تعدّ الولايات المتحدة الأمريكية منارةً للاستثمار والابتكار في العالم، وتلعب الاستثمارات في الملكية الخاصة دوراً حيوياً في بناء أعمال تجارية أفضل توفر فرص عمل للملايين، إلى جانب تحقيق عائدات قوية تسهم في تمويل الضرائب التي تستخدم في دعم نظام التقاعد لملايين الأمريكيين. ويقدر حالياً أن حوالي %85 من إجمالي الاستثمار في الملكية الخاصة يتجه نحو الشركات الصغيرة التي يقل عدد موظفيها عن 500 موظف.

لكن من المؤسف أن الأجندة التشريعية لإدارة بايدن باتت تهدد حالياً هذا النظام الذي يدعم الوظائف والشركات الصغيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة؛ حيث استغلت رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان دعوى الرعاية الصحية التي أقيمت أخيراً كفرصة للهجوم على هذا النظام، وذلك في إطار سعيها إلى تطبيق نظرية راديكالية جديدة لمكافحة الاحتكار، إلا أن نموذج «التملك والتطوير» الذي تستخدمه بعض شركات الاستثمار المباشر في الملكية الخاصة يمد في الحقيقة يد العون لصناعة مفككة وباهظة التكلفة، مثل الرعاية الصحية، ويجعلها أكثر تنافسية، ويسمح للكثيرين بالحصول على تلك الرعاية.

وتبيّن الدراسات أن المستشفيات المدعومة من القطاع الخاص تحظى بتقييم أفضل في مجال الجودة، الأمر الذي يعني تقديم رعاية أفضل للمرضى. وفي الوقت نفسه، ساهمت الاستثمارات في الملكية الخاصة في سد فجوات حرجة في نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة لعقود من الزمن، بعدما وفرت الموارد المتعددة التي يحتاج إليها الأطباء وأطقم التمريض والمستشفيات؛ لعلاج المرضى وتوفير رعاية عالية الجودة. وقد استمعت مؤخراً إلى آراء أصحاب أعمال صغيرة ومتخصصين بالرعاية الصحية أكدوا أهمية دور الاستثمارات في الملكية الخاصة في تحقيق نتائج أفضل ليس فقط لأعمالهم، وإنما أيضاً للعاملين بالقطاع وللمجتمع عموما.

وأودّ أن أسوق مثالاً، حيث أخبرني تشيس بيجور، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «أوتر ليرنينج» أن الاستثمارات الخاصة أتاحت الفرصة لشركته المتخصصة بالتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة؛ تقديم نظام تأمين صحي أفضل لموظفيها، وكذلك خطط للتقاعد ومزايا أخرى، ما بات يتيح لمدرسي الشركة التركيز على وظيفتهم الأساسية، وهي تقديم تجربة تعليمية متميزة لطلابهم.

للأسف، فإنّ مسؤولي الإدارة الأمريكية مثل رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان لا يرون هذا الواقع، بل إن جهودها لإعادة صياغة قانون مكافحة الاحتكار الفيدرالي عبر التخلي عن معيار «رفاهية المستهلك»، والذي ظل لفترة طويلة مقياساً لمدى استفادة المستهلكين الأمريكيين من الأداء والاستثمار، لن يؤدي إلا إلى إبطاء عجلة الاقتصاد. وقد خسرت لجنة التجارة الفيدرالية سلسلة من الدعاوى القضائية البارزة في الأشهر الأخيرة. ويعلق أنتوني سابينو، أستاذ الأعمال والقانون في جامعة سانت جون على ذلك بقوله: «تحاول خان تغيير قانون مكافحة الاحتكار الذي يمتد لقرن من الزمان بين عشية وضحاها، وهذا ليس أمراً حصيفاً».

وقوبلت مقترحات لجنة التجارة الفيدرالية الخاصة بإرشادات الاندماج مؤخراً بانتقادات واسعة، إذ تحاول اللجنة من خلال هذه التدابير تقييد تدفق رأس المال إلى الولايات المتحدة على حساب الاقتصاد ودون هدف واضح. ولاحظ خبراء مثل لورانس سامرز، وزير الخزانة الأمريكي السابق في إدارة أوباما، أنّ النهج المقترح يبدو وكأنه حرب على الأعمال، كما يشكل خطراً كبيراً على المستهلكين وأوضاع الأسواق. كما يتفق خبراء اقتصاد آخرون على أنّ إرشادات الاندماج المقترحة تعتمد على قانون قديم، وتتخلى عن المبادئ الاقتصادية الراسخة.

وقال مستشار اقتصادي سابق في إدارة باراك أوباما ومسؤول سابق لمكافحة الاحتكار في وزارة العدل: «تنحرف مسودة الإرشادات بحدة عن النصوص السابقة عبر إعلاء تفسير الجهات التشريعية للقانون القضائي فوق المبادئ الاقتصادية المقبولة والمتعارف عليها. ولا يجب أن تتحول الإرشادات إلى مذكرة قانونية مثيرة للجدل أو لعبة سياسية».

وتوفر الاستثمارات في الملكية الخاصة وظائف مباشرةً لـ12 مليون شخص، وضخت أموالاً في نحو 44000 شركة أمريكية منذ 2017، وتساهم مدفوعاتها الضريبية بدعم نظام التقاعد لنحو 34 مليون موظف، كما أن الاستثمارات في الملكية الخاصة (عندما تكون جزءاً من محفظة استثمارية متنوعة) توفر أعلى العوائد لأي فئة أصول تستثمر فيها صناديق التقاعد العامة.

إن اقتصادنا الهشّ لا يتحمل ما يعتبر  استئثارا للحكومة بسلطة تحول دون الوصول إلى رأس المال. وما لا يفهمه منتقدو الاستثمارات بالملكية الخاصة، أن وضع العراقيل أمام الاستثمار في الأعمال لن يؤدي إلا إلى تعذر نمو الشركات الصغيرة بأمريكا، والتي تمثل شريان الحياة للاقتصاد، ما يعني عدم قدرتها على التوسع والابتكار، وخلق المزيد من فرص العمل. والقواعد والقوانين واللوائح الحالية توفر بالفعل ضمانات مهمة للاستثمارات في الملكية الخاصة، في حين أن فرض قيود مكافحة الاحتكار لن يؤدي إلا إلى الإضرار بالشركات والعاملين والمتقاعدين بجميع أنحاء البلاد. وبدلاً من تهديد الاستثمارات التي تساعد الأسواق على الازدهار، يتعين علينا أن نشجع المزيد من الشراكات التي تعود بالنفع على المستهلكين والعاملين وروّاد الأعمال والمتقاعدين والأطباء وأطقم التمريض.

* لقراءة المقال الأصلي في فاينانشال تايمز إضغط هنا

شاركها.