جميل جداً هذا الحفر المتأني والمتعمق في الثقافة ومكوناتها وفي التراث وتشعباته، والذي تحتفي به مبادرة أو معرض (بين ثقافتين) بإشراف وزارة الثقافة السعودية، حيث الحفر هنا يعني الدراسة والتأمل والاكتشاف في القواسم المشتركة التي تجمع بين ثقافات دول الخليج ببعضها البعض وبالعالم كله، ففي نهاية الأمر يعترف الجميع بأن العالم لن ينجو إلا بالتعايش السلمي، ولن يحقق مشاريعه التنموية الطموحة إلا في ظل الاستقرار والأمان، هذه حقيقة عرفها ويعرفها الإنسان جيداً نتيجة كل ما مر به طيلة تاريخه.

تشتغل دول الخليج ومنذ سنوات طويلة على تجربة تحرير الثقافة والتراث من كونها مجرد موضوع للفرجة، وكليشيهات مكررة للتسلية والعرض واستقطاب اهتمام الزوار والأجانب، لتتحول إلى موضوعات واهتمامات جادة تقود إلى نتائج حقيقية يستفاد منها على مستوى دراسات جادة، وكتب وحوارات نخبوية وجماهيرية، تعمل على تأكيد اليقين بقيمة القواسم المشتركة بين الثقافات، مستحضراً القول القرآني (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) حيث يشير لفظ ( تعارفوا ) إلى فعل يضمر حالة ضخمة من الحراك الإنساني الذي يمكنه أن يشمل العالم دون تمايزات عرقية أو دينية أو مادية أو طبقية اجتماعية.

إن ما يجمع الناس أكثر مما يفرقهم في الحقيقة، لولا جهود صناع الحروب المتربحين من وراء هذه الصناعة التدميرية، إلا أن لدى العالم اليوم أسبابه الكثيرة للبحث في كل ما يقرب شعوبه وأفراده ويوحدهم عبر الطريق الأكثر سلاسة وأماناً وهو الثقافة، فالتحديات الاقتصادية والأوضاع الأمنية وتدهور المناخ، وتردي منظومة القيم والأخلاق، وغيرها مما يهدد الوجود البشري والحضارة الإنسانية.

إن مبادرة وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية بشأن تنظيم ‫معرض (بين ثقافتين‬) يبحث في الثقافات حول العالم، تأكيدًا على أهمية الثقافة وصناعاتها كإحدى أقوى جسور التواصل الإنساني، وأن يسلط المعرض الضوء في نسخته الأولى على الثقافة السعودية والثقافة اليمنية والقواسم المشتركة بينهما لدليل على بعد النظر والاعتراف بعمق التاريخ وعامل الجغرافيا الأولوية، فتحية لهكذا مبادرات تصب في مجرى كل المبادرات المماثلة في المنطقة.

شاركها.
Exit mobile version