارات، بحضور أكثر من 80 دولة، معلقة: «قدمت بالبرقع والزي الإماراتي وأمام جمهور عالمي كبير معزوفة غربية مشهورة، فيما كانت هذه المناسبة أول فرصة أدمج فيها الموسيقى بالتراث والهوية الوطنية، وأنطلق في خطوة توظيف الأرشيف في تجربتي الموسيقية».

«إرث المؤسس»

أكدت دانة أن نضوج هذه الفكرة تزامن مع تعاونها مع الأرشيف والمكتبة الوطنية لتأليف أولى مقطوعاتها الأصلية «إرث المؤسس» في عام 2024، والتي استلهمتها من جهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تشجير أراضي الإمارات وصون البيئة، قائلة: «بحثت في الأرشيف عن لقطات صوتية وتاريخية للمغفور له الشيخ زايد، ثم قمت بدمجها مع مقطوعتي لتُشكل عملاً موسيقياً يوثق لمرحلة مهمة من تاريخ الإمارات ووسيلة لسرد قصة الوطن بعمق وجداني فريد»، وتابعت دانة «بعد أن فازت هذه المقطوعة بجائزة الإبداع من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، شاركت بها في مهرجان أبوظبي 2025، قبل أن تمثل بلدي في معرض (إكسبو أوساكا 2025 في اليابان)، الذي عزفت فيه أمام جمهور دولي في 19 سبتمبر 2025، وهو اليوم الذي خصص للإمارات في هذا المعرض الدولي الكبير». وأكدت أنها عاشت لحظات مؤثرة جداً شعرت في ظلها بمسؤولية وطنية كبيرة أمام العالم حين عزفت «إرث المؤسس»، وبعض مقطوعات من أشعار المغفور له الشيخ زايد أمام حضور عالمي كبير.


صوت التسامح

تتذكر دانة بفخر وحماسة مشاركتها الأولى في أول عرض موسيقي قائلة: «شاركت في عام 2019 في العرض المسرحي الموسيقي الكبير (صوت التسامح)، الذي أقيم في مسرح (لا بيرل) في مدينة الحبتور دبي، وكان العرض تحت رعاية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وحضور الفريق سموّ الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وتنظيم وزارة التربية والتعليم، بهدف استكشاف وتأهيل ورعاية أصحاب المواهب الفنية من طلاب وطالبات المدارس»، مضيفة «كانت تلك المشاركة البداية الحقيقية لعلاقتي الوطيدة مع العروض الموسيقية والمسارح».


أوركسترا إماراتية

تحدثت عازفة البيانو المؤلفة الموسيقية وطالبة السنة الأخيرة بجامعة السوربون أبوظبي دانة الكثيري، عن المستقبل قائلة: «أحلم بتأسيس أوركسترا إماراتية تقدّم مؤلفاتي الموسيقية، وتشارك في أهم وأكبر مسارح العالم، لإيصال صوت الإمارات وهويتها الثقافية عبر النغم».

. بحثت في الأرشيف عن لقطات صوتية وتاريخية للمغفور له الشيخ زايد، وقمت بدمجها مع مقطوعتي لتُشكل عملاً موسيقياً يوثق لمرحلة مهمة من تاريخ الإمارات.

شاركها.
Exit mobile version