لم يتوقع المصور الإيطالي جيانلوكا جيانفيراري، أن تحمله لقطة واحدة إلى منصة التتويج والفوز بجائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي الكبرى، في الدورة الـ14، والتي حملت عنوان «القوة».
جيانلوكا جيانفيراري، وهو في الأساس موظف بأحد البنوك، قادته رحلة مع أحد الأصدقاء خلال إجازة في صقلية إلى التقاط صورته المتوَّجة، وكان هدفه توثيق بقايا ثوران بركان إتنا.
وفازت الصورة التي وثق فيها جيانلوكا مشهداً لبركان إتنا في صقلية، وتظهر فيه شظايا اللهيب والحمم المتوهجة، وهي تتناثر على صفحة من الثلج الأبيض النقي، ما شكّل مشهداً آسراً محملاً بالمتضادات الساحرة التي رسمتها الطبيعة، بعد أن طارد هذه اللحظة سنوات، بحثاً عن هذا القدر من الدهشة والجمال.
كواليس الصورة
استهل الإيطالي جيانلوكا جيانفيراري، حديثه لـ«الإمارات اليوم»، برواية كواليس الصورة التي وثقت البركان وانتزعت الجائزة الكبرى، قائلاً: «التقطت الصورة في بداية ديسمبر من عام 2023، ولطالما تملكتني رغبة التقاط صور البراكين، وقصدت العديد من البلدان لهذا الغرض، ومنها آيسلندا، ولكن تصوير البراكين يتطلب الوجود في الوقت المناسب، وأحياناً الزمن الذي يحتاجه الوصول يمنعني من الوجود في اللحظة المناسبة».
ولفت إلى أنه بعد وصوله إلى صقلية سمع بعض الأصوات التي تشبه الهزات الأرضية، فأخذ الكاميرات وتوجه إلى مكان البركان، واضطروا إلى تغيير مكان التقاط الصور بسبب الشظايا أو الفتات البركاني المتطاير بفعل الرياح، موضحاً أنه اتجه إلى موقع آخر لالتقاط صور البركان، وهناك التقط الصورة التي فازت، ولم تكن من مسافة قريبة بسبب قطع الشرطة للطرق، حفاظاً على معايير الأمان. وأشار إلى أنه عندما تم الإعلان عن «القوة» ثيمة للدورة الـ14 من الجائزة، اختار هذه الصورة بالذات، إذ وجدها تعبر عن القوة، مبيناً أنه اختارها من بين مئات الصور التي التقطها، لأنها تتمتع بالشكل المثالي من ناحية تقسيم المشهد الذي يجمع ثوران البركان والثلوج.
لم يتوقع جيانفيراري الفوز بالجائزة على الإطلاق، وأشار إلى أنه كان راضياً عن الصورة التي قدمها للجائزة بشكل كبير، لاسيما أنه أمضى سنوات في مطاردة اللحظة، إلى أن نجح في التقاط الصورة من المكان المناسب وفي التوقيت المثالي، موضحاً بأنه كان سيشعر بالسعادة لمجرد أن يكون ضمن الفائزين، وقال: «حتى هذه اللحظة لا أصدق أنني فزت بهذه الجائزة العالمية المرموقة التي لا تقارن بغيرها من الجوائز».
عبّر جيانفيراري عن رغبته في عيش هذه اللحظة من السعادة، دون التفكير في المستقبل، مشيراً إلى أن الفوز سيمنحه بلا شك الدافع والقوة على المواصلة في مجال التصوير وتقديم ما هو أفضل، لاسيما أنه لا يقوم بالتصوير على نحو يومي، بل يختار رحلات التصوير من مرة إلى مرتين في الشهر فقط، لأنه يحتاج إلى تقديم ما هو أفضل في كل مرة، وهذا ليس سهلاً طالما أنه يعمل في وظيفة يومية.
هواية تحولت الى هوس
ووصف المصور الإيطالي علاقته بالتصوير بكونها هواية تحولت الى هوس، إذ يعشق التعاطي مع التحديات والنجاح في تجاوز كل ما هو صعب في التصوير، وهذا ما يجعله يكسر حدود المألوف وينتقل من تجربة إلى تجربة. وشدد على أنه بالطبع خضع للدورات التدريبية، ويسعى باستمرار إلى تحديث المعدات التي يستخدمها في مجال التصوير، مشيراً إلى أن التقنيات الحديثة باتت مساعدة جداً للمصور.
تعتبر الطبيعة من المواضيع التي يهتم جيانفيراري إلى توثيقها، فضلاً عن تصوير الطيور والحيوانات، موضحاً أنه بدأ بالتصوير التجريدي وكذلك المعماري، فيما الحياة اليومية والناس ليست من المجالات التي تلاحقها عدسته على نحو كبير.
وأشار إلى أنه يحضر لرحلاته التصويرية، إذ يمنح التحضير نسبة 90% من العمل، مؤكداً أنه يبدأ بوضع الفكرة التي يريد توثيقها، وبعدها يختار الموقع المثالي لالتقاط الصور، ثم يدرس العوامل المرتبطة بالجغرافيا والطقس والمعدات التي يحتاجها، موضحاً أنه بعد ذلك يبحث عن صور مشابهة قد التُقطت ليعرف ما يمكن توقعه، إذ من الممكن أن يستغرق التحضير وقتاً طويلاً جداً، وتكون النتائج مغايرة للتوقعات. ولفت إلى أن أفضل صورة التقطها استغرقت منه محاولات متواصلة مدة سبع سنوات، مؤكداً أنه التقطها من قلعة، وهي تحمل ملامح الطبيعة التي ترصد الضباب على نحو مميز.
يتعامل جيانفيراري مع التصوير على أنه حاجة أساسية في حياته، فالتصوير يمنحه التوازن ويغذي العقل، وكذلك يمنحه صداقات لم يحصل عليها في الحياة اليومية، خصوصاً أنه خلال التصوير قد تمكن من إقامة صداقات مميزة توطدت مع الوقت، وباتت أساسية في حياته، مشيراً إلى أن العلاقات الإنسانية مهمة في الحياة، خصوصاً في ظل الحياة السريعة التي نعيشها، فالسعادة تأتي دائماً من المشاركة.
حماية الطبيعة
شدد جيانلوكا جيانفيراري على أن تصوير الطبيعة يحمل الكثير من التحديات، تتمثل في الصبر، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتقاط لحظات معينة أو كائنات بعينها، فالمصور خلال الرحلة لا يعرف إن كان سيعود مع الصورة المرجوة أم لا. ولفت إلى أن هذا النوع من التصوير يتطلب الكثير من التحضير المسبق، فلابد من فهم طبيعة الكائنات، مشدداً على أنه كمصور يحترم الطبيعة، ويتنازل عن الصورة المميزة إن كان التقاطها سيحدث أي ضرر للكائنات أو للطبيعة نفسها، إذ يرى أن الصورة المؤذية ليست انتصاراً يمكن الافتخار به.
. حتى هذه اللحظة لا أصدق أنني فزت بهذه الجائزة العالمية المرموقة التي لا تُقارن بغيرها من الجوائز.
