تحتل التمور في التراث الإماراتي مكانة مميزة، ليس فقط باعتبارها غذاءً مفيداً وغنياً بالعناصر الغذائية، فهذه الثمار اللذيذة كانت منذ زمن طويل رفيقة العربي في حله وترحاله، وهي نتاج الشجرة الأم التي شكلت أحد أعمدة الحياة الاقتصادية قديماً.
ومازالت للتمور مكانتها، سواء من الناحية الاجتماعية كرمز من رموز الكرم وحسن الضيافة وجزء أصيل من العادات والتقاليد العربية العريقة، أو من حيث قيمتها الاقتصادية، إذ تعد الإمارات من الدول الرائدة في إنتاج التمور، وتضم العديد من الصناعات المرتبطة بها، مثل صناعة الحلويات والمخبوزات والمشروبات، ما يسهم في تنويع مصادر الدخل، إضافة إلى الصناعات الإبداعية التي ترتبط بالنخيل ومنتجاته، وتجمع بين الطابع التراثي والذوق العالمي. كما تلعب المهرجانات التراثية والثقافية المرتبطة بالتمور دوراً مهماً في جذب السياح من مختلف أنحاء العالم.
في الأمثال الشعبية
مكانة التمور في الثقافة الاجتماعية ومجتمع الإمارات قديماً انعكست في مظاهر مختلفة، من أبرزها الأمثال الشعبية التي اعتاد الناس من خلالها تسجيل ملامح الحياة اليومية والمعتقدات والعادات والممارسات السائدة في المجتمع، لذا سجلت الذاكرة الشعبية عدداً كبيراً من الأمثال المتوارثة عن النخلة ومنتجاتها المختلفة.
ولأن التمر رمز للضيافة العربية مع القهوة العربية، فقد جسّد المثل الشعبي «التمر قناد الدلة» هذه العلاقة، فالقهوة لا تستساغ من دون التمر، وهما شيئان متلازمان، رغم اختلاف طعمهما، فالأولى مرّة، والثاني حلو، إلا أن وجودهما بجوار بعضهما بعضاً ضرورة في كل مجلس، ويضرب المثل للشيئين المتلازمين اللذين لا غنى لأحدهما عن الآخر.
ومن أشهر الأمثال المرتبطة بالتمور: «اللي ما يزرع الدباس ما ياخذ بنات الناس»، ويُقال لتأكيد ضرورة العمل والاجتهاد حتى يحصل الإنسان على الرزق، وكذلك يشير إلى أن التمر عامل اقتصادي، ومن يمتلكه شخص قادر على تحمل مسؤولية أسرة ورعايتها وتوفير احتياجاتها.
وتذكر الأمثال أنواعاً أخرى من التمور، منها الخلاص الذي يعد من أفضل أنواع التمر، فيقول المثل: «حتى في الخلاص حشفة»، دلالة على الذين لا يوفون بوعودهم، ويترددون رغم كلامهم الحسن، فحتى أجود التمور توجد فيها ثمار جافة.
أما الشخص الذي يرى عيوب الآخرين ولا يرى عيوب نفسه، أو يركّز على أخطاء الآخرين ويتجاهل أخطاءه الخاصة، فيصفه المثل: «شايف العذج في أمه». بينما يحث المثل «من كلّ تمرة حمد أمره» على شكر المعروف والاعتراف بفضل أصحاب الفضل. ويعبّر مثل «لو التمر عند البدو ما باعوه» عن حب البدو الشديد للتمر، وتقديرهم لقيمته الغذائية والاقتصادية، حيث يعتبرونه غذاءً أساسياً.
جزء من التطور
وفي ظل التطور الكبير الذي شهدته دولة الإمارات خلال مسيرتها في القطاعات كافة، حافظ التمر على مكانته المميزة، بل أصبح جزءاً من هذا التطور، وانتقل من الموروث إلى العالمية عبر تسجيل النخلة وعاداتها ومعارفها المرتبطة بها في قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في عام 2019.
كما تشهد الدولة العديد من المهرجانات والفعاليات الخاصة بالتمور والرطب التي تهدف إلى الاحتفاء بالنخيل كجزء من الإرث الإماراتي، والتشجيع على زراعته والاهتمام به، وكذلك غرس الوعي و«السنع» المرتبطة بالنخيل والتمور في نفوس الأجيال الجديدة، وتشهد هذه المهرجانات إقبالاً كبيراً من الزوار من المقيمين والسياح من مختلف الجنسيات.
ومن أبرز هذه الفعاليات: مهرجان ومزاد ليوا للرطب، ويقام في مدينة ليوا بمنطقة الظفرة، وشهدت الدورة الـ21 من المهرجان التي أقيمت في يوليو الماضي 24 مسابقة، منها 12 مسابقة لمزاينات الرطب لفئاته المختلفة، ويبلغ مجموع جوائز المهرجان أكثر من 8.735 ملايين درهم. ونظمت الدورة الأخيرة خلال الفترة من 14 إلى 27 يوليو الماضي في منطقة الظفرة، واستقطبت نحو 144 ألفاً و685 زائراً.
«حلوة دبي»
واستطاعت فعاليات «دبي للرطب» التي ينظّمها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، منذ انطلاقتها في 2024، أن ترسّخ مكانتها كمبادرة سنوية تجمع بين روح التراث وابتكار المستقبل، وحظي المهرجان في دورته الثانية التي اختتمت أخيراً، بزيارة سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، إذ وجّه سموّه بمكرمة بقيمة مليون درهم دعماً للمشاركين في المهرجان، تقديراً لدورهم في إحياء الموروث الوطني والمحافظة عليه.
كما شهدت هذه الدورة إطلاق شوط جديد خاص بصنف «حلوة دبي»، وهو من الأنواع النادرة التي خضعت للاستنساخ في المختبرات، وأصبحت متاحة للراغبين من خلال عدد من الجهات المتخصصة، مثل جامعة الإمارات، والمختبرات الزراعية الوطنية.
بين الوثبة والعين
هناك أيضاً مهرجان الوثبة للتمور الذي أقيمت دورته الثانية في فبراير الماضي بمنطقة الوثبة، ومهرجان العين للتمور الذي يسلّط الضوء على النخلة ومكانتها في التاريخ العربي، وعلى الأهمية التاريخية لمدينة العين التي تشتهر منذ القدم بالنشاط الزراعي، وعرفت زراعة النخيل منذ أقدم العصور. وحرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على دعم وتطوير النشاط الزراعي فيها، لتحيي إرثاً زراعياً يمتد لآلاف السنين، إذ شهدت بفضل جهوده نهضة زراعية شاملة، أدت إلى زيادة أعداد أشجار النخيل فيها حتى تجاوزت الملايين.
واستقطبت الدورة الأولى من المهرجان التي أقيمت في يناير الماضي بتنظيم من هيئة أبوظبي للتراث في واحة الهيلي بالعين، أكثر من 40 ألف زائر على مدى ستة أيام، وشهد مزاد التمور اليومي خلال فترة المهرجان استقبال أكثر من 12 ألف كغم من التمور، بعدد 3663 صندوقاً، وبلغت القيمة الإجمالية للمبيعات أكثر من مليون درهم.
ليوا عجمان
شهدت الفترة من 30 يوليو الماضي إلى الثالث من أغسطس الجاري تنظيم فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان «ليوا عجمان للرطب والعسل»، الذي نظمته دائرة التنمية السياحية في الإمارة، وشهد مشاركة عربية وخليجية واسعة، في مقدّمتها المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والأردن ومصر، إضافة إلى نخبة من المشاركين من الجهات الحكومية والخاصة، ما يرسّخ مكانة المهرجان منصة إقليمية رائدة.
كما أقيمت النسخة التاسعة من «مهرجان الذيد للرطب» خلال الفترة من 23 إلى 27 يوليو الماضي بمركز إكسبو الذيد، بمشاركة كبار مزارعي النخيل ومنتجي الرطب على مستوى الدولة.
• 2024 انطلقت «دبي للرطب» التي اختتمت دورتها الثانية أخيراً.
• 8.735 ملايين درهم، مجموع جوائز «ليوا للرطب» في نسخته الماضية.
• صناعات إبداعية عدة ترتبط بالنخيل ومنتجاته، وتجمع بين الطابع التراثي والذوق العالمي.
• 40 ألف زائر على مدى 6 أيام خلال مهرجان العين للتمور.
• الذاكرة الشعبية سجلت عدداً كبيراً من الأمثال المتوارثة عن النخلة ومنتجاتها المختلفة.