تعكس قصة الإماراتية حمدة الصيعري نموذجاً إنسانياً فريداً للتحدي والصبر والعزيمة القادرة على تحويل المحن إلى فرص استثنائية للنجاح والتميز، وذلك بعد أن نجحت عقب أزمتها الصحية الخطيرة في لملمة نفسها، وإعادة بناء روابطها بالعالم واستعادة صوتها الذي انقطع فجأة، مترجمة نهمها بهذه العودة الجديدة إلى الحياة بالاجتهاد والبحث والتعلم، وتحويل فرحتها باسترداد صوتها المفقود إلى علم ثم تخصص ورسالة ومشروع حمل عنوان «فن التأثير بالصوت»، نجحت من خلاله في تغيير حياة الكثير من الناس ورفع سقف توقعاتهم من «أصواتهم».

محنة وتغيير

في بداية حديثها لـ«الإمارات اليوم» أكدت الصيعري: «منذ خمس سنوات وفي عامٍ فارق من حياتي توقّفت رئتاي عن العمل وفقدت القدرة على التنفس، فوضعت لمدة طويلة في العناية المركزة على جهاز تنفس اصطناعي وغبت تماماً عن الوعي». وتابعت: «خلال تلك الفترة لم يكن يبلغني من العالم من حولي إلا تلك الخطوات المسرعة وأصوات الأجهزة وهمسات أطباء لا أفهمها، فيما لم أكن أقدر على الحركة أو الرؤية أو الكلام، فقد غصت في ظلمة لا تشبه الليل، وكان صوتي محبوساً في عزلة لا نهاية لها إثر غيابي الكامل آنذاك عن الحياة، ولكنني وسط هذه العزلة كنت أسمع صوت أمي، تبكي وتدعو وتناديني».

بعد فترة ليست بالوجيزة فتحت الصيعري عينيها وكتب لها الشفاء، وقالت: «خرجت من المستشفى بروح تائهة وجسد منهك، وعلى الرغم من السند العاطفي الذي قدمته لي عائلتي وزوجي، إلا أنني شعرت بغربة كبيرة، وأصبت بخوف دائم من عدم قدرتي على التنفس مجدداً، فانطلقت في رحلة بحث عن أي وسيلة تساعدني على استعادة تنفسي المفقود ونفسي التائهة، إلى أن رأيت إعلاناً عن تجربة (التنفس البطني)، فبادرت بالتسجيل في هذه الدورة التي كانت نقطة التحول الكبرى في حياتي»، معلقة: «لم أكتف بدواء الأطباء، ولا بالعيش على بخاخ يُبقيني معلّقة بين الحياة والاختناق، فبدأت أبحث وأسعى، وأتدرّب يومياً لأستعيد حقي في الشهيق والزفير بلا خوف».

رحلة الصوت

وتتابع الصيعري، الحاصلة على الماجستير في إدارة الأعمال، أن رحلتها مع التدريب الصوتي انطلقت مع تمارين التنفس التي دأبت عليها، والتي قادتها في وقت لاحق إلى اكتشاف قدرتها على استعادة صوتها قائلة: «مع كل نفس كان صوتي يتغير ليصبح أقوى، ومن هنا بدأت رحلتي مع الصوت الذي درسته بفضول واهتمام وإصرار على التعلم من المتخصصين حول العالم، ثم التجربة والتدريب المستمرين وصولاً إلى حصولي على شهادة التدريب الدولي المعتمد في الصوت وتأسيس مركز (فويس آرت) للتدريب الذي يحمل الناس في رحلة فريدة لاستكشاف أصواتهم؛ جمالياتها، وقوتها وتأثيرها، ليرتقوا من ثم بتأثيرها وبصمتها الفارقة في حياتهم».

رؤية مجتمعية

وفي سياق حديثها عن قوة تأثير الصوت، لفتت الصيعري: «قبل تجربة (فويس آرت) كنت أظن أن تدريب الصوت لا يستخدم إلا في مجال الغناء أو في مجالات الإعلام وأعمال الدبلجة، إلا أنني اكتشفت مع التجربة أن الصوت بصمة شخصية قوية ومؤثرة وقادرة فعلياً على تغيير حياة الكثيرين، وهذا ما حاولت تجسيده من خلال الاتجاه نحو إدماج تجارب الصوت في حياتنا اليومية لما لمسته من تجاربي الشخصية مع المتدربين من تأثير على واقع الناس، والدلائل هنا كثيرة في تأثير تدريب الصوت على علاقة عدد من الأمهات مع أبنائهن، أو مع أزواجهن الذين باتوا أكثر إصغاء لهن، أو في بيئات العمل التي بات فيها البعض أكثر تأثيراً على زملائه وتقديراً من مسؤوليه وصولاً إلى ارتقائه وظيفياً، أو أن يظفر كفيف بفرصة عمل أو اندماج شخص يعاني من تحديات التأتأة أوالرهاب الاجتماعي أو حتى ذوو الأمزجة العصبية وغيرهم بشكل أفضل في المجتمع».

وتابعت: «الصوت نعمة يستخدمها الكثير من الناس للأسف بشكل عشوائي، في الوقت الذي تمكننا هذه النبرات الصوتية نفسها إذا أتقنا طريقة استخدامها بالشكل الأنسب من بلوغ أهدافنا بأقل جهد ممكن، عبر تعليم البعض على سبيل المثال طرق الحزم والوضوح دون رفع الصوت أو كيفية تكريس نبرة الامتنان في الصوت أو استحضار الإحساس وغيرها من المشاعر التي أرى أنها تعيد تشكيل مفهوم الصوت في حياتنا؛ قيمته وأثره»، وهو الأمر الذي – حسب الصيعري- «لم يشهد إلى حد اليوم الاهتمام الذي يستحقه، والذي ننشغل بتجسيده، انطلاقاً من تجارب مختلف الفئات الاجتماعية التي نستقبلها في المركز».

مسؤوليات والتزام

إلى جانب التدريب، تنشغل الصيعري حالياً بتطوير تجاربها والحصول على دبلوم متخصص في اضطرابات النطق، للتخصص بعمق أكثر في مجال التأتأة الذي أكدت أنه معضلة اجتماعية كبيرة وحاجز أمام اندماج أصحابه في المجتمع، مؤكدة اعتناءها بفئة أصحاب الهمم الذين تدربهم بشكل مجاني انطلاقاً من قناعتها بأن الصوت بالنسبة لهم حياة، وأنه قادر على معالجة عدد من الاضطرابات الاجتماعية والنفسية المتنوعة.

«نبرة»

نجحت الصيعري في إثراء تجربتها في المجال عبر إطلاق كتابها «صوتك بصمتك» الذي اعتبرته رحلة عملية وشخصية لفهم قوة الصوت وتوظيفه في الحياة اليومية والمهنية، وصولاً إلى كتابها الثاني «نبرة» الذي يركز على فن النبرة السابقة للكلمات والمعاني.

حمدة الصيعري:

• لم أكتفِ بدواء الأطباء، ولا بالعيش على بخاخ يُبقيني معلقة بين الحياة والاختناق، فبدأت أبحث وأسعى، وأتدرّب يومياً لأستعيد حقي في الشهيق والزفير بلا خوف.

شاركها.