تغيرت نظرتي إلى أجهزة الاتصال والتقنيات الحديثة، من بعد كل الذي حدث في لبنان يومي الثلاثاء والأربعاء، انقلبت مشاعري من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، زال ذلك الحب الطاغي للهاتف المشحون والجاهز للقيام بمهامه الكبيرة، وأصبح الشاحن مثل العقرب تخاف من لدغته في أي لحظة، وأعدت ترتيب أوضاع كل ما يحيط بي، وأوصيت الذين يهمونني بفعل ما فعلت.
ليس جبناً أو خوفاً أو «فوبيا» جديدة أبداً، إنها ردة فعل طبيعية، ولا أعتقد أنها راودتني دون الآخرين، ولا نستثني أحداً منهم، فاليوم كلنا محاطون بالأجهزة والبطاريات والشواحن، وكلنا مررنا بتجارب مع سخونة الهاتف أو جهاز الكمبيوتر النقال أو «الآيباد» أو آلة الحلاقة، وكنا نمرر المسألة ونستهين بها، ولكن بعد الاستخدام القاتل من عصابات السياسة يجب علينا الحذر.
فتح بنيامين نتانياهو الباب على مصراعيه، وهو الأستاذ في فنون الإجرام، وقدم درساً مجانياً لعصابات الابتزاز والمتاجرة بالممنوعات وتهريبها، وفتح أعين القراصنة الذين يديرون الحرب السيبرانية منذ سنوات عبر الاختراقات وسرقة الحسابات وتزييف الهويات، ونتوقع أن تظهر إلى العلن قريباً تطبيقات وبرمجيات مشابهة لما تملكه إسرائيل وجربته ضد أتباع نصر الله.
المجرم يتبع المجرم، والعصابة تتبع أسلوب العصابات الأكثر تطوراً منها، والعالم بحاجة إلى حصانة من هذا الفكر الإجرامي، ومع اقتناعنا التام بأن هناك من وفر تقنية التفجير لإسرائيل، لا نأمل تحركاً دولياً من الكبار أو من الأمم المتحدة المغلوب على أمرها، لهذا ستكون الحصانة ذاتية، كل دولة تتخذ من الإجراءات القانونية ما يحميها ويحمي مواطنيها، تماماً كما فعلت الدول في الجانب الغذائي والدوائي.
ووفرت أجهزة وطنية للرقابة والفحص، ومطابقة المعايير قبل الترخيص، ونجحت في الحد من دخول الضار والمغشوش والمزور، وما حدث لأجهزة الاتصال والتلاعب القاتل في محتواها يدعو للاحتياط، واتخاذ قرارات وقائية عاجلة، فالوقاية المسبقة خير من العلاج اللاحق.